قائمة الموقع

مقاصف مدرسية تتهرب من الشروط الصحية والطلبة يدفعون الثمن

2015-12-29T09:30:03+02:00
أحد المقاصف المدرسية في غزة
غزة-نور الدين صالح

يعتمد غالبية الطلبة في المراحل الدنيا على المقاصف المدرسية كمصدر رئيس لوجبة الإفطار والتي تعد الأهم بالنسبة للأطفال بحسب خبراء الصحة والتغذية.

لكن وبعكس المتوقع أثبتت دراسة علمية صادرة عن وزارة الصحة إصابة أعداد كبيرة من الطلبة المدارس خاصة المرحلة الأساسية (من الصف الأول إلى السادس) بمرض فقر الدم "انيميا".

وأرجعت الدراسة اسباب إصابة الطلبة الذين تتراوح اعمارهم ما بين (6-10) أعوام بهذا المرض إلى سوء التغذية التي يتلقاها الطلبة نتيجة عدم تناولهم وجبة الإفطار الرئيسية واعتمادهم على المقصف في التغذية.

"أكياس شبيس، سكاكر، "اندومي"، سانوتشات فلافل ومرتديلا " هي المواد التي تقتصر عليها غالبية المقاصف، فيما تغيب الألبان والأجبان والعصائر عن المكان.

خطورة القضية دفعتنا للنبش في قضية المقاصف المدرسية ومدى الرقابة على المواد التي تباع بداخلها خاصة بعد أن علمنا أن مرض الأنيميا ينتشر بين الطلبة بحسب الدراسة السابقة

خبير تغذية: الطلبة الذين يعتمدون على المقصف في وجبة الإفطار أكثر تعرضا "للأنيميا"

بنسبة وصلت إلى 32% في المدارس الحكومية، و31 % في مدارس "الأونروا"، أما المدارس الخاصة فكان من نصيبها النسبة الأعلى والتي بلغت 33%.

شروط غير مطبقة

وفي رحلة البحث كررت "الرسالة" زيارتها الميدانية لمدارس حكومية وأخرى تابعة لوكالة الغوث، ولاحظت أن متعهدي المقاصف يحاولون تقليص الكميات والاستعانة بالبضائع الرخيصة لتحقيق هامش ربح جيد خاصة في ظل ارتفاع ثمن الاستئجار.

ورغم أن الوزارة تفرض شروطاً في العقد الموقع مع ضامني المقاصف قبل البدء بالعمل فيه تتمثل في نظافة المقصف وارتداء زي خاص، وصلاحية تواريخ المواد التي تباع، إضافة إلى ضرورة وجود بعض المشروبات الطبيعية والالبان، ، ومنع أصناف كثيرة "كالشيبس" المقلية إلا أن معد التحقيق لاحظ غياب التطبيق الفعلي للكثير من الشروط.

وفي هذا الإطار يؤكد خبير التغذية د. عدلي سكيك أن غالبية الطلبة اعتادوا على تناول وجبة الإفطار السريعة في مدارسهم، كما أنهم يبتعدون عن الأصناف المفيدة ذات القيمة الغذائية، الأمر الذي أثر سلبا على صحتهم وبالتالي تحصيلهم الدراسي.

ويشير سكيك لـ "الرسالة" إلى انتشار مرض فقر الدم بشكل كبير بين الأطفال في غزة، حيث أن نسبة الإصابة به تصل إلى 80%، فيما تتبقى الـ 20% لأنواع أخرى من الانيميا.

دراسة: 32% من طلبة المدارس مصابون بمرض انيميا فقر الدم

وبحسب سكيك فإن الرصد التغذوي لطلاب المدارس أظهر أن الأطفال الذين يعتمدون على المقصف فقط في تناول وجبة الإفطار هم أكثر تعرضا لمرض سوء التغذية، بعكس الطلبة الذين يجلبون فطورهم من المنزل. 

"الرسالة" حاولت الوقوف أكثر على المشكلة من خلال الاطلاع على الإحصائية الصادرة عن وزارة الصحة بالتعاون مع اليونيسيف ووكالة الغوث، ووزارة التربية والتعليم، والجهاز المركزي للإحصاء في العام 2014م والتي تعد الأضخم على مستوى الشرق الأوسط حيث استهدفت 5 فئات من بينهم أطفال المدارس من سن 6-12، وكذلك المراهقين من سن 15 وحتى 18.

الدراسة التي مولها اليونيسيف بمبلغ مليون و600 ألف دولار وشمل كل الأراضي الفلسطينية، أثبت أن قطاع غزة يعاني من سوء التغذية وانيميا فقر الحديد، خاصة أن البحث شمل 10 آلاف عينة و6 آلاف استبيان، وزيارة 660 عيادة ومخبز ومتجر. وخلصت بعض نتائج الدراسة إلى أن الانيميا منتشرة بنسبة 21.8 بين المراهقات بينما المراهقون 12.3.

التعليم: نضع شروطاً لأصحاب المقاصف قبل استلامها ونتابعها دوريا

وأكدت الدراسة إصابة 59% من طلبة المدارس في سن 7 وحتى 12 بأملاح في البول وهو ما أرجع سكيك سببه لتناول الشيبس والسكاكر والمشروبات الغازية.

سوق سوداء

أحد متضمني المقاصف من شمال القطاع والذي أكد لمعد التحقيق أن الطلبة يقبلون على الشيبس والشكولاتة وساندويش الفلافل والمرتديلا لذا يلجأ لتقليل الكمية والاكتفاء بقرص واحد لتحقيق الربح.

ومن بين الحقائق "الصادمة" التي كشفتها "الرسالة" خلال اجراء التحقيق، ما كشف عنه مصدر بأن بعض أصحاب المقاصف يشترون بعض أنواع الشوكولاتة والشيبسي التي اقترب تاريخ انتهاء صلاحيتها من السوق السوداء لبيعها في المدارس.

ويقول المصدر-الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه-أن بعض البضائع التي تباع في المقاصف وخاصة في مدارس "الثانوية" تكون صلاحيتها مقاربة على الانتهاء "من أجل كسب أكثر".

ويضيف أن قلة جودة بضائع المقصف تدفع الطلبة للهروب من المدرسة لشراء حاجاتهم من الباعة المتجولين، مشيراً إلى أن المقاصف تفتقد للمتابعة الدورية من ادارة المدرسة واللجان الخاصة في وزارة التربية والتعليم.

كما يشير إلى عدم التزام أصحاب بعض المقاصف بارتداء اللباس الخاص والصحي الذي تطلبه الوزارة، إضافة إلى عدم تجديد "سيرج" القلي بشكل مستمر.

ويلقي "المصدر" اللوم على الوزارة التي تشرع بعمل مناقصات بأسعار مرتفعة، مضيفاً "ارتفاع سعر الإيجار ربما يدفعهم للتلاعب في جودة الأطعمة والمواد التي تباع".

ويقترح أن تضع الوزارة شروطاً على بيع السندويشات في المقاصف بما يتناسب مع الاوضاع الاقتصادية للطلبة.

المقاصف المدرسية من أهم الموارد المالية للوزارة

بدوره، يقول فلاح العسلي منسق الصحة في مدرسة سعد بن أبي وقاص الأساسية للبنين، إن ما يتم منع بيعه في المقاصف هي البضائع منتهية الصلاحية، إضافة إلى بعض الاصباغ والسكاكر.

وبيّن العسلي أن المقاصف تعتمد على بيع البضائع البسيطة والرخيصة.

ويعرب عن أمله أن تتم متابعة المقاصف بشكل أكبر إلى أن تصبح أكثر صحية وأفضل حالا مما هي عليه الآن.

تلك الشكاوى حملها مراسل "الرسالة" ووضعها على طاولة المسؤولين في وزارة التربية والتعليم بغزة.

وفي هذا الإطار، قال فايز السرحي مدير دائرة متابعة المقاصف في وزارة التعليم بغزة، إن وزارته تتابع عمل المقاصف في المدارس من خلال جولات تفقدية، للاطلاع على المواد التي تباع للطلبة، إضافة إلى متابعة المدرسة واللجان الصحية فيها المكونة من مجموع من الطلبة المتميزين.

وأوضح السرحي لـ "الرسالة" أن الوزارة تفرض شروطاً في العقد الموقع مع ضامني المقاصف قبل البدء بالعمل فيه، إضافة إلى ضرورة وجود تقرير طبي يؤكد سلامة صاحب المقصف من الأمراض.

ومن بين الشروط التي تضعها الوزارة الالتزام بنظافة المقصف وارتداء اللبس الخاص به، مع متابعة صلاحية تواريخ المواد التي تباع، إضافة إلى ضرورة وجود بعض المشروبات الطبيعية والالبان، وفق السرحي.

وأشار إلى أن قسم الصحة المدرسية، يجري قرابة 10 جولات تفقدية على المقاصف خلال الشهر، للتفتيش على مدى التزام اصحاب المقاصف بالشروط التي تفرضها الوزارة، لافتاً إلى أن من يخالف الشرط يُعرض نفسه للمساءلة ويتم اتخاذ اجراءات بحقه قد تصل إلى الفصل.

وأضاف "لا تستطيع الوزارة منع بيع بعض الأصناف في المقاصف، لكن تحاول تقديم النصائح اللازمة للابتعاد عنها"، ولكنه أقر بوجود بعض المقاصف غير الصحية في غزة، مستدركا "نسعى جاهدين لان تكون صحية من جميع الجوانب".

غلاء الأسعار

في المقابل أصحاب المقاصف حملوا وزارة التربية والتعليم جزءا من المسؤولية بسبب ارتفاع أسعار مناقصات استئجار المقاصف مقارنة مع الأعوام السابقة، والتي تصل إلى أكثر من 4 آلاف دينار.

وبحسب أصحاب المقاصف فإن الطلاب في حال لم يجدوا الشيبس و"الاندومي" فإنهم سيلجؤون لشرائها من الباعة المتجولين خارج المدرسة، وعندها سنتكبد خسائر بسبب ارتفاع الإيجار.

وكالة الغوث رفضت التعامل مع "الرسالة" وذكرت أنها تتحفظ على التعامل مع القضية

وجهة النظر السابقة وافقتها مديرة لإحدى مدارس غرب غزة، موضحة أن ارتفاع اسعار ايجار المقاصف يدفع أصحابها إلى شراء أغراض رخيصة، الأمر الذي يلقي بظلاله السلبية على صحة الأطفال.

وتؤكد المديرة أنها لا تستطيع الالتزام بشروط الوزارة بشكل دقيق خاصة وان الطالب لا يقبل على شراء الفواكه والألبان في حال وفرها متعهد المقصف، كما أن المستأجر يريد تعويض الخسائر وتحقيق الأرباح.

وتبرر الوزارة على لسان السرحي، أنها تُطلع أصحاب المقاصف على الأسعار التي تفرضها خلال المناقصات عند استلام المقاصف.

كما يعتبر سرحان المقاصف المدرسية من أهم الموارد التي تعود على الوزارة وتلبي متطلباتها، "أموال المقاصف تصرف على كثير من النشاطات التي نحتاجها في المدارس خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها قطاع غزة، وعدم ارسال الحكومة الموازنة التشغيلية للوزارة".

وقال "نولي المقاصف اهتماما كبيرا حتى من الناحية المادية"، مشيراً إلى وجود اشكالية في الباعة المتجولين على أبواب المدارس "وهم خارج سلطتنا ويتبعون للبلدية".

متابعة المدارس

لم تكتف "الرسالة" بالجولات الميدانية التي قامت بها بشكل فردي بل توجهت لوزارة التربية والتعليم لتسهيل مهمة زيارة مدارس من اختيارها وبعد الانتهاء من الاجراءات اللازمة التي تمنحنا اياها الوزارة ورفع كتاب رسمي لمديريتي غرب وشمال غزة، بأسماء المدارس التي نود الاطلاع عليها في اليوم التالي، وإصرارها على إرسال وفد يرافق "الرسالة".

انطلق مراسل "الرسالة" متوجهاً إلى مدرسة سعد بن أبي وقاص والتي قال مديرها جمال النجار إنه يتابع مقصف المدرسة من خلال تنفيذ زيارة اسبوعياً تقريباً، إضافة إلى المتابعة اليومية من اللجنة الصحية في المدرسة، في حين أن المديرية تنفذ 3 زيارات للمدرسة كل فصل.

ويوضح أنه يتم بيع جميع الاصناف داخل المقصف بشرط عدم انتهاء صلاحيتها، مؤكداً أنه في حال ضبط أي مواد ضارة يتم اتلافها وعمل محضر اتلاف لصاحب المقصف.

الصحة: ليس لدينا دور في متابعة المقاصف

أما فيما يتعلق بزيت قلي الفلافل، فبيّن أنه يتم تغييره كل يومين تقريباً بعد عمل فيه كميات من السندويشات، مشيراً إلى أنه لا يتمتع بصلاحيات اتخاذ اجراءات مباشرة ضد صاحب المقصف، "لكن في حال وجود إشكالية يتم رفع تقرير للمديرية، وهي التي تقرر العقاب"، وفق قوله.

وألقى النجار اللوم على وزارتي الصحة والاقتصاد اللتين تسمحان بدخول بعض الأغراض الضارة مثل أنواع الشيبسي المصبوغة بصبغات مختلفة، لأننا لا نستطيع أن نمنع اشياء مسموحة داخل المدرسة"، مؤكداً عدم الالتزام الكامل من عاملي المقصف بالشروط الصحية، خاصة اللباس المحدد.

ومجدداً عدنا لمديرية غرب غزة والتي وجهتنا إلى مدرسة القاهرة (ب) الابتدائية للبنين، وكانت ظروف المقصف الذي يصل سعر تكلفة إيجاره (60 ألف شيكل) تختلف عن سابقه خاصة وان المتعهد يعمل في المقصف للعام الأول حيث بدا على أصحابه الالتزام بالشروط الصحية، خاصة ارتداء العاملات فيه اللباس الخاص، وبيع بعض أنواع العصائر الطبيعية.

وبالطبع فإن المقصف لم يخل من أنواع الشوكولاتة والشيبسي، وبعض السكاكر التي تحتوي على صبغات صناعية.

وبدا واضحاً مدى متابعة ادارة المدرسة ومنسقة الصحة للمقصف، وتنفيذ جولات تفقدية يومياً، حيث راحت المعلمة منى الخزندار منسقة اللجنة الصحية مسرعةً لتحضر سجل المتابعة اليومية لإثبات أهمية صحة الطلبة لديهم.

مدراء مدارس: ارتفاع أسعار المقاصف يدفع متعهديها لجلب البضائع الرخيصة

ويؤكد غسان حمادة رئيس قسم الصحة المدرسية بمديرية غرب غزة، إن ارتفاع سعر إيجار ضمان المقاصف هذا العام، يرجع لكون جميع المدارس خضعت لنظام المزايدة، ما أدى إلى وجود تنافس شديد، وبالتالي يصبح هناك "مغالاة في الأسعار".

وعند سؤالنا عن طبيعة المواد التي تباع في المقاصف، ذكر ما تسمح بدخوله وزارة الصحة للقطاع ولكن ضمن محددات، مثل "بعض انواع السكاكر، والاندومي في بعض المقاصف، والمشروبات الغازية".

مدارس الوكالة لا تختلف

حال المدارس التابعة لوكالة الغوث لم يختلف عن المدارس الحكومية وهو الأمر الذي لاحظته "الرسالة" خلال تفقدها بعض المدارس وهو ما أكده لها أحد المعلمين والذي فضل عدم الكشف عن اسمه خوفا من المساءلة، مشيرا إلى أن ما يباع لا يتعدى الشيبس والعصائر رخيصة الثمن وسندوتشات الفلافل والمرتديلا.

وبحسب المعلم فإن إيجار المقصف يصل إلى 23 ألف دولار وهو ما يؤدي لبيع مواد رخيصة لا تحوي قيما غذائية.

وحاول معد التحقيق الوصول إلى المدارس التابعة للأونروا، بالطرق الرسمية إلا أن اجراءاتها "الصارمة" وقفت سداً منيعا من الدخول إليها.

فبعد مرور أكثر من أسبوع من ارسال كتاب رسمي يتطلب الموافقة من إدارة الأونروا للسماح بدخول المدارس التابعة لها، لم توافق على الطلب، حيث قالت مسؤولة العلاقات العامة في الأونروا ميلينا شاهين، إن الوكالة لديها تحفظ على قضية الاطلاع على عمل المقاصف.

وأضافت شاهين أنها تعتبر المقاصف شأناً داخليا ولا يُسمح للإعلام الاطلاع عليه.

الصحة لا تتابع

وبعد جولة من اللقاءات تواصلنا مع قسم التغذية في وزارة الصحة بغزة، بصفتها الجهة الأساسية التي تجري الفحوصات على المواد التي تدخل قطاع غزة.

فمن المفترض أن يكون له الدور الأكبر في المراقبة، ولكننا تفاجأنا خلال حديثنا مع الدكتورة سمر النخالة مسؤولة قسم التغذية في الوزارة، بأنها غائبة عن مراقبة المقاصف.

أكدت الدراسة الصادرة عن الصحة إصابة 59% من طلبة المدارس في سن 7 وحتى 12 بأملاح في البول لتناولهم الشيبس والسكاكر والمشروبات الغازية

وقالت "ليس لدينا أي دور في الإشراف على مواد المقاصف، ومهمتنا تقتصر على متابعة صحة الطلبة فقط من حيث الوزن والطول وغيره".

وبعد سلسلة اللقاءات التي أجراها مراسل "الرسالة" في محاولة لكشف خيوط حقيقة طبيعة المواد التي تباع في المقاصف، تبين وجود تلاعب كبير ومراقبة متفاوتة ما بين المدارس، ولكن يبقى الطلبة هم ضحية كل الاجراءات والاشكاليات التي تحدث بين الوزارة وأصحاب المقاصف.

اخبار ذات صلة