استمر كتمانه للسرّ أكثر من 9 سنوات، لم ينبس خلالها ببنت شفة حول انخراطه في مهمة احتجاز الجندي (الإسرائيلي) جلعاد شاليط، هو عبد الرحمن صالح المباشر القائد الميداني في كتائب القسام، الذي تسلّل أيضا منذ صغره خلف خطوط العدو غرب خانيونس قبل الانسحاب (الإسرائيلي).
9 أعوام مضت تكتّم عبد الرحمن على أيّ معلومة بشأن احتجازه ورفاقه الشهداء للجندي شاليط، فلم يُعلم ذويه أو أقرب أصدقائه معلومة واحدة عن عمله المقاوم، ويقول شقيقه رياض المباشر لـ "الرسالة" إنّه تميّز بكتمانه الشديد وحفظه لأسرار الكتائب، وعدم حديثه نهائيا عن أقلّ تفاصيل عمله مع القسام.
عشق عبد الرحمن للعمل المقاوم ارتبط به منذ صغره، ويقول رياض: "قبل أكثر من 10 أعوام تسلّل عبد الرحمن إلى مستوطنة (نفيه دكاليم) غرب خانيونس، وأشعل خزانات وقود تابعة للجيش (الإسرائيلي) آنذاك، قبل أن يلاحقه جنود الاحتلال، لينسحب من مكان تسلله عبر ثغرة في السياج الأمني".
"تواضعه ومحبة الناس سبقت استشهاده، وابتسامته لا تفارق وجهه أينما كان"، ويضيف رياض أن عبد الرحمن كان هادئا بطبعه ومشاركا للجميع في نشاطه الاجتماعي، فلم يكن يوما متكبرا على أحد من رفاقه لمكانته العسكرية لدى القسام".
ويقطن القائد القسامي في منزل صغير وسط المعسكر الغربي بخانيونس جنوب القطاع، ولكثرة انشغاله كان يرسل أخيه للتسوق لأهل بيته (زوجته وطفلتيه)، لكن ذلك لم يمنعه من مساندة ذويه.
ففي حادثة قريبة قبل أيام من استشهاده، انطلق عبد الرحمن مسرعا ليطفئ حريقا نشب في مخازن أدوات سباكة لعائلته، ويقول رياض: "تفاجأت من تواجد عبود في مقدمة إطفاء الحريق، رغم انشغاله المستمر".
وفي عدوان صيف 2014، غاب عبد الرحمن طويلا عن عائلته وأطفاله، لكنّه حين عاد بعد انتهاء حرب العصف المأكول، استقبله ذووه استقبال الأبطال، ووصف رياض عودة شقيقه بأن وجهه كان ناصع البياض كأنما لم تره أشعه الشمس منذ فترات طويلة.
موعد عبد الرحمن مع الشهادة كان فجر الاثنين الماضي، حيث انهار فوقه نفق للمقاومة، ولم يكن غريبا أن تشهد خانيونس يومها جنازةً تعيد للذاكرة مشاهد شهداء انتفاضة الأقصى، ليشارك عشرات الآلاف في تشييعه، مثنيا كل من عرفه على طِيب خُلقه وانبراء ابتسامته أمام الجميع.
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، انطلقت آلاف التغريدات على وسم (#عبود_شهيد)، التي لطالما أحبّ عبد الرحمن أن يطلق عليه ذلك الاسم الذي اقترن به بين أصدقائه.
واختتم رياض حديثه لـ "الرسالة" حول حياة شقيقه بقوله: "عمل عبود في مشروع المقاومة كان عن عقيدة وقناعة تامة أنه سيعود يوما محمولا شهيدا على الأكتاف، يبكيه الصغار والكبار".
ويبقى شهداء الإعداد هم الجنود المجهولون الذين حُفرت بصماتهم على كل سلاح، ومضوا نحو طريق التحرير، لتكشف الأيام ما كانوا يوما يصنعونه من جهاد تحت باطن الأرض.