الرسالة نت - خلود نصار
تحت ظلال خيمتهم وبين أكوام (الغزل) جلس نفر من عائلة سعد الله، منهمكين في صنع شباك الصيد، وكل منهم يحمل إبرة وينقلها بين ثقب وآخر ليجمع شمل قطع من الغزل، لتكون له في نهاية المطاف شبكة صيد.
ويعمل محمد سعد الله في منتصف عقده الخامس، في صناعة شباك الصيد مذ كان طفلا، وورث هذه المهنة أبا عن جد، ويقول : "البحر وصناعة الشباك تعني لي كل شيء (..) قوت أولادي هنا، في البحر".
وتعتبر مهنة صناعة الشباك من المهن اليدوية القديمة التي ازدهرت في الماضي وما زالت حية في وقتنا الحاضر، لاسيما أن صيادي قطاع غزة وصل عددهم إلى ما يزيد عن ثلاثة آلاف صياد.
وتبدو هذه الصناعة بحاجة لمجهود كبير، إضافة إلى الصبر والقدرة على التحمل، فضلا عن أن موادها الخام ذات كلفة عالية.
يصنعونها بأيديهم
ويعكف صيادو غزة على صناعة شباكهم بأيديهم، مستخدمين الغزل الحريري الذي يكون على شكل حزم أو ما يسمى بلغة الصيادين (البلات) وتبلغ طول البلات الواحدة (100متر ) وعرضها (10أمتار) وتحتاج شبكة الصيد لتكون جاهزة لـ( 24 بلات).
ويحصل الصيادون على الغزل عبر شرائه من جمعية الصيادين التي توفر لهم المواد اللازمة.
ويكمن دور صانع الشباك في حياكة هذه الحزم و تجميعها بواسطة الإبرة والخيوط الحريرية، ويذكر سعد الله والبسمة ترسم على وجهه "كنا سابقا نصنع الغزل بأنفسنا وبمساعدة زوجاتنا ومن ثم نقوم بحياكتها يدويا أما الآن فأصبحت العملية أسهل بكثير".
ويستخدم الصيادون قطع الفلين في صناعة شباكهم بحيث يحاك في الأطراف العلوية للشبكة، لتطفو على سطح الماء، فيما تثبت في الجهة المقابلة كرات الرصاص لتغمر الشبكة في ماء البحر.
ويقول سعد الله وقد غطى الشعر الأبيض جزءا من رأسه :"كثيرا من الناس يعتقد أن الشباك رخيصة الثمن إلا أنها مكلفة جدا فتبلغ تكلفة الشبكة الواحدة المسماة بـ ( الشنشوله ) 10.000$ فهي تشكل ثروة كبيرة للصياد.
يشار إلى أن الحصار "الإسرائيلي" المفروض على قطاع غزة منذ أربعة أعوام، أثر على صناعة الشباك حيث أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الخام، مما صعب على جمعية الصيادين توفير تلك المواد الخام للصيادين، الأمر الذي أجبرهم على التوجه للسوق السوداء لشراء ما يلزم في صناعتهم.
ويقول الستيني أبو سعيد سعد الله- وهو الأخ الأكبر للصيادين السبعة الذين يعملون في صناعة الشباك -وقد رسمت التجاعيد على وجهه "أعمل في هذه المهنة منذ 50 عاما والحمد لله مرتاح لأني حر نفسي وأعمل مع إخوتي في البحر فتعلمت هذه المهنة من آبائي وأجدادي وعلمتها لأبنائي وأحفادي".
يحيك بخفة
ويردف أبو سعيد وهو يحيك بخفة شبكة، حمل أطرافها بيده وعلق جزء آخر منها في أصبع قدمه : "العمل بصناعة الشباك في هذه السن متعب نوعا ما، فالعمر له حقه والنظر له حقه أيضا فمهنتنا تحتاج لتعب..أحيانا نضطر للمبيت في خيمتنا إذا كان هناك عمل كثير".
ولا ينفك صانعو الشباك عن حياكة شباكهم، منذ ساعات الصباح الأولى، وحتى المساء، ويتوقفون لأداء الصلاة.
ومعظم صانعي الشباك هم من كبار السن، الذين احترفوا نسجها، واعتادوا على منحها الكثير من وقتهم، فيما يتجه الشباب إلى ركوب البحر للصيد أو ما تسمى (بالسراحة ليلا).
ويشرح الصياد محمود الهسي 25 عاما عن كيفية ولوج شبكة الصيد في الماء، وقال إن الشباك تلقى عموديا، ويطفو الفلين على سطح الماء والرصاص ينزلق إلى القاع، وبذلك تعترض الشباك طريق الأسماك، ومن ثم يحمل الصياد شباكه بواسطة حامل ميكانيكي إلى سطح المركب.
ويوضح الهسي أن هناك نوعين من الشباك، الأول: شباك صغيرة تستخدم في صيد "السردين" وهو الموسم الذي ينتظره الصيادون بشغف ويسمونه (موسم الانتعاش).
جدير بالذكر أن موسم "السردين" يمتد من منتصف شهر ابريل وحتى منتصف شهر يونيو.
ولفت الصياد إلى أن النوع الثاني: هي الشباك الكبيرة التي تستخدم لصيد الأسماك كبيرة الحجم مثل (الواط واط و التونا).
وقد تتعرض الشباك للتمزيق من قبل الأسماك الضخمة، مما يشكل كارثة بالنسبة للصياد.
وكشف الصياد الهسي عن أن شباك صيدهم لم تسلم من اعتداءات الاحتلال الصهيوني، بحيث تقوم الزوارق الحربية "الإسرائيلية" بين حين وآخر، بحرقها وتمزيقها.
وفي إطار تضييقها على الصيادين، تمسح سلطات الاحتلال للصيادين الإبحار حتى مسافة ثلاثة أميال فقط، وهي منطقة قاحلة لا تحتوي على الأسماك لذلك يضطرون أحيانا للمخاطرة بأنفسهم للوصول لأماكن وفيرة.
ويقول الصياد الهسي: "لا أستطيع ممارسة أي عمل آخر غير الصيد، فإذا أغلق البحر أمامنا بت عاطلا عن العمل وأنتظر المساعدات"، ويضيف "إن القارب الواحد يعيل 100 أسرة فإذا توقف عن العمل لم تجد جميعها الطعام أو الشراب".