وُضعت أطباق الحلوى على المائدة عشية يوم ميلاده الثالث والعشرين، وأُطفئت الشموع ، ليكونوا جميعهم حاضرين سواه، الا أنه بقي محفورا في الذاكرة التي لا تموت، ليسبح في عيني والده حزن هائل وهو يتأمل جميع أبنائه حوله.
يمر عيد ميلاد عبد الله أبو الجبين هذه المرة وهو غائب عن ذويه بعدما اختطفته مجموعة مسلحة اعترضت طريق الحافلة التي كانت تقله وزملاءه الثلاثة داخل الأراضي المصرية منتصف أغسطس الماضي، عابرين بموافقتهم الأمنية وبوثائق رسمية.
لم يعهد عبد الله أن يسافر من قبل خارج قطاع غزة ويواجه الغربة بتحدياتها، الا أن هذه المرة كانت المشؤومة بالنسبة له ولأهله، بعدما خطف دون ان يقترف أي ذنب سوى أنه خرج طالبا للعلم، جاهلين موعد عودته.
يُذكر أن عبد الله حصل على منحة تركية لاستكمال دراسته الجامعية، ورغم اجتيازه أكثر من نصف فترة دراسته الجامعية تخصص "إدارة أعمال"، لكنه فضل استغلال المنحة والسفر الى تركيا، لكنه لم يكن يعلم انها ستتحول بغمضة عين إلى كابوس يعيشه أهله كل يوم، ليمر على غيابه أكثر من أربعة شهور دون إفادتهم بأية معلومة عنه.
يرفض والد أبو الجبين تقبل فكرة عدم وجوده بينهم، ليخطئ مراراً وتكراراً بلفظ اسم ابنه وهو ينادي على أحد أولاده الحاضرين قائلا: "دائما ما أتخيل تواجد ابني بين أرجاء المنزل وكأنه حاضر بيننا".
يقول والده وعيناه دامعتان :" كان عبد الله كثير الانشغال بدراسته وتأسيس مستقبله، لذلك كنا نفاجئه بين الفينة والأخرى بما يحبه ويسر خاطره كحفلة عيد ميلاد أو جلب هدية دعماً وتحفيزاً له كونه آخر العنقود ".
بكاء والد عبد الله أعاقه عن الكلام والحديث كثيراً عن فلذة كبده وما حدث معه، فقد لخص آلامه ووجعه على ابنه بجملة ناهياً كل الحديث: "إن أصدق ما أشعر به هو أصعب من أن يُروى".
اختطاف الشبان الأربعة ما كان الا خطفا لمستقبلهم وآمالهم معتقدين ببساطة تفكيرهم أن بوابة رفح المصرية هي انطلاقاً لأحلامهم وطموحاتهم الصغيرة، لكنها تلاشت باختفائهم دون سابق إنذار.
لم تستوعب عمته منال ما حل بعبد الله التي تولت تربيته بعد وفاة أمه بمرض عضال وهو ابن أربع سنوات، لتقول:" أتألم بشدة وأنا أتذكر ما كان يخطط له ابني من أمنيات وأحلام آلت الى مستقبل مجهول، خاصة أنني أفنيت كل عمري من أجله وإخوته ليذهب سدى بمجرد اختطافه دون سبب يُذكر".
وتسترسل طاوية الكلام:" ما حدث مر سريعا كلمح البصر انعكس على حياتي العملية والاجتماعية، حتى بت كالجماد، فلم أقدر حتى اليوم التأقلم مع من حولي كوني منشغلة بعبد الله ومصيره".
انطفأت الشموع التي اوقدتها عائلة عبد الله ابو الجبين احياء ليوم ميلاده، دون ان تعلم هل سيكون ابنها حاضرا العام القادم ليحتفل معهم ، أم أن مصيره سيبقى مجهولا في الاراضي المصرية.