بانزعاج كبير استقبل أهالي حي الأمل في خانيونس التيار الكهربائي بعد انقطاع دام أكثر من 12 ساعة، والذي تأخر عن موعده بحسب الجدول المعمول به في المنطقة (8 وصل مقابل 8 قطع) أربع ساعات، لكن الأهالي انفجروا غضباً بمجرد أن أطفأت أنوار المنطقة بعد أقل من ساعة على إنارتها ويراقبونها من نوافذ منازلهم المنطقة المجاورة لهم وهي تشع نوراً.
الغضب دفع المواطنين للاتصال على مقرّ شركة الكهرباء لكنهم لم يتلقوا ردا، فدخلوا في شجار مع موظفي شركة توزيع الكهرباء الذين قطعوا التيار عن المنطقة ما استدعى تدخل الشرطة الفلسطينية.
المواطنون الغاضبون أكالوا جملة من الاتهامات لمسؤول كبير في الشركة قالوا إنه يوصل الكهرباء لمنطقة سكناه، في وقت انقطاعها دون المناطق الأخرى، وتقدموا بشكوى رسمية لكن دون فائدة، فلم يطرأ أي تغيير على الحالة المتكررة في مناطق أخرى من المدينة، وهو ما ينسحب على محافظات القطاع الخمسة.
وتعدّ الكهرباء في قطاع غزة من أكثر الأزمات المستمرة التي يعاني منها القطاع دون أفق لحلٍ ينهي ملف انقطاع التيار الكهربائي والعجز الذي يصل إلى 45% من الطاقة الكهربائية، لكن ما يفاقم الازمة والغضب لدى المواطنين الشكاوى التي وردت وتفيد باستغلال عاملين في شركة توزيع الكهرباء لمناصبهم وطبيعة عملهم للحصول على الكهرباء بشكل خاص، كما وردت شبهات فسادٍ في قضية عدالة توزيع الكهرباء، وهو ما دفع الرسالة للتقصي حول "الصندوق الأسود" للقضية.
اعترافات
الاتهامات الموجهة للمسؤولين في الشركة بتسببهم في الأزمة تطرح العديد من التساؤلات، حول غياب العدالة في توزيع الكهرباء وفق الجداول المعلن عنها، ومدى استغلال موظفين ومسؤولين في الشركة نفوذهم للحصول على الكهرباء؟، أم أن الأزمة أكبر من أن يتم السيطرة عليها؟، ولماذا إلى اليوم يدير المسؤولون عن الشركة عملية تقطير الكهرباء وتقنينها؟! تساؤلات حاولنا الاجابة عليها في التحقيق مستعرضين شهادات لموظفين في الشركة واعترافات بوجود ما يمكن أن يطلق عليه "شبهات فساد" في إدارة الأزمة.
مواطنون: هناك تحيّز واضح لمناطق معينة يقطنها مسؤولون
وبحسب بيانات الشركة التي أكدها "للرسالة" مدير عام شركة توزيع الكهرباء في غزة عوني نعيم، فإن مصادر الطاقة الكهربائية في قطاع غزة هي "الخطوط المصرية (3خطوط بطاقة 26 ميجا)، والخطوط الإسرائيلية (10 خطوط بطاقة 120 ميجا)، وخطوط محطة توليد الكهرباء بغزة (من1- 10، بطاقة من 0 - 100 ميجا وات).
وتمدّ مصادر الطاقة الثلاثة غزة في أحسن أحوالها (طقس_صيانة) مع توفر كميات الطاقة للمحطة، فقط بـ 256 ميجا وات، فيما يحتاج قطاع غزة إلى 450 ميجا وات ليستمر عمل الكهرباء بشكل كامل، أيّ أن العجز الدائم يصل إلى 194 ميجا، في حين بلغت نسبة العجز خلال الازمة الحالية إلى 271 ميجا.
ومع وصول فصل الشتاء ذروته من برودة الأجواء وتزاحم المنخفضات الجويّة، ازدادت نسبة استهلاك المواطنين، واستعمالهم التدفئة الكهربائية، وقالت شركة التوزيع إن ذلك أدى لزيادة الأحمال على الشبكة، ما دفع طواقمها الفنية لتخفيف الأحمال عبر فصل بعض القواطع، وهو ما تسبب في الأزمة الحالية.
وفي حال توقف عمل محطة التوليد -وهو ما يحدث بشكل دوري لعدم توفر كميات الوقود لتشغيلها-، فإن العجز يصل إلى 317 ميجا، ما يعني العمل ببرنامج 6 ساعات وصل، مقابل 12 قطع وقد يزيد عن ذلك.
وتؤكد الشركة أن العجز الحالي في توزيع جداول الكهرباء لا يزيد عن الساعتين ويتم تطبيقه بشكل دوري على المناطق، إلا أن المعطيات والتعامل مع الشبكة وتعقيداتها يجعل بعض المناطق تتأثر بهذا القطع الإضافي أكثر من غيرها، في حين يشتكي معظم المواطنين من أن وصل الكهرباء لا يزيد عن أربعة ساعات يومايا، وهو م يثير أغضبهم.
عجز كميات الطاقة
الانقطاع المتكرر لخطوط الكهرباء المصرية إضافة إلى نقص كفاءة محطة التوليد لعدم الصيانة في بعض أنظمتها وعدم توفر الوقود اللازم لتشغيلها، علاوة على تزايد الاستهلاك بشكل سنوي فيما يلاحظ اعتداء من مواطنين و"متنفذين بالشركة" على شبكات الكهرباء، كل ما ذكر أهم أسباب أزمة الكهرباء كما تؤكد شركة التوزيع.
معد التحقيق تواصل مع عدة مواطنين اشتكوا من غياب عدالة التوزيع وتكرار وصل الكهرباء في مواعيد فصلها عن مناطق وأحياء يقطنها مسؤولون في الشركة أو "أطراف أخرى" لم يذكروها.
موظفون: عاملون يتجاوزون النظام ويستغلون نفوذهم في وصل الكهرباء لمنازلهم
الأستاذ الجامعي والمختص في الشأن "الإسرائيلي" مأمون أبو عامر، اشتكى وجيرانه من وصل الكهرباء بشكل مستمر في منطقة مجاورة لهم غرب خانيونس -يقطنها مسؤول في الشركة-، وتسبب وصل الكهرباء هناك لمدة أطول بكثير من المناطق الأخرى حالة غضب وامتعاض من المواطنين ما أسفر عن وقوع اشكالية بين المواطنين وموظفي "الأحمال" في شركة التوزيع لتتدخل الشرطة.
أبو عامر أضاف: "غياب عدالة التوزيع ملحوظ ومتكرر في أكثر من منطقة، وشهدنا تحيّزا واضحا لمناطق معينة بها مسؤولون، وقال إنهم وجدوا عدم اكتراث واهمالا واضحا للشكوى المقدمة بهذا الشأن؛ لأن الموظفين يتسترون على بعضهم البعض، وفق قوله.
البحث خلف التجاوزات التي تؤدي لغياب العدالة في توزيع جدول الكهرباء لم يكن سهلاً واستمر فترة طويلة خاصة أن الرسالة حاولت التواصل مع عاملين من داخل الشركة للحصول على شهاداتهم.
مُعد التحقيق استطاع مقابلة عدة عاملين في شركة توزيع الكهرباء، وحصل على شهادات لقضايا يمكن وصفها "بشبهات فساد" في غياب عدالة التوزيع، الموظف أحمد سمير -اسم مستعار- والذي يعمل في شركة توزيع الكهرباء في محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، كشف عن استغلال بعض العاملين لمنصبهم في الشركة مقابل وصل الكهرباء لمنازلهم وأعمدة الكهرباء القريبة منهم، حيث إن موظفا كبيرا يعمل منذ سنوات في الشركة عمد إلى أمرِ مهندس الأحمال بتحويل الطاقة الفائضة والمتوفرة إلى "الترنس الخاص بمنطقته"، إضافة لتسبب "كوب قهوة أو شاي" يحتسيه موظفون مكلفون بقطع ووصل الكهرباء في تأخير تطبيق الجداول!.
ويؤكّد الموظف أن كثيرا من العاملين يتجاوزون النظام ويستغلون نفوذهم وعملهم في تحقيق مصالحهم الخاصة بوصل الكهرباء لمنازلهم، كما يتفقون بينهم ليكونوا على أهبة الاستعداد للتغطية على تجاوزاتهم حال مراجعتهم وفضح أمرهم.
حقوقيون: الشركة فشلت في إدارة الأزمة ولا تحاسب موظفيها على تجاوزاتهم
وأوضح أن تقاعسا ملحوظا يظهر في ذروة أزمة انقطاع الكهرباء خاصة فترة تطبيق جدول (6*12)، حيث يتسبب بعض العاملين في الشركة في تأخير وصول الكهرباء في موعدها المحدد لفترة قد تزيد عن الساعة بسبب تكاسلهم في "تبديل الخطوط" وتوزيع الأحمال المتوفرة.
هذه الاتهامات إلى جانب شكاوى المواطنين نقلتها الرسالة لمدير عام الشركة نعيم الذي رد بالقول "لا يمكننا تطبيق العدالة المطلقة، ولن أستطيع الوقوف عند كل محوّل كهربائي لمراقبته"، وأقرّ نعيم أن ما نسبته 90% من شكاوى المواطنين صحيحة".
وتابع "قد يكون "موظف الشركة" ارتكب هذه التجاوزات لكنّ بعيدا عن أعين الشركة ومن مبدأ "صاحب أو معرفة أو قريب"! وذلك لا يعفي موظفين في الشركة من تلك المخالفات".
وأكّد نعيم أنه تم اكتشاف العديد من المخالفات التي ارتكبها موظفون في الشركة، والذين يتم معاقبتهم "بالخصم من الراتب، أو بإنذار الفصل.
وهاجم نعيم أحد كبار المسؤولين الحكوميين في غزة، متهما إياه بافتعال "بلبلة وفوضى" عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول أزمة توزيع الكهرباء؛ للحصول على خط كهرباء خاص لمنزله، وقال "إن هؤلاء لا يعنيهم وجود أخطاء أو عدم عدالة التوزيع بقدر ما يعنيهم الحصول على الكهرباء على حساب غيرهم".
"الرسالة" نظرت في محددات توزيع الكهرباء، والتي تختلف من محافظة إلى أخرى بحسب عدد المشتركين ونوعيتهم في كل محافظة، إضافة للإمكانيات الفنية المتاحة، ما يفسر أن مدينة غزة تحصد نصيب الأسد من الطاقة المتوفرة لوجود المنشآت الصناعية وتركز أكبر عدد من السكان فيها، وعلى ذلك ينسحب التقسيم للمحافظات الخمسة.
سلطة الطاقة: الظروف الفنية للشبكة تحدِث بعض الفوارق في توزيع الجداول أحياناً
ويبرر نعيم انقطاع الكهرباء لساعتين أكثر من موعدها المحدد في بعض المناطق في ظل تطبيق جدول (8*8)؛ "لتقسيم المناطق أربعة أقسام تزوَّد إحداها بستة ساعات والبقية 8 ساعات، وعلى ذلك بالتوالي بين المناطق"، ما يعني أنه يتم فعليا سحب ساعتي وصل من حق كل منطقة بشكل يومي.
"أنت وحظك الصيانة تحتاج ساعة أو أكثر"، يقول نعيم إن هذا في حال قطع الكهرباء بشكل مفاجئ "لأعطال فنية"، وفي الفترة المسائية تتقلص كميات الكهرباء المتوفرة للمناطق نتيجة الأحمال الزائدة وهي "فترة الذروة" ما يشعر المواطنين بالظلم في التوزيع وعدم وصل كهرباء في وقتها المفترض.
وقال مدير عام الشركة إنهم ينفذون رقابة فنية على توزيع الكهرباء عبر "فرق تفتيش وفرق خدمات، ورقابة داخلية وخارجية"، لكنّ نعيم أكّد أن ذلك لا يكفي؛ "كون المواطنين يخرجون عن النص ولا يساعدون أنفسهم ولا يساعدوننا".
اتهام الشركة لمواطنين بالتعدي على الكهرباء والتسبب في ارباك جداول التوزيع جاء بشكل مباشر من خلال مديرها العام ومدير مقرّها بخانيونس وفنيين آخرين، محملين المواطن في غزة جزءا من المسؤولية حول انقطاع الكهرباء عن مناطق كبيرة؛ "لعدم اكتراثهم بالتعدي على خطوط الكهرباء ووصل خطوط (القلاب)"، "وصل كهرباء للمنازل عبر خطوط أخرى دون علم الشركة".
وتساءلت "الرسالة" فيما إذا كان مشروع (2 أمبير) للإنارة بالإمكان تطبيقه وتحقيق توزيع عادل للكهرباء،
"والمقصود بالمشروع هو تزويد المنازل بالكهرباء، بحيث تبقى الانارة في حال انقطاع التيار الكهربائي" ليجيب مدير الشركة نعيم أن المشروع مكلف للغاية ولا يمكن تطبيقه في كل مناطق القطاع، رغم نجاحه في منطقتين في مدينة غزة.
مبالغات
بالانتقال إلى المجلس التشريعي ودوره في الرقابة قال النائب يحيى موسى رئيس وحدة الرقابة في المجلس التشريعي الفلسطيني إن هناك مبالغات كثيرة في قضية غياب عدالة التوزيع، وإن الاتهامات لا تقوم على دلائل واقعية، مضيفا: "عمل الشركة يمكن أن تشوبه بعض الشوائب لكن لا يوجد أيّ دلائل".
شركة التوزيع: "لا يمكننا تطبيق العدالة المطلقة و90% من شكاوى المواطنين صحيحة
ونفى تلقي التشريعي شكاوى من المواطنين حول سوء توزيع الكهرباء، مؤكّدا أنهم سيحاسبون أيّ موظف يثبت تورطه في الاخلال بنظام الكهرباء أو الظلم في توزيعها.
"كميات الكهرباء معلومة للجميع وهناك ضوابط على توزيع كميات الطاقة بين كل المناطق بالعدل، حسب القدرات الفنية للشركة"، وأشار رئيس وحدة الرقابة إلى وجود مشكلة في تحصيل الفواتير وتهرب المواطنين من دفع الاستحقاقات بدعاوى مختلفة.
وقال إن الشركة لا تسيطر على خطوط الشبكة الكهربائية بشكل كامل؛ "للاعتداء عليها وسرقة كميات من الطاقة".
مراكز حقوقية حملت شركة الكهرباء المسؤولية الكاملة عن أزمة التوزيع في محافظات القطاع، واتهمتها وسلطة الطاقة بالفشل في إدارة الأزمة أو التخفيف من حدتها.
ونفى كل من مركز حماية لحقوق الإنسان ومركز الميزان ورود أيّ شكوى بهذا الشأن.
في حين قال خليل شاهين مدير وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
التشريعي: لا دلائل واقعية على الاتهامات وعمل الشركة يمكن أن تشوبه إشكاليات
أن بعض الشكاوى وصلتهم، حول تلقي مواطنين ممن عليهم مستحقات للشركة قد تصل لألف شيقل، إخطارات القطع في مدة محددة، لكنهم يتفاجؤوا بقطعها قبل ذلك الموعد، مضيفا أنه وفي نفس المناطق هناك من يتخلفون عن الدفع تماماً ولا يتم الالتفات إليهم!
وهاجم مدير الوحدة الحقوق بالمركز شركة توزيع الكهرباء، قائلا إنها لا تلتزم بتعليمات صارمة وجدية لموظفيها بتنفيذ وتفعيل جداول القطع والوصل على مستوى محافظات القطاع، منوها إلى ضرورة النظر إلى آلاف الشكاوى "غير الرسمية" عبر المواقع الاجتماعية.
ويأتي الحلّ حسب القانوني شاهين في التحقيق مع من يثبت مشاركتهم في ممارسات سيئة من هذا القبيل (غياب عدالة التوزيع)، إضافة لضرورة فتح باب الشكاوى واستقبال اتصالات المواطنين وتسجيلها للتوثيق، مضيفا "على الشركة المتابعة بنفسها وتنفيذ التفتيش والرقابة السليمة، لكننا أمام حالة من عدم الاكتراث واللامبالاة".
سرقة كهرباء!
تحرى معد التحقيق بشكل أكبر، واتّجهت البوصلة إلى محافظة رفح جنوب القطاع، والتقينا بالموظف محمد عمر -اسم مستعار- والذي يعمل قارئا للعدادات ومحصلا للأموال من المواطنين منذ أكثر من 7 سنوات، ليكشف قضايا يشوبها ما يمكن أن يطلق عليه "شبهات فساد".
وكشف الموظف استغلال مسؤول لنفوذه في شركة التوزيع لوصل الكهرباء من الخطين اللذين يمران قرب منزله في حيّ الشابورة برفح، مضيفا أن بعض الفنيين العاملين في الشركة، يتوافقون فيما بينهم على استغلال الكهرباء وتوصيلها لمناطقهم بالاتفاق، ويتم كل ذلك حسب الاحمال المتوفرة.
وقال الموظف أنه في فترات ماضية تم اتخاذ اجراءات عقابية بحق موظفين أسماهم بـ "الغلابة"، بينما المسؤولون "وأصحاب الشأن العالي" يتم اقفال ملفاتهم، وخاصة ما يتعلق بتجاوزات وصل الكهرباء لتقع على عاتق الموظف الأقل مكانةً.
تلك التجاوزات تنسحب على مناطق أخرى من القطاع، حيث إن موظفين آخرين كما قال الموظف أحمد عمر يبيعون "فيوزات" تشغّل المحولات والترنسات لمواطنين ليتمكنوا لاحقا من استخدامها وهي معدات لا توجد في غزة إلّا للشركة وعملها الخاص فقط، وهو ما يفسر تمكّن مواطنين في مناطق من رفع "سكينة الكهرباء" لمناطقهم رغم إجراءات الشركة الفنية.
وقابل معدّ التحقيق أحد موظفي سلطة الطاقة بغزة، الذي رفض ذكر اسمه، وكشف عن وجود تجاوزات بالجملة من قبل موظفين في شركة التوزيع أو موظفين في سلطة الطاقة وبعض أصحاب المناصب الحكومية، تتعلق في مجملها باستغلال النفوذ في تحقيق مصالحهم الخاصة بالحصول على الكهرباء -شريان الحياة بغزة- بشكل غير قانوني ويضرّ بالخطط المعمول بها في وصل وقطع الكهرباء.
سلطة الطاقة: الظروف الفنية للشبكة تحدِث بعض الفوارق في توزيع الجداول أحيانا
في خانيونس، جرت إعاقة عمل معدّ التحقيق في الحصول على المعلومات لأكثر من أسبوعين؛ بسبب تجاهل مقر الشركة بخانيونس رسائل البريد الالكتروني الخاص بهم، والذي وصل عبره تصريح اجراء المقابلات من مكتب مدير عام الشركة، لنقابل بعد ذلك يوسف أبو يوسف مدير مقر الشركة في خانيونس، للاطلاع أكثر حول كيفية إدارة الأزمة أو تسييرها.
وقال أبو يوسف إن أيّ زيادة في الأحمال عبر الاعتداءات أو السحب الكبير يفصل الخطوط مباشرة من الجانب الإسرائيلي وهو ما يحرم المحافظة بشكل شبه كامل من الكهرباء لمدة قد تطول لحين عودتها.
ومن خلال متابعة "الرسالة" لمسؤولين في الشركة والاستقصاء حول إدارتهم للأزمة، تبيّن عدم مقدرة الإدارة العامة للشركة بفروعها المنتشرة، على السيطرة على الأزمة؛ لأسباب ظهرت من خلال التحري تتعلق في معيقات الإمكانيات الموجودة، وإعاقة عمل موظفي الشركة -خاصة مهندسي الأحمال- من قبل مواطنين، إضافة للأعطال الفنية المستمرة على مدار الساعة، وخرق موظفين بالشركة وجهات أخرى لم يتم التوصل إليها لنظام التوزيع واستمرار عمل الكهرباء في مناطق لساعات طويلة على حساب أخرى.
قضايا التجاوز والاعتداء على الخطوط (من مواطنين أو غيرهم) لا حصر لها والتجاوزات غير طبيعية، بحسب أبو يوسف.
واعتبر أن الشركة تقضي على ظاهرة في منطقة ما، لتحلّ محلها ظاهرة التعدي على الكهرباء في منطقة أخرى، وتزيد معظم التجاوزات عن مقدرة الخطوط بنسبة 20% من الطاقة المسموحة.
"بعض الموظفين منّا مدانون"، وهنا يقر مدير المقر أن هناك تجاوزات من قبل موظفين عاملين بالشركة، مدافعا عن الغالبية بأن لا علاقة لهم بالاتهامات الموجهة ضدهم.
وقال إن بعض المحولات الكهربائية مسجلة بأسماء موظفين من الشركة، ويُتهم الموظف لتداخل الخطوط في بعض المناطق!.
والسؤال هنا أين هي الرقابة الكاملة والدقيقة على عدالة توزيع الكهرباء وتطبيق الجداول المعمول بها، وهنا قال أبو يوسف "شكلنا لجنة طوارئ مختصة في متابعة توزيع الكهرباء والعمل على اعادة توزيعها".
مناطق معينة كخزاعة شرق خانيونس، لا تنقطع عنها الكهرباء حسب أبو يوسف، ويطالب المواطنين بإعادة تأهيل الشبكة الداخلية للعودة للعمل بالنظام المعمول به وكما يقول مواطنون من البلدة إنّ جداول الكهرباء عادت للعمل كما بقية المناطق، وأشار مدير مقر الشركة إلى انهم أكملوا 50% من إعادة التأهيل فقط، "ويتعرّض موظفو الشركة لمضايقات وإعاقة للعمل حال فصلها عن المنطقة، وهو ما يربك الجداول في المناطق الأخرى".
أبو يوسف قال إن "ظاهرة التجاوزات أصبحت فنية، والناس يعلمون كيفية رفع سكينة الكهرباء لمناطقهم"، و"أصبح لديهم خبرة ودراية فنية!". حسب قوله.
"الرسالة" وجّهت تساؤلات لسلطة الطاقة في غزة كونها الجهة المسؤولة عن متابعة ملف الكهرباء بشكل كامل في القطاع، وقال أحمد أبو العمرين مدير مركز المعلومات في سلطة الطاقة، إنهم يديرون توزيع الكهرباء بالتعاون مع الشركة، لضمان العدالة ميدانيا من خلال التواصل مع الطواقم الفنية في كل المحافظات، "إلّا أنه لا يمكن الوصول للعدالة التامة".
وأضاف أبو العمرين أن الظروف الفنية للشبكة التي تحدِث أحيانا بعض الفوارق في توزيع الجداول على المناطق، تتمثل بأحوال الطقس المضطربة إضافة لتعديات المواطنين في كثير من المناطق، "وهو ما يسبب ظلما في مناطق على حساب أخرى".
وقال إنهم يسعون إلى التواصل دوما مع الطواقم الفنية من خلال إداراتها للرقابة على عدالة التوزيع.
وأمام هذه الحقائق يقع على عاتق شركة توزيع الكهرباء وسلطة الطاقة -بمساعدة المجتمع المدني- ضبط آلية وصل وقطع الكهرباء عن مناطق قطاع غزة، وإعادة النظر في آلية الرقابة وجدولتها، بما ينهي غياب العدالة في توزيع الكهرباء التي تعتبر من أهم الأزمات التي تضيق الخناق على المواطنين في قطاع غزة.