قائمة الموقع

"الدوايمة".. مجزرةٌ خَتَمها التهجير

2010-05-15T08:41:00+03:00

القدس – الرسالة نت

على سفح جبل غطته خيرات هذه الأرض كانت ترقد قرية الدوايمة غرب الخليل، ولم يكن سكونها ولا حفيف أشجارها متشابكة فوق أسطح المنازل إلا رونقاً يزيدها جمالاً بين قرى فلسطين، أما الطيور المهاجرة إليها والثوب الأخضر الذي يكسوها كل موسمٍ فتألقٌ يزيد تمسك أهلها بها.

ولكن كل ذلك فتح مطامع الاحتلال عليها لينهي جمالها في عدة ليالٍ نزلت كابوساً على سكانها، ففي تشرين الأول من عام 1948 الأسود حوّلت عصابات الهاجانا الصهيونية سكون القرية إلى صرخات من أطفالها وبكاء من نسائها واستنجادات من شيوخها، وحالت دون محاولاتهم إنقاذ أرواحهم أو ممتلكاتهم.

 

شاهد على المذبحة

 

وفي مجلد النكبة المليء بقصص التهجير يستذكر أهالي قرية الدوايمة ما حل بهم، فالمجزرة البشعة التي شهدتها أدت إلى تهجير أهلها واستشهاد المئات منهم، وما زال الحاج أحمد التلاحمة يذرف الدموع كلما استذكر تلك الليالي القاتمة.

 

فيقول لـ"الرسالة نت ":" كنا في منازلنا نسمع أصوات القنابل وإطلاق الرصاص فنحسبها من القرى المجاورة، ولكننا فوجئنا بهجوم أفراد الهاجانا على القرية، وبدأوا بتجميع النساء والأطفال في ساحة القرية، فاعتقدنا أنهم رحيمون بهم وسيجنبوهم القتل والتهجير".

 

ولكن تلك الخطوة التي أقدم عليها أفراد العصابات لم تكن إلا مقدمة لمجزرة قبيحة، حيث بدأوا بتكسير رؤوس الأطفال والنساء بالعصي وإراقة دمائهم على أرض قريتهم، حتى استشهد منهم العشرات وجُرح البقية بإصابات بالغة.

 

وهو الحال كله تقريباً الذي عاشته قرى فلسطين أرض السلام، وتبدو هذه التسمية ساخرةً حين نتحدث عن مجازر ومذابح ودماءٍ وأشلاء، فالعام الأسودُ ذاك الذي ظلل فلسطين بظلم العصابات الصهيونية كان كفيلاً بتحويلها من أرض السلام إلى أرض الدماء.

 

مجازر أخرى

 

ويكمل التلاحمة البحث في أعماق ذاكرته عن صور تلك الأيام وما حل بأهله من تشريد يوم هاجمتهم العصابات الصهيونية في بيوتهم الآمنة، ويروي بكلمات مثقلة بالذكرى القاسية كيف أمعنت آلة الذبح في إبادة أهاليها.

 

" كنا نسمع أصوات النساء وهن يستنجدن، فكان اليهود إذا دخلوا منزلاً ورفض أصحابه الخروج منه ينسفوه فوقهم وهم أحياء، حتى لم يتبق بيتٌ دون شهيد، الأمر الذي دفع العديد من أهالي القرية إلى الهروب منها والهجرة إلى مناطق قريبة".

 

ومن هنا بدأت حكاية التهجير المؤلمة، ففي ظرف أيام قليلة وجد أهلها الذين نجوا من القتل أنفسهم يلتجئون إلى مغارات قريبة من حدود القرية حاملين معهم ما استطاعوا من أغراضهم وأغنامهم التي كانت تجلب لهم لقمة العيش.

 

" كادت السيول تجرفنا ونحن نهرب من القرية، وكانت والدتي تمسك بي خوفاً من أن أضيع بين جموع المهاجرين، ومن ثم لجأنا إلى مغارة لا تكاد تتسع إلى 30 شخصاً، فكنا ننام في صفوف متلاصقة ولا ندري كيف تمر الأيام علينا".

 

ولم تقف طبيعة الصهاينة الإجرامية عند هذا الحد، فلاحقوا حتى المهاجرين من القرية وأغلقوا إحدى المغارات عليهم ومن ثم نسفوها فوق رؤوسهم، لينضم من بداخلها إلى مئات الشهداء الذين ارتقت أرواحهم تشكو ظلم اليهود.

 

ويضيف التلاحمة:" كان هناك ستة من عائلة العمايرة نزلوا بالقرب من أراضي القرية لرعي أغنامهم فعادوا جثثاً بعد أن قنصهم أفراد العصابات التي كانت تمنع أي شخص من الاقتراب مهما كان كبيراً أو صغيراً".

 

تعتيم

 

 تلك القرية الوادعة شكلت ملجأ آمناً نوعاً ما للقرى المهجرة الأخرى، ولكنها في تشرين الأول من عام ثمانية وأربعين ضمّتها كتيبة الكوماندوز التابعةُ لّلواء الصهيوني الثامن المسمى بالهاجانا بقيادة الإرهابي موشيه دايان إلى رزمة القرى المكلومة.

 

وحاول الاحتلال دائماً طمس معالم البلدة وتفاصيل المذبحة فيها، فأصدر أوامر بدفن الشهداء في قبور جماعية والتعتيم الإعلامي على ما حدث، حتى زارتها إحدى لجان التحقيق وتساءلت عن أسباب انبعاث الدخان من المنازل، فأجابها أفراد العصابات بأنها تطهرها من الحشرات، ولكنها في الحقيقة تحرق جثث الشهداء كي تخفي بشاعة المجزرة.

 

أما مسجد القرية فادّعى أفراد العصابات بأنهم لم ينتهكوا حرمته، وعندما أطل أحد أعضاء لجان التحقيق برأسه ليرى ما بداخله وجد عدداً من المغتصبين حولوه إلى كنيس يؤدون فيه صلوات تلمودية.

 

ويتابع التلاحمة:" كل ذلك لا يصف ما قاموا به في القرية، ومن جملة ما أجرموه أنهم لاحقوا من هرب من القرية ومن ثم وضعوهم في صف واحد وأعدموهم بنيران الرشاشات".

 

وبعد أقل من عشرة أعوام على المذبحة والتهجير هدم الاحتلال القرية التي سجلت حكاية أخرى في كتاب النكبة وعطرت سيرة فلسطين بالدماء، ومن ثم أقام عليها مستوطنة "أماتسيا"، ولكن رغم كل ما حل بها ما زال أهلها يحلمون بالعودة إليها.

 

فيختتم الحاج أحمد حديثه بالقول:" طبعا أحلم بالعودة، هذه القرية أرضها مجبولة بدماء الشهداء وسأوصي أولادي وأولاد أولادي بألا يتنازلوا عن حق العودة لو مهما حدث.. وطننا جزء من عقيدتنا وديننا".

 

 

 

اخبار ذات صلة