قائمة الموقع

"الرسالة" تكشف استغلال مراكز التوحد حاجة المرضى لقشة العلاج

2016-01-12T07:33:01+02:00
غزة - أمل حبيب

تشتتت وجهتنا كما حيرة ذويهم التي تحاول البحث لإيجاد قشة للعلاج بين فوضى مراكز أرهقت جيوبهم بشهرية وصلت في احداهم الى أكثر من 500 دولار مرورًا بتشخيص يتناقض بين طبيب تابع لوزارة الصحة وآخر لعيادة خاصة وليس انتهاءً بهاجس يجتاح تلك العقول التي أصابها اضطراب كما توحد أبنائهم.

لا يوجد حضن رسمي لتأهيل أطفال التوحد في القطاع ولا دراسة مسحية شاملة تحدد عددهم لرسم استراتيجية للبناء عليها مستقبلاً في خدمة هذه الشريحة المهمشة.

حالة الفوضى وغياب المرجعية واستغلال حاجة الأهالي تمثلت في أن كل جهة لها تشخيص وبرنامج تأهيل مختلف في حين كانت الكوادر المتخصصة على اللافتات التعريفية فقط أعلى "بدرم" أو طابق أرضي من بيت سكني وفي الداخل الواقع مظلم.

"الرسالة" رصدت عينة من مراكز وجمعيات تعنى بأطفال التوحد تمتد على طول القطاع حيث زارت جمعية الحق في الحياة شرق القطاع ومن جنوبه المركز التخصصي لتنمية القدرات في خانيونس مرورًا بمركز الإرادة التخصصي لاضطرابات التوحد شمال القطاع ومن غرب القطاع الجمعية الفلسطينية لحالات التوحد والتأهيل فيما تحفظت جمعية الرعاية والارتقاء الفلسطينية "فجر" عن الحديث لتجاربها غير الجيدة مع بعض وسائل الاعلام وفق تعبيرها.

كان من الصعب الحصول على إحصائية رسمية لعدد من يتوحدون بصمت وهو ما يفسر عدم اهتمام الجهات الرسمية، فقد أجمعت معظم الأطراف التي تواصلنا معها أن وزارة الصحة غير مدركة بأن الأعداد تزداد بشكل مخيف وأن ماهية المرض غير واضحة بالنسبة لها بعد رغم بداية اهتمامها بالاضطراب.

"الرسالة" وخلال تواصلها مع عدد من الجهات التي يتوافد لها مرضى التوحد تبين أن ما يقارب

لا إحصائية لمرضى التوحد في القطاع ولا جهة رسمية للتشخيص والتأهيل

450 حالة توحد مسجلة لدى عيادة لطبيب يعالج بالضغط بالأكسجين و250 حالة توحد يقدم لها الخدمة بشكل مجاني، في حين 25 حالة ملتحقة في مركز الارادة و140 على قائمة الانتظار وأما في عيادات وزارة الصحة الحكومية يوجد حوالي 150 حالة تتابع فيها، بينما مسجل لدى الجمعية الفلسطينية لحالات التوحد والتأهيل 70حالة، وفي جمعية الحق في الحياة 100 حالة و50 أخرى على قوائم الانتظار.

تخلف عقلي!

"ابنك يعاني من تخلف عقلي بنسبة 55% " حالة الطفل فارس محيسن تلخص الحكاية، فمعاناته ووالدته تضم تفاصيل الضياع والفوضى التي يعيشها أطفال التوحد في ظل غياب مركز متخصص يضم التشخيص الدقيق والكادر المؤهل والعلاج الطبي والوظيفي كما بينت أم فارس "للرسالة" التي شخصت حالة ابنها بالتخلف بدلًا من التوحد!

خلال لقائنا لها بدت أم فارس ممتعضة الى حد كبير من تقصير وزارة الصحة لهذه الفئة واستغلال المراكز الخاصة لذويهم لدفع مئات الدولارات مقابل ضعف في الكادر وغياب الأدوية المساعدة.

وتقول:" بعد سنوات من معاناتي سافرت الى الأردن لتحليل البصمة الغذائية ونسبة المعادن الثقيلة وهناك أظهر التحليل ارتفاع النسبة فوصف الطبيب علاجا غذائيا معينا وبرنامجا لسحب السموم من الجسم وكان بحاجة الى جلسات المعالجة بالأكسجين عالي الضغط الا أنها مكلفة وتصل الى 3000 دينار في 40 جلسة على مدار عدة أيام وتم اعطاؤه ابرة لتقوية الإحساس والادراك والنطق على 14 جرعة وبعد أسبوعين شعرت باختلاف.

وشرحت ام فارس وضع بعض المراكز بأن مدة ساعتين غير كفاية لتأهيل الطفل على عكس الخارج مؤكدة بان العلاج الوظيفي في القطاع سيء للغاية ولا وقت للعلاج التعليمي والأكاديمي.

1800 شيكل شهريًا يدفعها مريض التوحد للالتحاق بمركز "الإرادة"

أم فارس حاولت ان تسبق الزمن لتسافر الى الخارج لإكمال جرعات العلاج المصاحبة لتأهيل فارس الا انها صدمت بــــ "ليس لهم علاج ولا تغطية مالية " كما ردت موظفة من الصحة حينما جاءتها طالبة تحويلة الى الأردن لاستكمال علاج فارس على نفقتها الخاصة.

فارس اليوم بدأ يستجيب وينطق بعد أن كان يهز رأسه بشكل غير طبيعي ويضحك دون أسباب إضافة الى حركات تكرارية بشكل نمطي، الا أنه لا يزال بحاجة الى استكمال جلسات تأهيلية متقدمة تفتقد اليها مراكز غزة وفق والدته.

أغلب المصادر التي تواصلت معها "الرسالة" أجمعت بان وزارة الصحة لا تؤمن بوجود اضطراب التوحد في قطاع غزة وأن ما هو متعارف على لسانها " فش حاجة اسمها توحد"، في حين تعطي عياداتها النفسية للأطفال المرضى أدوية وعقاقير مهدئة للصرع والتشنجات التي تسبب تلفا في خلايا الدماغ وفق مصدر خاص متسائلًا: "ما هو ذنب الطفل أن يأخذ ديكراتول أو ديباكلين أو سبيدال؟!"، مؤكدًا أنه وبمجرد اجراء تخطيط دماغي يثبت بأن لديه شحنات كهربائية زائدة يوصف له هذا الدواء بدلا من تحويله لتأهيل السلوك.

الصحة ترد

محمد أبو شاويش رئيس قسم البحث العلمي في الإدارة العامة للصحة النفسية أوضح أنه في السنوات الأخيرة افتتحت وزارة الصحة فرعا للمشاكل النفسية للأطفال في جميع العيادات الحكومية، ومن ضمنها مشاكل التوحد، لتقديم الخدمات التشخيصية وليست العلاجية.

لم ينكر أبو شاويش غياب مركز رسمي متخصص لأطفال التوحد الا أنه بين بأن الوزارة تقدم بعض التدخلات ولكن الأمر يحتاج لفترات طويلة وهذا شيء غير متاح لدينا، في ظل الحصار وحجم الحالات الكبير جدا، حيث أن العلاج التأهيلي يحتاج لإمكانيات متعددة مثل علاج تخاطب وترفيه وسلوك أو أدوية.

كان لابد أن نسأل وزارة الصحة عن سبب غياب إحصائية لهؤلاء الفئة فكان رد أبو شاويش: "هذا السؤال صعب الإجابة عليه، لأن الحالات لا تتوجه إلينا فقط حيث باتت مراكز التوحد "موضة" خلال الفترة الأخيرة، منوهًا الى أن عدد الحالات لديهم حتى نهاية 2014 تقدر بـــ 150 حالة تتابع لدى عيادات وزارة الصحة وهو "لا يعبر عن الرقم الموجود في قطاع غزة".

"الحق في الحياة" تدمج بين مرضى التوحد ومتلازمة داون ولا مبنى مستقل لهم!

حملنا شكاوى ذوي التوحد بتقصير وزارة الصحة ووضعناها على طاولة أبو شاويش حيث أكد بأنه ليس قصورا حيث قامت الصحة بعد الحرب الأولى على غزة بإرسال دعوات للمؤسسات النفسية للانضواء تحت لواء الوزارة ولكن ارتباطها بممولين خارجيين منعها من التعاون مع الوزارة خوفا من قطع التمويل.

وفيما يخص شكوى الأهالي وبعض الجهات من أن الصحة تعطي ادوية مهدئة وقد أساءت لطفل التوحد ولم تنفعه، قال أبو شاويش:" درجة الأمان للأدوية النفسية عالية جدا ولا يوجد دواء يجعل المريض أسوأ، ولكن أهل طفل التوحد يعتقدون أن هنا طوق النجاة وان لم يجد حلا جذريا لمشكلته سيصب غضبه على هذه العيادة لأنه يعتبرها الحل الوحيد والجذري، ولكن لم يكن الحديث عن علاج.

وعند سؤاله عن الحالات التي شخصت على أنها تخلف عقلي، أكد أن التشخيص يخضع لإجراءات ويأخذ وقت في حين أن مؤسسات التوحد باتت منتشرة، ومعظمها ربحية، مشيرًا الى أن الفروقات بين اضطرابات النمو بشكل عام بسيطة جدا.

مركز الإرادة هو الوحيد الذي أخذ ترخيص من وزارة الصحة هل ذهبتم لرؤية "الإرادة"، يجيب: "ليس لدينا سلطة فهناك جهة متخصصة بإعطاء التراخيص، وليس لدينا دور في الاشراف والمتابعة".

الإرادة

أمام بيت مكون من طابقين شمال القطاع كتب أعلاه "مركز الإرادة التخصصي لاضطرابات التوحد" قابلتنا شجرتان وصرخات من الداخل لم نر معالمها نظرا للعتمة التي تلف المكان قبل أن يقابلنا اسلام بركات مدير "الإرادة" مؤكدًا في بداية حديثه "للرسالة" بأن هذه الفئة لم تأخذ القدر الكافي من الاهتمام على المستوى الرسمي.

طبيب توحد: ألوم الحكومة على تقصيرها ولا أثمن المؤسسات الخاصة

بركات الذي عرف عن نفسه بأنه كان مشرفا فنيا في جمعية طبرق في ليبيا وهو من أنشأ جمعية جسر الأمل في الجزائر ودرب كوادر فنية وأكاديمية في السعودية عن طريق برنامج التعليم عن بعد وهنا فتحنا عين الدهشة وتساءلنا "وهل تدرب كوادر التوحد يكون عن بعد؟!"، فقال: "نعمل وفق أسس وأساليب واستراتيجيات محددة مبنية على أسس علمية وأكاديمية ومعترف بها دوليًا على برنامج تحليل السلوك التطبيقي aba، ولدينا برامج تشخيص وتقييم محوسبة يتم من خلال تطبيقها على الأطفال توضيح كل مواطن القوة والضعف لشخصية الطفل وبناء على ذلك نبني الخطة العلاجية.

وأوضح بأن داخل مركز الارادة مجموعة من المتخصصين في مجال الارشاد النفسي وعلم النفس والاجتماع والتربية الخاصة والعلاج الوظيفي "نعمل في سبيل تقديم الخدمة المناسبة"، مشيرًا إلى أنه لم يدخل طفل مركز الإرادة الا وتحسن وهناك قصص نجاح كثيرة ومصورة من بداية التأهيل حتى وصول الأطفال الى المدارس.

طلبت "الرسالة" الدخول الى المركز ومتابعة تقديم الخدمة للأطفال الا أن المدير رفض مجيبًا هناك أعمال صيانة وتقسيم فصول سنرحب بكم في المرات المقبلة".

25 طفلا هو عدد الملتحقين في المركز و140 طفل على قائمة الانتظار كما بين بركات في حين ان عدد الكوادر الفنية والأكاديمية هو 17 متفاوتة من حملة الدبلوم والبكالوريوس.

بركات الذي أكد أنه قرر انشاء المركز في غزة بعد أن ترك العمل في الخارج أواخر 2013.

"ولكن لماذا لا تراعي ضيق العيش هنا لاسيما وأنك تركت الخارج من أجل غزة فلماذا تصل رسوم الالتحاق بمركزك الى 1800 شيكل شهريًا؟"، سؤال وجهناه لبركات فأوضح أن تأهيل طفل التوحد في الامارات يكلف من 20 الى 30 ألف دولار في الشهر، أما في مصر من 1000 الى 2000 دولار ومقارنة مع الأسعار العالمية عملنا كل جهدنا بأقل الأسعار، باتت التكلفة التشغيلية للمركز على نفقة الأهالي فلا يوجد أي جهة داعمة له بعد أن طرقنا كل الأبواب.

مصدر خاص "للرسالة" أكد بأنه لا توجد مصداقية في عمل مركز الإرادة حيث أن مديره استغل مقاطع فيديو كانت قد صورت خلال مشروع لجمعية كان يعمل بها سابقًا مع عدد من زملائه لتأهيل أطفال توحد لمدة خمس سنين متواصلة ونسب جهد تحسنهم لمركزه وبات يعرض المقطع لزوار المركز ليجذب أكبر قدر ممكن من الناس.

ونبه الى أنه يمنع الأهالي من الدخول لأن الأطفال يتم تدريسهم وتأهليهم بشكل جماعي على عكس ما يؤكد لهم بأنه فردي.

ما فتىء بركات يقلب في مسبحة بين يديه خلال حديثنا اليه وعند سؤالنا عن مقاطع الفيديو بأنها أخذت من جهات أخرى ولم يكن هو المشرف عليها أجاب مبتسما: عندي الطفل محمد مرتجى تحصيله 98 % لف الوطن العربي والحمد لله خلال 8-9 شهور تمكنا من دمج الطفل في مدرسة وهو الان بالصف الثاني الابتدائي.

مضيفا: لا توجد أي إحصائية أو قاعدة بيانات نشرع من خلالها سياسات معينة معتبرًا ذلك مشكلة بحاجة الى مستوى رسمي لأن غزة بحاجة الى مشروع مسحي شامل لحالات التوحد.

تراخيص ومعايير

سلالم في الطابق السفلي "لبدرم" كتب أعلاه المركز التخصصي لتنمية القدرات، ما رصدته عين "الرسالة" بأنه مكان أشبه بالسجن لضيقه وظلمته، تغيب عنه معايير الصحة فطفل التوحد هنا لن يرى النور لغياب النوافذ ولن يستطيع أن يفرغ حركته المفرطة بين جنباته الأشبه بزنزانة!

حصلنا على كتاب تسهيل مهمة من وزارة الصحة للتوجه الى إدارة الإجازة والتراخيص لمعرفة آلية ومعايير إعطاء التراخيص لمراكز التوحد. أحمد نصر مدير دائرة الاجازة والتراخيص بوزارة الصحة أوضح وجود نوعين من التراخيص الأول هو الأهلي ويأتي عبر الوزارة وتقوم دائرة التنسيق مع المؤسسات بدراسة الخدمة ومكان وجودها وتوزيعها الجغرافي في مدن ومحافظات قطاع غزة ثم نبدأ بعملية الترخيص.

أما النوع الاخر فهو الخاص حيث يأتون مباشرة وندرس الموضوع سويًا ونطلب الوثائق اللازمة والشروط اللازمة لعملية ترخيص المكان أو الخدمة المطلوبة.

الصحة: الأهل يصطدمون بأنه لا يوجد حل جذري للتوحد فينتقدون الصحة

وبالنسبة لمراكز التوحد المرخصة قال أنه يوجد مركز وحيد مرخص وهو الإرادة التخصصي وهنالك مركز اخر ننتظر استقبال طلبه.

كترخيص للأفراد العاملين في مجال التوحد لا يوجد لدينا في وحدة الاجازة والتراخيص مزاولة مهنة علاج التوحد كباقي المهن الصحية ولكن بعد استشارة كثير من أصحاب التخصصات مثل العلاج الطبيعي والتأهيل والنطق والنفسي أفادونا أن هذه الخدمات من الممكن أن تؤدي الى علاج او تأهيل مرضى التوحد.

اذًا هل مركز الإرادة مطبق عليه المعايير والشروط؟ أجاب:" طاقم العاملين تنطبق عليه الشروط وهي مزاولة مهنة خاصة به وبالنسبة للمكان فشروطه مستوفاة من حيث الاتساع والنظافة والاضاءة وبالنسبة للنظام فهو مستكمل.

نعمل على استقدام الطلب ثم نتواصل مع الجهات المختصة مثل وحدة العلاج الطبيعي والتأهيل بوزارة الصحة والإدارة العامة للصحة النفسية فهم أصحاب القرار والاختصاص في هذا المجال، حيث أننا من الجانب الإداري وهم من الجانب الفني والتقني وفي النهاية لهم رأي اما بالموافقة أو الرفض.

بالنسبة لغلاء الأسعار ليس لنا تدخل مباشر في هذا الجانب الا النصح والإرشاد ولكن هذه خدمة مقدمة وهو حر في طلب أسعاره والناس أحرار أين يذهب أبناؤهم، وتابع:" ليس لدينا نظام تسعيرة في تقديم الخدمة ليس لدينا قانون يحكم الأسعار كما الأطباء البشريين أو تسعيرة رسمية او اجبار مقدمي الخدمة على تسعيرة ".

وفيما يخص الرقابة الدورية تقوم دائرة المتابعة والتفتيش بشكل دوري بمهمتها في متابعة هذه المراكز من حيث الجوانب الإدارية التي استحقت عليها الترخيص وتقديم الخدمة وجودتها.

شلل أفضل من توحد!

"عمو الدكتور" وحضن كبير وخطوات لم تعرف الى أين السبيل .. حال الطفلة رهف _اسم مستعار_ يمكن وصفه بالجيد لتقدم حالتها بعد أن كانت تعاني من عدم تركيز وفرط حركة كانت تظنها الأم بأنها "شقاوة" أطفال!

التراخيص: ليس لنا تدخل مباشر بغلاء أسعار المراكز الا بالنصح

أن يتم إعطاء طفلك دواء يوصف لمرضى الزهايمر فلابد لك أن تشعر بالإحباط وتبحث عن البديل لتتعلق بقشة العلاج بعد تشخيص غير دقيق لحالة الطفلة رهف كما عانت والدة الطفلة رهف_اسم مستعار_ والتي التقتها "الرسالة" في عيادة الطبيب إيهاب موسى معالج حالات التوحد بالأكسجين عالي الضغط.

وقالت الأم:" هل طفلة بعمر خمس سنوات تستوعب "الريتالين" و"تيلازين" الذي تبين لي فيما بعد بأنه يعطى لمرضى الزهايمر"، وأشارت أنها كانت تتابع في العيادة النفسية التابعة لوزارة الصحة حيث شخصت حالتها هناك على أنها حركة زائدة وتشتت بناءً على الشكل فقط وفق قولها!

الدكتور إيهاب موسى زميل البروتوكول الروسي لعلاج أطفال التوحد بالأكسجين عالي الضغط

عرف التوحد بأنه هو اضطراب عصبي دماغي المنشأ ينشأ عنه تغير في السلوك العدواني وسمي المرض الثلاثي لأن علاقاته سيئة من الناحية الاجتماعية والاسرية والتواصل البصري.

ويقول موسى: "مرض التوحد صعب ولكن سهل العلاج فهو يحتاج الى وقت وتأهيل من خلال مؤسسات تخصصية وتشمل مساعدة الاسرة والطبيب (...) للأسف المؤسسات والمراكز يغلب عليها الطابع المادي دون مراعاة فقر أهالي الأطفال.

"احكيلي شلل دماغي وما تحكلي توحد يا دكتور" عبارة تجري على لسان عدد كبير من الأهالي الذين يتوافدون الى عيادة موسى ويعلق على ذلك بأن بعض الأدوية والعقاقير غيرت مسار المرض نتيجة التشخيص الخاطئ الذي قد يولد صدمة لذوي الطفل.

مضطرب التوحد ليس متخلفا عقليا حيث أنه وفي البحث العلمي تناولنا بأن المريض يعاني من معادن ثقيلة في الأمعاء فهو يبدأ من الأمعاء ثم الدماغ كما يوضح الطبيب موسى، ويفسر " لأن الأمعاء فيها الزئبق والرصاص والالومنيوم فهذه المواد عندما تتفاعل بالغلاف الجوي او عند تعرض الطفل الى مادة كيميائية خارجية من مصنع أو نتيجة عدوان او لمادة الفسفور فيتم التفاعل مع الفسفور حيث يفقد الطفل النطق نهائيا ويصبح السلوك عنده عدوانيا.

وبين طبيب التوحد "قمنا بعمل أدوية لحمض الكبريتيك لإذابة هذه المعادن وهو علاج 60% وكذلك 30 % نسبة العلاج بالأكسجين عالي الضغط وهو على خلاف فيه مع وزارة الصحة ولكن وزارة الصحة الأمريكية موجود بمؤسساتها منذ ست سنوات.

الحق في الحياة: متلازمة الداون غير مؤذية وهناك دمج بين مرضاها والتوحد

وأبدى موسى استياءه من التقصير الحكومي، قائلًا: "ألوم الحكومة على تقصيرها ولا أثمن المؤسسات الخاصة فغالبيتها ربحية والعاملون عليها ليسوا أصحاب كفاءة ومنهم من يتعامل بالضرب مع أطفال الاضطراب!

ومن الحالات التي رصدها الطبيب في عيادته صراخ طفل توحد لم يتجاوز ثلاثة أعوام يلعب معه طفل داون كبير ويحمله متسائلًا: "هل يعقل أن طفل توحد صغير يلاعبه طفل داون كبير بالسن؟". 

وعند سؤالنا له " ماذا يحتاج هذا الطفل المضطرب؟" أجاب بعد تنهيدة:" مستشفى متخصصة أشبه بمركز فندقي لمدة سنة تأهيله تماما بالتربية الخاصة بكادر متخصص ومختبرات للمعادن الثقيلة والاكسجين عالي الضغط وكذلك تتبع له مدرسة خاصة لمن يتم تأهيله، "أحلم بأن يتبرع أحدهم لبناء مؤسسة تخصصية متكاملة لأطفال التوحد في القطاع".

واكد بأننا نفقد الضمير تجاه أطفال التوحد، منبهًا الى وجود 450 حالة توحد مسجلة لديه في عيادته و250 حالة يقدم لها الخدمة بشكل مجاني.

توحد مع داون!

خطواته المندفعة صوب حافلة "الحق في الحياة " تخللتها سباحة قدميه في بركة مياه المطر التي تجمعت أمام منزله ولم يشعر بها في حي التفاح شرق مدينة غزة وزامور لدراجة نارية لم يدفعه للالتفاف نحوها حتى وصل الى مقعده بجوار طفل مصاب بمتلازمة داون!

الجمعية الفلسطينية: ليس لدينا الخبرة للتعامل مع حالات التوحد فوق سن العاشرة

مربع مسور وكاميرات مراقبة وبوابة يستوقفك حارس قبل مرورها، للتعريف بهويتك وأسباب الزيارة، فصول دراسية بداخلها محمد وأكرم وغيرهم من الأسماء التي لم تعلق بذاكرتنا كما علقت ملامحهم وصرخاتهم المفاجئة المتزامنة مع حركة نمطية كالرفرفة والتركيب وأو تشبيك الأيادي في جمعية الحق في الحياة شرق القطاع.

البعض يعتبر "الحق في الحياة" هي الراعي الوحيد لأطفال التوحد كونها أول جمعية اعتنت بهم مع أطفال الداون الا أن ما لفت نظرنا خلال الزيارة أنه لا مبنى مستقل لأطفال التوحد عن الداون وحاجة الجمعية الى أكثر من أخصائي في نفس المجال كالعلاج النطقي والوظيفي والنفسي وتعديل السلوك.

ووفق مصدر خاص أكد بأن "الحق في الحياة" بات لديها الخبرة في مجال التوحد ولكن هناك نقص في التخصص والمجال.

شهرزان أبو شنار أخصائية تأهيل في الجمعية علقت على استياء بعض الجهات من احتكاك التوحد مع أطفال متلازمة داون بأن الطفل المريض بهذه المتلازمة غير مؤذ وانما هو أقل إدراكا من الطفل الطبيعي، مشيرة إلى أن هناك صفوف مشتركة بين الداون والتوحد وخلال التوصيل بالباصات أيضا.

وأوضحت بأنهم يقدمون خدمة لأطفال التوحد منذ سبع سنوات من خلال خمسة برامج، أولها التدخل المبكر، وهو استقبال الطفل من سن صفر لأربع سنوات، ثم يتحول لمرحلة الروضة، ثم المدرسة، ثم التأهيل المهني وما قبل المهني.

وتقول أبو شنار: "بدأنا بعمل اختبارات نفسية وكشف طبي مع الأطباء لتشخيص التوحد، ثم انزالهم للصفوف، والقيام بعمل خطة تعليمية، مكونة من خمس برامج كتاب خاص للمؤسسة مكون من العلوم والحساب، والتربية الاجتماعية والعناية الذاتية والادراك.

وهناك صفات لطفل التوحد، كالضرب والرفرفة وهي نوع من عملية التعبير عن الذات وقد رصدت بعضها عدسة "الرسالة" خلال الزيارة.

لاحظنا وجود ستة الى سبعة أطفال في الصف الواحد وفي السياق بينت بأن البرنامج يعتمد على نظام مدرسة "تيتش"، وهو يعتمد من واحد لست طلاب في الصف، والتعليم فردي على الرغم من أن الجلسة جماعية.

ولا تحبذ الجمعية أن يأخذ الطفل أدوية، فإذا أتته نوبة غضب أو عدوانية نستطيع التحكم فيها وحلها من خلال الألعاب والأجهزة كما أوضحت أبو شنار.

يلتحق بـ"الحق في الحياة" 88 طفل توحد وتدخل مبكر أي أن الحصيلة تعادل 100 حالة وعلى قائمة الانتظار حوالي 50 حالة الا أن الجمعية ليس لديها عدد كاف من المتخصصين، والتمويل ضعيف، مشيرة الى أن رسوم الجمعية من خمسين الى سبعين شيكل شهريًا.

نقص الخبرة

"رغم مرور ثلاث سنوات على عملنا الا أنها جمعية مبتدئة بخدمات متواضعة" بهذه الكلمات التي تعكس الثقة في النفس والوضوح بدأت غادة درويش المدير التنفيذي للجمعية الفلسطينية لحالات التوحد والتأهيل بالتعرف عن الجمعية وتابعت:" بدأنا بعشرة أطفال واليوم باتوا سبعين والنظام المعمول به هو جلسات تأهيلية بعيدًا عن الجانب الطبي".

مركز الارادة: المصاريف التشغيلية مكلفة ولا مقارنة بين أسعارنا والخارج

وتشمل الجلسات التأهيلية بالجمعية علاجا نفسيا ووظيفيا ونطقا وتأهيلا مجتمعيا ونظاما متكاملا مع الأهالي لعدم درايتهم بمفهوم التوحد والتعامل معه، مؤكدة بأن الجمعية لا تتقيد بعدد الجلسات أو نوعها بقدر ما تتقيد بماذا يحتاج الطفل.

وفي الجمعية أربع مجموعات سيتم اعطاؤهم مادة دراسية من الفصل المقبل حيث وصلوا لدرجة معينة من التأهيل، ولم تخف درويش بأنه ليس لديهم خبرة بالتعامل مع حالات التوحد فوق سن العاشرة "لأن استيعابهم بطيء جدا ويصعب التعامل معهم وفق إمكانيات متواضعة".

ولكن 70 طفلا في مبنى متواضع هل يتسع؟ ترد المدير التنفيذي بالقول:" يكفيهم المكان لسبب أننا نوزع وقت مجيئهم فكل طفل مدة جلسته ساعتين على ثلاث فترات يوما بعد يوم".

وأبدت استياءها من بعض المراكز الربحية في ظل وضع اقتصادي وظروف معيشية سيئة متسائلة باستنكار:" لماذا تخدع هذه المراكز الأهل وتأخذ منهم 1000 شيكل ويزيد شهريا بادعاء أن الطفل سيشفى من التوحد، منبهة أن الطفل سيستمر في جلسات التأهيل طيلة حياته، مؤكدة في ذات السياق أن الوصول الى درجة القدرة على التواصل مع طفل التوحد يستغرق أربعة الى خمسة شهور.

ونبهت الى وجود تناقض بين المراكز والأطباء بالعيادات النفسية الحكومية والخاصة بالنسبة للأدوية التي تعطى للأطفال، والتي تعمل على تلف خلايا الدماغ على المدى البعيد.

وبعد محاولات لإقناع بعض الأهالي بإيقاف الادوية عن الأطفال اضطرت درويش لجمع الوصفات العلاجية من عيادات نفسية وعرضها على طبيب أمريكي خلال زيارته للمركز فصدم بان هذه الأدوية يأخذ بعضها مرضى السرطان ومن الخطر اعطاؤها لأطفال التوحد.

وفي ظل غياب إحصائية رسمية علقت على ذلك بالقول "حتى نستطيع اعداد إحصائية رسمية لابد من الإجابة عن سؤال هل الجهة المعدة للبحث تعرف ما هو التوحد" مشيرة الى وجود حالات بالبيوت أكثر من الفئة التي رصدتها الإحصائية التي أعدها برنامج غزة للصحة النفسية.

ما لفت الرسالة خلال اعداد التحقيق في كل مرة تلقي السلام على أطفال التوحد خلال جلسات التأهيل لم تجد إجابة من أي منهم لأن الطفل "الذاتوي" إذا تحدثت اليه لا ينتبه ولا ينظر باتجاهك، وقد ينشغل باللعب بالأشياء الدقيقة.

مسح وبروتوكول تشخيص

جهود متواضعة لبرنامج غزة للصحة النفسية تولدت نتيجة ضعف في تشخيص التوحد ووضع الخطط العلاجية مرورًا بالمراكز التي تحتاج الى تطوير وتحسين بحسب قصي أبو عودة عضو الفريق البحثي ومنسق مشاريع في برنامج غزة للصحة النفسية لاسيما خلال الثلاث سنوات الأخيرة.

ذوو أطفال توحد: أبناؤنا بحاجة لجلسات تأهيلية وعلاجية ومراكز تراعي أوضاعنا الاقتصادية

الحالة السابقة دفعت برنامج غزة للاهتمام بهذا الموضوع وفي السياق يقول أبو عودة: "أعددنا دراسة مسحية حول أطفال التوحد في القطاع بتمويل من الإغاثة الإسلامية بعد مخاطبة الجهات الرسمية الحكومية والدولية فيما إذا كان هناك عن معلومات عن أطفال التوحد والمؤسسات التي تعنى بهم".

وبين أبو عودة بأن هنالك ست مؤسسات تعمل في مجال التوحد وهناك غيرها التي تعمل بشكل خاص وتأخذ من 1000 الى 1800 شيكل والتي لم يبحث برنامج غزة فيها لوجود تحفظ بأن بعضها يعمل بدون ترخيص وبشكل عشوائي وتستغل المواطنين، منوهًا الى أن مراكز التوحد باتت "كدكاكين".

ولفت الى أن الجمعيات التي ظهرت في الدراسة المسحية هم الحق في الحياة والجمعية الفلسطينية لحالات التوحد وجمعية الرعاية والارتقاء الفلسطينية فجر، وجمعية اعمار (مركز بسمة للسمعيات والتخاطب) وجمعية الأمل لرعاية أطفال التوحد بالنصيرات ومركز بسمة أمل.

وخرجت الدراسة ببعض التوصيات والنتائج ومنها ضرورة بناء قاعدة بيانات واحصاءات دقيقة لأطفال التوحد من خلال تشكيل فريق ميداني مكون من خبراء تشخيص مؤهلين ومعتمدين محليا ودوليا ويستخدمون معايير موحدة للتشخيص.

كما أكدت الدراسة على ضرورة تدريب المهنيين الذين يعملون مع الأطفال على آليات التشخيص وآليات التعامل وطرق تعديل السلوك، ضرورة خلق شبكة موحدة تضم كل المؤسسات التي تعمل في المجال بما يضمن تكامل وشمولية الخدمة.

وقام برنامج غزة بتخريج دورتين تدريبيتين نهاية عام 2015 بعنوان "بروتوكول تشخيص التوحد لدى الأطفال" لـــــ 43 من المهنيين والأخصائيين العاملين في مجال التوحد ممولة من منظمة الإغاثة الإسلامية بغزة.

وبحسب الدراسة المسحية فان المؤسسات الستة لديهم 237 طفل يتلقى الخدمة بالإضافة لـ 150 طفل في قوائم الانتظار في جمعية الحق في الحياة و135 في قوائم الانتظار في جمعية اعمار فيصبح إجمالي حالات التوحد ضمن المراكز الستة هو 522 حالة.

وحول وصف بعض الأطراف بعدم موضوعية الدراسة لاسيما وأن مدير مركز الإرادة أكد بأن الحالات التي تتابع لديه لم تدرج ضمن الإحصائية، أجاب أبو عودة:" ركزنا على دقة التشخيص، فالمسح السريع لا يعكس أرقاما حقيقية الا أن هدفه التعرف على الخدمات التي تقدم لهؤلاء الأطفال والحصول على احصائية لعددهم لنستطيع أن نبني عليها تدخلات مستقبلية سريعة.

ووفق المعايير العالمية في دراسة بالولايات المتحدة فان كل 67 مولودا يأتي طفل مصاب بالتوحد فاذا حسبنا هذه النسبة على القطاع سيكون العدد أكثر من 522 حالة، وفي دراسة حديثة في الجانب الإسرائيلي فان كل 200 مولود يولد طفل مصاب باضطراب توحد وإذا ما طبقنا ذلك على القطاع سيكون العدد اعلى من نتائج المسح بكثير وفق أبو عودة.

أنا مش توحد!

على عتبات غياب مرجعية رسمية لأطفال التوحد بالقطاع يموت حق الطفل خميس في التأهيل والعلاج وحتى بمشروعه الربحي الصغير، ابن الرابعة عشرة الذي يعتبر درجة بسيطة من التوحد وعدنا أن يروج لصحيفة "الرسالة" في دكانه الذي يطمح أن يبنيه لأنها كتبت عن معاناة أطفال التوحد.

برنامج غزة النفسي: أجرينا مسحا سريعا لأطفال التوحد لنبني عليه تدخلات مستقبلية

وقال خميس _وهو أول طفل توحد استطاع أن يعبر عما بداخله_ "للرسالة":" سيكون هناك طابق مخصص لأطفال التوحد وسأعرض فيه نشرات تعريفية بجمعية الحق في الحياة ولكم كذلك" "أنا مش توحد.. أنا مش توحد" عاد ليكررها خميس وكأنها الوصمة التي تلاحقه في المجتمع.

ما استطاعت "الرسالة" الوصول اليه يؤكد وجود نقص ناتج عن عدم معرفة الجهات الرسمية بماهية اضطراب التوحد في حين أن بعض المؤسسات والمراكز الخاصة التي تقدم الخدمة تفتقر للخبرة لتشخيص التوحد ووضع الخطط العلاجية الا أنها تضع نصب أعينها العائد الربحي من طفل التوحد نهاية كل شهر!

وما رصدناه خلال التحقيق وظهر للنور له جانب مظلم تخفيه "دكاكين" أطفال التوحد أو جدران البيوت التي تخشى الوصمة، وقد يكون "بدرم" جديد تحت الأرض يبنى أثناء كتابتنا هذه السطور ليستغل الأطفال دون كادر مؤهل أو تشخيص أو حتى بصيص أمل بالتحسن يمكن أن يبصره!

اخبار ذات صلة