النائب في المجلس التشريعي

"شهاب" يقص حكايات أقبية التحقيق ومنبع سلاح حماس

النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني الدكتور محمد شهاب
النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني الدكتور محمد شهاب

الرسالة نت-محمد أبو زايدة

ساعة من الزمن فصلت بين مكالمته التي وافق خلالها على قبول دعوتنا زيارته في بيته قائلًا: "أهلًا بكم في حياة النائب بالمجلس التشريعي محمد شهاب"، وجلوسنا برفقته؛ ننقّب في شريط ذكرياته التي تراكمت منذ نشأته في قرية جباليا البلد شمال قطاع غزة، وصولًا إلى آخر فنجان قهوة احتسيناه قبل الرحيل.

همَسَت له أمّه وهو في العاشرة من العمر حكاية ولادته، وأخبرته أنّ "نساء البلدة تجمّعن على عتبات بيت العائلة، ونثرن الحلوى والورود وأطلقن الزغاريد؛ تعبيرًا عن فرحتهن بقدومك في السادس والخمسين من القرن الماضي".

يكاد يرى مشاهد طفولته أمام عينيه اللتين تحملقان حينًا، وتغمضان أحيانا؛ تعتصران الحنين لسنواتٍ قضاها محمد بلقبِ الشيخ، لشدّة حبّه للمسجد، ومصاحبة جدّه الذي عمِل مؤذنًا للبلدة آنذاك، وحفظ أجزاءً من كتاب الله في وقتٍ كانت صورة المساجد في نظر المجتمع "لِمن اقترب أجله".

"نشأتي الإسلامية كانت سبب حصولي على المراكز الأولى في المدرسة"، يقول شهاب، ويطرق بأصبعه على طاولته التي جلسنا عليها، متابعًا: "في الأوّل الثانوي تعرّفت على أفكار الشيخ محمود دردونة، واستطعت التقرب منه أكثر، حتّى وضّح لي الدين الإسلامي على حقيقته، فأحببته والتحفت بأفكاره".

عامٌ بين تعمّق محمد في الإسلام، ولقائه الشيخ أحمد ياسين، -المؤسس لحركة حماس-، وما زال يذكر جلسات يوم الجمعة التي قضاها برفقته في مسجد الشمالي غرب مدينة غزة، حتّى أعطى البيعة خلال الفصل الثاني ثانوي، عام (1973).

 رحلة العلم

تخرّج محمد من الثانوية العامة بمعدل (85%)، ووصلته رسالة قبول في كلية الصيدلة بمصر، وأثناء جلسته مع الشيخ الياسين، أعرب عن عدم رغبته في قبولها لأنّه كان يطمح لـ"الطب"، لكنّ الأخير أثنى على هذا التخصص، ناصحًا: "بلدنا تحتاج صيادلة في هذا الوقت"، فقوّى من إرادته وقبِل ضيفنا بما قسّمه الله له.

وقبل سفرِه، تعرّف على رفقاء رحلته ومنهم "منير العشي، وعمر فروانة، ومفيد المخللاتي"، ووصلت المجموعة تعليمات من قيادة الاخوان أن يحافظوا على صلاتهم في المسجد، حتّى تمكّنوا من التعرّف على دعاة الإخوان المسلمين، و"جميعهم خرجوا من السجون المصرية أمثال عمر التلمساني، ومحمد الغزالي، ويوسف القرضاوي".

كان الوضع المادي لعائلة شهاب في غزة آنذاك صعباً، ولا يحتمل رب الأسرة إرسال المال إلى نجله في مصر، وما كان يخفف من حدّة الألم صرف الجامعة العربية لكل طالب فلسطيني (10 جنيهات مصرية)، يستطيع أن يكمل بها مصاريفه حتّى آخر الشهر، ويقول مُحمّد عنها: "كنت أنتظرها على أحر من الجمر".

عاش محمّد خمس سنواتٍ دراسية في مصر "بحلوها ومرّها"، وتمكّن من العودة إلى أرض الوطن، واستقبلته الزغاريد التي أطلقتها نساء بلدته، بعدما عاد حاملًا شهادته بيديه.

"قرر الإخوان المسلمون تشكيل أوّل جهاز عسكري في غزة عام 1982"

"عُدت نشيطًا من سفري، وفي ثاني أيّام عودتي أعطيت الدروس المتنوعة في مساجد جباليا ومقر الجمعية الإسلامية، كانت منها "إسلامية، وندوات في الطب والعلوم واللغة الإنجليزية والتفسير والقرآن"، حتّى تمّ تكليفي برئاسة إدارة الجمعية" يقول شهاب.

ويوضح أنّ الجمعية كانت تقدّم الخدمات للمواطنين والمساعدات للأسر المستورة، "عدا الموقف السياسي والعمل العسكري"، مؤكدًا أن جميع الأنشطة التي قدّمتها كان تمويلها ذاتيًا، ولم تتلقَ أي دعمٍ خارجي.

العمل المسلح

وفي عام (1982) قررت الحركة الإسلامية توجيه طريقها نحو العمل المسلح، ليتزامن ذلك مع عملها المؤسساتي، وتمكنت من تأسيس أفرادها للخوض في مرحلة المجابهة مع الاحتلال والصراع السياسي والعسكري.

يقول شهاب: "حضرت في تلك السنة مؤتمرًا للإخوان المسلمين في غزة، تمخّض عنه أحد القرارات الهامة والخطيرة، متمثلة بتشكيل جهاز عسكري وجهاز أمني تابع له".

كانت الحركة تعمل بشكلٍ سري خوفًا من التعرض للاعتقال من الاحتلال، وباشرت بتوزيع البيانات في الخفاء وبأسماء مختلفة، خشية الانقضاض على الحركة ووأدها، وضمّت البيانات في متنها "تعليمات وقرارات وفضح أوكار الإسقاط الإسرائيلية، والكشف عن العملاء".

وكانت وجهة العمل العسكري قد تهيّأت بعدما اشتدت الاستفزازات "الإسرائيلية"، وأحداث القدس المتسارعة، واعتقال مجلس طلاب الجامعة الإسلامية، وعلى رأسهم "يحيى السنوار، وشحادة السويركي، وخالد الهندي"، فأدّت إلى حدوث ضجّة كبيرة، وأصبح العمل المسلح مطلبًا ملحاً لشباب الحركة.

استطاعت "حماس" في تلك الآونة تشكيل جهازٍ أمني وآخر عسكري، وسَعَت للحصول على السلاح، وأعلنت بقرارٍ داخلي دخولها المرحلة الجهادية، ودرّبت أفرادها على مجابهة الاحتلال، واستخدام السلاح بشكل سري.

يقول شهاب: "عشقت العمل الفدائي وحمل السلاح منذ الصبا، وكنت سعيداً عندما تم اختياري للجهاز العسكري، وتدربت على تفكيك وتركيب واستخدام العديد من أنواع السلاح مثل الكارلوستاف، والكلاشنكوف والمسدس، والقنبلة وبعض المتفجرات، وتلقيت معلومات نظرية ومنهج جهادي تربوي وذلك ضمن مجموعة".

مهمّة الحصول على قطعة سلاحٍ حديثة في ذلك الوقت كانت أشبه بالمستحيل، لكنّ شهاب أخذ قرارًا أمام قائده يتم وفقه توفير سلاحٍ لها، وبموافقة قائده آنذاك أبو ماهر تمراز، شكل شهاب مجموعة خاصة بتوفير السلاح، مكونة من محمد عرب مهرة، ومحمد سمارة".

يتابع: "على مدار عامين بذلت المجموعة جهوداً مضنية، وتمكنت في البداية من العثور على قاذف بازوكا من بقايا حرب 1967، ودربنا الشباب عليه، ثم امتلكنا مسدسًا من أحد الإخوة، وبعدها تعرفنا على بعض تجار السلاح بالقطاع ومن الداخل المحتل بصعوبة بالغة، وتوالت عمليات شراء السلاح بطرقٍ سرية".

ويشير شهاب إلى أنّهم امتلكوا في تلك الفترة عشرات القطع، ويردف بالقول: "كنا نخفي الصفقة عن الأنظار في مخزن صغير مؤقتاً، ثم أسلّمها لقائدي تمراز، حتى تمكنا من فتح خطوطٍ مع تجارٍ داخل دولة الاحتلال، وحصلنا على "6 قطع أم 16، وجاليلي، وكلاشينكوف، ومسدسات، ومعظم السلاح الذي اشتريناه كان صناعة "إسرائيلية، وهذا التحرك الخفي لفت انتباه مخابرات الاحتلال، لا سيما في بحثها المستمر عن نقطة تؤهلها للحصول على سرّ هذه التحركات المجهولة.

يتحدث شهاب: "بدأت حملات الاستدعاء لقيادات الحركة، وخضنا صراعات شديدة في التحقيق والاستدعاءات، وشعرت أنني مستهدف، وكان يتم التعامل معي كشخصية قيادية في البلدة".

وأخذت الحميّة نفس شهاب أثناء إلقائه لخطبة دينية في أحد مساجد غزة، وشتم خلالها (إسرائيل) فاعتقلته واستخدمت ضده العنف الجسدي في أقبية التحقيق، وحكم بالحبس أربعين يومًا فعلياً، وستة أشهر عدم تنفيذ وغرامة مالية.

اتهامات

أدرك الاحتلال أنّ الحركة الإسلامية تسعى للحصول على السلاح لمقاومته، فأطلق عملاءه بحثًا عن طرف خيطٍ يُمكِن من خلاله الانقضاض عليها مبكراً، وبعد الاعتقال الأوّل لشهاب، تعرّض لآخر في أواخر يونيو عام 1984، بعدما تلقفته حملة الاعتقالاتٍ على خلفية شراء السلاح.

واتهمته محكمة الاحتلال أنّه "أسس لخلية عسكرية، لتدمير (إسرائيل)، وإقامة دولة إسلامية مكانها في فلسطين من النهر إلى البحر"، في حين أعطت اتهاماتٍ مختلفة لقيادات الحركة داخل سجونها، والذين بلغ عددهم حوالي 12 معتقلاً، وجرى الإفراج عن أحدهم وهو الشيخ أحمد ياسين -مؤسس حماس- في صفقة تبادل أجراها أحمد جبريل مع (إسرائيل) عام (1985)، ولكنّ ضيفنا وأخوانه في حماس استمر أسرهم في أقبية سجون الاحتلال.

"اتهمتني (إسرائيل) بتأسيس خلية عسكرية لتدميرها وإقامة دولة إسلامية مكانها"

يقول: "مكثت قرابة العام في سجن غزة المركزي، وانتقلت إلى عسقلان، وبقيت فيها إلى عام 1990، ثم عدت إلى سجن غزة، ومكثت فيه عدة أشهر، وجرى نقلي إلى النقب، وهنالك عانيت من فقر دمٍ شديد حيث وصلت نسبة الدم (3.2%)، وأجرت لجنة طبية فحوصاتها وظنوا أنني سأموت في سجنهم؛ فقرروا الإفراج عني فجأة في تموز (1993).

لحظة العُمر كانت أثناء الإفراج عن شهاب، وفور تنسمه رياح الحرية، شعر أنّه في حلمٍ لا يقوى على تصديقه، يقول: "وصلت إلى البيت فجأة، فاستقبلني ابني عبد الرحمن وكان حينها في الصف الرابع الابتدائي، وقد تركته وعمره أربعين يومًا أثناء اعتقالي، وفور رؤيتي دخل إلى المنزل وصرخ بعالي صوته -والدي روّح من السجن-، فخرجت أمّي رحمها الله تزغرد وتغني وتحتضنني".

حزب الخلاص

وبعدما أزاح شهاب عناء السجن عن كتفه، وقد كانت الحركة قد انطلقت تقود المقاومة في الانتفاضة الأولى باسم "حماس"، واختارته ضمن مجموعة من القيادات لتأسيس حزب جديد موالٍ لها، لا سيّما بعد تغوّل السلطة الفلسطينية على مقاليد الحكم، والنظر إلى حماس أنّها غدّة سرطانية يجب التخلص منها، واستهداف الحركة من الاحتلال "الإسرائيلي".

كانت رؤية حماس في منتصف تسعينات القرن المنصرم، إنشاء حزبٍ سياسيٍ مستقل أمام العالم، لكنه موصول بحبل سري يحافظ على ولائه للحركة، ليكون ورقة ضغطٍ بيدها، والتخلص من استهداف الاحتلال وأجهزة السلطة لها.

ما زال شهاب يذكر سؤال الطيّب عبد الرحيم أحد قادة السلطة الفلسطينية آنذاك، أثناء الإجراءات الرسمية للترخيص، حينما سأل: "في حال استمرار العمليات العسكرية من حماس ماذا سيكون موقفكم"، وكانت الإجابة: "لنا موقفنا السياسي، لكن عندما يكون قرار وطني بامتشاق السلاح سنحمله أوّل الشعب".

"اخترنا القائد إسماعيل أبو شنب رئيسًا للحزب رغم اعتقاله آنذاك لدى الاحتلال، إكراماً وتمثيلاً للأسرى، وكان من المؤيدين لفكرة الحزب"، يقول شهاب، ويشير إلى أنّه جرت ترتيبات إعلان الحزب في تموز/1995، وتمّ دعوة قياداتٍ في السلطة، وأحزاب فلسطينية.

جئتكم برؤوس حماس

فجأة.. وقبل موعد الإعلان بساعاتٍ معدودات، جاء لقيادة الحزب اتصال من المكتب السياسي لحماس بإيقاف إعلان الحزب، حيث تسرب لحماس قول الطيب عبد الرحيم لقيادة السلطة: "لقد جئتكم برؤوس حماس، وأن حماس قد انتهت، وجاء أهم قادتها يطلبون حزبًا سياسيًا".

يتابع: "كان قرار التأجيل ردًا على مقولة عبد الرحيم، ولطمة له، وليعلم هو وغيره أنّ الحزب يد حماس، ولن يستطيع أحد ليّ ذراعها، ورسالة إلى أنّ الحركة قوية ومتماسكة وهي التي أفرزت الحزب وولاؤه لها".

وبعدما اشتدّت المؤامرة على حماس، وتعرّضت للحصار من الاحتلال والسلطة، جاء تكليف من قيادة الحركة في الخارج بإقامة الحزب بأسرع وقت ممكن، والإعلان عنه رغم كل الظروف.

أعاد الجميع التنسيقات، وجهزوا الترتيبات، إلّا أنّ الاحتلال تمكّن من اغتيال مهندس كتائب القسام يحيى عيّاش في (5/1/1996)، وبدأت العمليات الاستشهادية التي نفذتها الكتائب ردًا على اغتياله، حتى جرت اعتقالاتٌ طالت المئات من قيادات حماس وأبنائها وأنصارها، وكان على رأسها ضيفنا.

وأخيراً تمّ الإعلان عن انطلاق الحزب رسميًا في الحادي والعشرين من مارس لذات العام، وتمكّن من انتزاع اعترافٍ رسمي من السلطة بوجوده على الساحة الفلسطينية، وكان من ضمن نشاطاته، تأسيس جريدة الرسالة عام (1996)، "لتحمل الرسالة للجمهور الإسلامي والفلسطيني والعالمي".

ينهي القيادي في حماس والنائب بالمجلس التشريعي الفلسطيني الدكتور محمد شهاب حديثه لـ"الرسالة" بالقول: "حرصنا أن نكون أقرب إلى نبض الجماهير، وآمالهم ومشاكلهم، والاهتمام بقضاياهم، وألا تصبغ الجريدة بصبغة حزبية"، ويشير إلى أنّها امتدّت اليوم لتشمل إذاعة وموقعًا إلكترونيًا، وقناة تلفزيونية تبث برامجها على اليوتيوب.

الزميل محمد أبو زايدة يحاور النائب شهاب

12506568_959749117426321_1953420353_n

البث المباشر