قائمة الموقع

لاجئون بين نكبتين ..هجرة الـ 48 وتشرد 2009

2010-05-16T17:14:00+03:00

جباليا _ رائد أبو جراد "الرسالة نت"

بتقاسيمه الثمانينية المكسوة بخطوط الزمن والتشرد الذي ترك آثاره على وجهه بدأ اللاجئ الفلسطيني عبد الحي عبد الغني أبو الجبين من مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة يستذكر ما واكبه وعاصره من نكبات ومعاناة ,  واصفا مرارة الهجرة والتشريد من قريته "هربيا" في الاراضي المحتلة عام 48م وحياة المخيم القاسية إلى أن هدم الاحتلال منزله العام الماضي لتكتمل لديه فصول المعاناة.

ويستذكر الفلسطينيون في الخامس عشر من أيار/مايو من كل عام ما حل بهم من مرارة النكبة والتهجير والإبعاد عن أرضهم الأصلية من قبل العصابات الصهيونية التي ارتكبت بحقهم أفظع المجازر التي عرفها التاريخ وسط صمت دولي وعربي وإسلامي.

بين نكبتين

ويروي الحاج أو الجبين لـ"الرسالة" التي دخلت منزله المتواضع بمعسكر جباليا بعد إعادة إعماره نتيجة الدمار الذي حل به، قصة معاناته مع الهجرة والتشرد عام 48،ويقول واصفاً أجواء العيش في بلدته "هربيا" التى طردت العصابات الصهيونية أهله منها وكان حينها في الـ18 من عمره :"كان لنا في قريتنا الحبيبة 300 دونم مزروعة بكروم العنب وأكثر من 40 دونما مزروعة بأشجار البرتقال والزيتون، إضافة إلى أرض مساحتها 60دونما كنا نلق عليها "أرض بركة" وكانت تنتج عدة أصناف من الخضروات والفواكه والمزروعات خصصت للإنفاق في سبيل الله ووجوه الخير".

وصمت أبو الجبين قليلاً ليعاود الحديث عن حلاوة العيش في قريته وبلدته الأصلية، متمنياً العودة ولو لساعة واحدة لأرض "هربيا" من جديد عله يستنشق آخر أنفاس حياته من هوائها العليل ويرتشف شربةً من مائها الزكي ، قائلاً:" مكوث يوم في هربيا بالنسبة له أفضل من ألف يوم من عيشة المخيم، لكن لا اعتراض على قدر الله وحكمته وابتلائه لنا ونحن على أرض الرباط ونصبر على ارادة الله".

ويربط الثمانيني الذي يعاني من المرض بين المعاناة الاولي المتعلقة في الهجرة والبعد عن الأرض والبيارة، والمعاناة الثانية في قصف منزله ودماره وفقدان الأحبة من الجيران والأبناء، مستطرداً:"أكبر نكبة بالنسبة لي ليست التي حدثت عام 48 بل التي عاصرتها يوم الاول من يناير عام 2009 عندما انهمرت صواريخ الغدر الصهيونية على منزلي ومنزلي أخي وحبيبي الشيخ نزار ريان واستشهد وقتها أكثر من 18 نفراً من أفراد عائلته".

وعاد أبو الجبين بذاكرته الى ما حل بهم بعد معاناة التشرد في مخيم جباليا للاجئين بقوله:"وزعوا علينا خيام لا تكفي لكل العائلة برجالها ونسائها، لكنني الحمد لله كان معي مبلغا من المال واستأجرت لعائلتي منزلاً في منطقة الزرقا ببلدة جباليا رفض صاحبه اخذ اجرته لأننا عملنا في بيارته وجني محاصيله".

ويضيف الثمانيني أبو اسماعيل ولسان حاله يروي النكبة مردداً:"بلادي فلسطين هجرت منك قبل 62عاماً ولا زلت مهجراً والإنسان بفطرته يحن لأرضه ومسقط رأسه ولا يفارقه الحنين حيثما ارتحل وأينما حل ولا يهدأ له بال او يستقر له قرار طالما ظل بعيداً عن موطنه وأرضه وبيارته وبئر الماء الذي كان يرتوي منه عند العطش ..".

يتقاسمون رغيف الخبز

لم تفارق الدموع مقتطفات حديث "الرسالة" مع الشيخ أبو الجبين، وكانت بين الفينة والأخرى تنهمر من مقلتيه وعينيه المتأثرتين بالتجاعيد التي ملأت وجهه الثمانيني قائلاً:العودة لا بد منها إن شاء الله رغم الدمار وحياة اللجوء والتشرد والشهداء وفقدان الأحبة والجيران، إلا أننا سنعود إن شاء الله لديارنا وحقل قمحنا وبيارات زيتوننا وبرتقالنا، سنعود يا هربيا وان ابعدتنا عنك قسوة السنين وضنك عيشة المخيمات والتشريد".

وأخرج "أبو اسماعيل" كواشين بيته وأرضه في قريته "هربيا" ويشد بها بين كفيه المنهكتين بتعب جهد السنين، قائلاً لحفيده الذي شاركنا الجلسة وأطراف الحديث:"يا جدي الكواشين هذه موجودة لكل أملاكنا في هربيا وهذه هي المتبقية لنا من رائحة أرضنا الزكية المجبولة بدماء الشهداء الأطهار، ولو جاء جيل بعد جيل من أحفادنا حتماً سنعود إذا لم أتمكن بنفسي من فتح باب داري بـ"هربيا" واثق بأن حفيد من أحفادي سيفتحه بقوة سلاح الايمان الذي سيتمسك به من بعدنا وبقتاله لليهود الذين لا مكوث لهم فوق ترابنا المقدس".

اعتنوا بها

أما اللاجئ محمود عيسى صلاح (55عاماً) من قرية "حُلَيقاَت" المرتفعة 100 متر عن سطح البحر وتقع بين قريتي "برير" و "بيت طيما" جنوب الأراضي المحتلة عام 48، تحدث لـ"الرسالة" ما رواه له أباه وجده اللذان واكبا حياة القرية وعاشوا في امن وسلام حتى غزو العصابات الصهيونية لأرضهم وديارهم وارتكاب المجازر بحق الامنين حينها.

ويشير صلاح إلى أن والده حدثه أن حياتهم الجميلة بين قطوف كروم العنب وأشجار الزيتون ورائحة الورود والزعتر والشجيرات العطرية التي تعشقها الأنفاس، كانت بالنسبة لهم بمثابة "الجنة" من كثرة ما كانت تحتويه مزارعهم من خضار وفواكه مما تلذه العين وتشتهيه النفس حتى استيقظوا في أحد الأيام ووجدوا اليهود بدباباتهم ومدافعهم العاتية فوق تراب ارضهم وقد داسوا أشجار زيتونهم وبرتقالهم التي اعتنوا بها ورعوها كما ربوا أبنائهم.

ويصف ما حل بمنزله من دمار أدى لتشريده وعائلته المكونة من 6 أفراد إبان الحرب الصهيونية الجبانة على قطاع غزة بقوله:" ما حل بنا من دمار وقصف للبيوت واستشهاد للجيران والأحباب نكبة جديدة لم تكن على البال، لم نستطع أخذ أي شئ من بيتي قبل قصفه والذي كان يتكون من 4 طوابق سوتها صواريخ الاحتلال بالأرض فجعلتها كالرماد بعد أن أبلغنا الاحتلال بإفراغ المنزل من سكانه فتركناه لننجوا بأنفسنا وأبنائنا".

ويسرد الخمسيني صلاح الذي ولد وترعرع بين جنبات وحارات مخيم جباليا علاقته مع جيرانه الاحياء منهم والشهداء والأموات ممن فارقوا الحياة يشكون إلى الله ظلم الظالمين وصمت المتآمرين :"عيشة المخيم ملؤها الحب والتعاطف والمودة ومشاركة الجيران في الافراح والأتراح، عندما كان ينتقل أحد جيراننا إلى جوار ربه كان جميع الاهل والأحباب والجيران في المخيم يقفون في بيت عزائه ويواسون أهله وكأن الميت من عائلة كل واحد منهم".

ويؤكد صلاح أن الزمن الماضي كان أفضل بكثير من الوقت الحالي لما شهد من علاقة الوحدة والمحبة والتعاون بين الناس وأبناء الوطن الواحد الذين كانت قلوبهم وأياديهم موحدة وصفوفهم كالبنيان المرصوص في مواجهة اليهود المغتصبين للأرض والديار.

وعن علاقته بجاره الشيخ الشهيد د.نزار ريان يضيف اللاجئ من بلدة "حليقات" المحتلة :" تقاسمنا أجواء العيش في المخيم مع بعضنا، و تبادلنا أطراف الحديث كثيراً في ليالي السمر، ولم نجد مثل الشيخ نزار في محافظته على الثوابت والأخلاق الحميدة ودفاعه عن الدين والوطن وجهاده وعلمه وخلقه الرفيع وختام حياته بشهادة العزة والإباء رافضاً الخضوع والذل للاحتلال".

الوحيد والسليم

ويتابع اللاجئ الفلسطيني الذي يأمل بالعودة لديار أجداده وبيارات أشجار الزيتون والبرتقال وحقول القمح وكروم العنب في "حليقات" :" نسأل الله أن يجمع كافة ابناء شعبنا على قلب واحد عبر العودة لديننا ولإسلامنا لأنه هو الطريق الوحيد والسليم للعودة الى ديارنا بتوكلنا على ربنا وحمل سلاح الايمان في قلوبنا وسلاح القوة والعزيمة في ايادينا لنطرد اليهود من ارضنا ونعود إلى حيث كان آبائنا وأجدادنا".

ويشدد في ختام حديثه لـ"الرسالة" "لو أعطوني الدنيا بأسرها وطلبوا مني ترك منزلي في المخيم سأرفض لأننا تعلمنا مما وقع لنا في الزمن الماضي، وشعبنا اليوم أصبح واعياً اكثر من السابق وثقافتهم أخذت على المقاومة ومواجهة الاحتلال وغطرسته رغم التضحيات البشرية والمادية".

وقصفت طائرات الاحتلال الصهيونية بصواريخها الغادرة يوم الخميس الاول من يناير من العام الماضي منازل المواطنين في منطقة الخلفاء وسط مخيم جباليا للاجئين، ليرتقي الشيخ القائد نزار ريان و15عشر فرداً من عائلته ولتتساقط حجارة المنازل المتطايرة على رؤوس سكان المعسكر الآمنين في حرب يهودية لم يسلم منها حجر ولا شجر ولا بشر.

ويظل لسان حال اللاجئين الفلسطينيين في ذكرى نكبتهم الـ62 يردد "متى نعود ونرى قرانا ومواقدها وسحب دخانها، متى نعود ونرى مدننا وحدائق منازلنا وأشجارنا، متى نعود لمسرح طفولتنا وملاعب صبانا، متى نعود لمهد الذكريات ومثوى الآباء والأجداد ومتى نعود إلى حيث نعيش ونموت ؟، وتبقى الاجابة بصبرنا وتوكلنا على ربنا وتمسكنا بثوابتنا مهما فرط بها اللاهثون خلف الدولار الامريكي حتماً سنعود الى يافا و حيفا و المجدل و هربيا والى ربوع أرضنا المجبولة بدماء من عشقها من الشهداء..

 

اخبار ذات صلة