قائد الطوفان قائد الطوفان

مُصنّع متفجرات مُعتمد لدى الكتائب

عقل.. أعلن انطلاق القسام بـ"ثلاث رصاصات"

 الأسير المحرر خميس عقل
الأسير المحرر خميس عقل

الرسالة نت- محمد أبو زايدة

جدران مسجد "القسام" الخارجية، وسط قطاع غزة كانت آنذاك تحمل "بيانات، وشعارات، ورسومات" الشاب خميس عقل، الذي كان يجتهد للحصول على مادّةٍ تساعده في خطّ ما هو داعم للانتفاضة الفلسطينية الأولى -الحجارة-، لا سيما بعد منع الاحتلال "الإسرائيلي" دخول "الاسبيرين" للمدينة، الذي كان يمكّنهم من الكتابة على الجدران بشكل سريع.

يقول الأسير المحرر خميس عقل (50 عامًا) منفذ أوّل عملية لكتائب القسام: "تمكّنت من تحصيل علب بوية، وتعلّمت الرسم بالفرشاة، وأثناء رسمي لشعار الكتائب على جدران المسجد، كان الجميع يترقب وصول دورية جيش الاحتلال، ولم يفصلني عنها سوى ثوان، وكُنت مصممًا ألا أغادر المكان حتّى الانتهاء مما بين يدي، حتّى تيقّن الجميع أنه سيتم اعتقالي في تلك اللحظة".

نجا خميس من الاعتقال حينها، وتمكّن من وضع لمساته الأخيرة على الجدران، وفي صبيحة اليوم التالي، أخبره من راقبوا الدورية "نشّفت دمنا، وكنت غير مبالٍ أثناء الرسم، ولو بقيت لثوانٍ معدودات لأضحيت في قبضة (إسرائيل)".

وكانت شعارات خميس التي كان يرسمها في مناطق متفرقة من المحافظة الوسطى، تُسبب أذى في نفسية دوريات الاحتلال، وكلّما شاهدوا واحدة طلبوا من أهالي الحي أن يمسحوها بـ"بوية" بيضاء، وعن ذلك يقول: "كانوا يساعدوننا بغبائهم.. هم يمهدون لنا الجدران ونحن نُعيد الرسم عليها من جديد".

ابتسامته لم تفارق الجلسة التي استمرت قرابة الثلاث ساعاتٍ، وكلّما دار حديثٌ عن أيّ عملٍ جهادي، ينسبه لمجموعته الأولى التي كانت بذرة التأسيس لكتائب القسام، فعُدنا برفقته لعام (1985)، عام البيعة الأولى التي أعطاها لشيخه "محمد نبهان"، أن "يبقى جنديًا مخلصًا في صفوف الجماعة، وأن يبذل جهده وماله ودمه في سبيل الله ما استطاع إلى ذلك سبيلا".

شرارة الانتفاضة

ومن بعد البيعة التي اتخذها خميس على عاتقه، تواصل مع قيادته في "حفظ القرآن، وعلوم الدين، والأحاديث الشريفة"، وغالبًا ما كان يحصل عليها بعد صلاة الفجر، لـ"التمويه، وخشية من أنظار المتربصين، والمحافظة على السرية التامة".

ومع اندلاع شرارة الانتفاضة في الثامن من ديسمبر 1987، وصل تعميمٌ لخميس ومجموعته، أن يستعدوا لاسترداد الحقوق، وقتل اليهود، وإبقاء شعلة الحراك مستمرة.

"كُنت في العشرين من عمري آنذاك"، يقول خميس، ويتبسّم محركًا أطراف يديه ويتابع: "بداية الأمر كنت ألقي الحجارة على الجنود، وأولع (الكوشوك) للتمويه، ثم تعلّمت الرسم على الجُدران حتّى نتمكن من توزيع البيانات، ونرسم الشعارات الثورية التي تعطي حماسًا في قلوب الشباب".

وتزامنًا مع الانتفاضة، أطلقت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بيانها الأول، واستمر العمل عن كثب، وتوالت نشاطاتُ خميس، وتعددت مهامه، حتّى أوكلته مهمّة "تصنيع المولوتوف -الزجاجات الحارقة-، والتي كان من الصعب الحصول عليها.

يضيف خميس: "في بداية عام (1990)، كنت ألقي الحجارة على جنود الاحتلال، وتمكّنوا من محاصرتنا واعتقالنا"، ويشير إلى أنّه مكث مدّة محكوميته (4 شهور) في السجون، وعاد من جديد إلى الميدان.

كتائب القسام

كانت عودة للحرية من جديد؛ بعد تجربة الاعتقال، يتابع: "شكّلنا مجموعة تحمل اسم الصاعقة، تختص بملاحقة العملاء، والسارقين".

ولكنّ الأمر لم يكن منظمًا بالشكل الكافي، فوصل قرارٌ من القيادة ينص على تشكيل مجموعة؛ استعدادًا لعملياتٍ عسكرية ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، وكانت مجموعة خميس مكوّنة من خمسة أشخاص بقيادة ابن عمّه "وليد عقل"، مهام عملها في المحافظة الوسطى، وكان أوّل جهاز عسكري يتم تشكيله بداية عام (1991).

"اقترحت تسمية مجموعتنا باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام"

كانت تسمية الجهاز أمرًا صعبًا لدى المجموعة، حتّى اقترح عليهم ضيفنا، أن يتمّ تسمية مجموعته باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، ونال إعجاب قائدها والذي اعتمده فيما بعد، وأدمج معها مجموعة الشهيد "عماد عقل" لتحمل نفس الاسم، الذي أصبح يخيف العملاء وجنود الاحتلال".

واستطاعت فيما بعد مجموعة "القسام"، الحصول على "مُسدّس" يخلو من الذخيرة، واستغلوا وجوده في عملية "إلقاء القبض على العملاء"، وإرهابهم بالسلاح الخالي من الرصاص، وفور اعتقالهم، يتمّ التحقيق معهم وتسجّل حلقاتُ التحقيق، وتوزّع إلى المواطنين، وهو الأسلوب الذي رسّخ صورة مصداقية الكتائب لدى الجميع.

أسلوب التحقيق

"كنّا نحقق مع العملاء، ونُسجّل اعترافاتهم على شريطٍ صغير، ونوزعه على مجموعة محلات"، يقول ضيفنا، الذي يلفت إلى أنّ التسجيل كان يتضمن "توضيح كيفية ارتباطه مع الاحتلال، والأعمال التي قام بها من قتل واسقاط غيره، ورسالة لمن استمروا على العمالة بأن يعودوا إلى الله ويتوبوا حتّى يتم الصفح عنهم، وفي نهاية الشريط المسجل توضع نصيحة للأهالي بالحذر وعدم التعاطي مع أي أحد يزعم أنّه من القسام".

ومع هذه الأشرطة، استقرت الطمأنينة في نفوس المواطنين، وباتوا ينتظرون شريطًا يكشف عن عملاء، وبعد أشهرٍ من العمل المستمر، قرّرت الكتائب أن تُعلن عن نفسها للعلن، لكنّها تتحيّن الفرصة المناسبة.

"استشهد طفلٌ على يد عميل ألقى قنبلة وسط حشد من المواطنين"، يقول عقل، ويصمت ليسترجع المشهد بتفاصيله، ويتابع: "كُنّا نستعد لخطف عميل والتحقيق معه، لكنّ هذا الحدث أوقف مهمّتنا، وعندما وصلنا خبر تمادي أعوان الاحتلال، قررنا الانطلاقة المسلحة رسميًا".

انطلاقة القسام

أعطى وليد عقل، -قائد مجموعة خميس-، الإشارة إلى مجموعته بأن يتم الإعلان عن الكتائب أثناء تشييع جثمان الطفل حسين أبو يوسف (15عامًا).

وفي مساء شباط(1991)، أثناء تجمهر حشدٌ من المواطنين في النصيرات لتشييع "أبو يوسف"، وقف خميس ملثمًا، وأطلق ثلاث رصاصاتٍ في الهواء معلنًا عن انطلاق الكتائب، ما أثار دهشة الجميع لصوت الرصاص الذي يسمعونه لأوّل مرّة في تلك الأعوام.

"تميّز القسام بأسلوب التحقيق مع العملاء ونشر اعترافاتهم قبل تصفيتهم"

يتحدث ضيفنا: "أطلقت 3 رصاصات في الهواء، وأعلنت عن انطلاق الكتائب، وأنّها ستنتقم لدم الشهيد، وستقضي على العملاء وأسيادهم".

وللرصاصات التي أطلقها خميس في الجنازة قصّة، يخبرنا بها متبسمًا: "بقي المسدس برفقتنا لـ(3 شهور) بلا أي رصاصة، حتى وصلتنا إشارة للالتقاء مع أحد الشباب للحصول على السلاح، وعلمنا فيما بعد أنّه كان من مجمّع نفاياتٍ تابع للاحتلال".

استمرت المجموعة بالعمل، حتّى أوكلت مهمّة تصنيع العبوات المتفجرة إلى ضيفنا، وكان الوحيد آنذاك يصنعها، يقول: "كانت بدائية وبسيطة، مكونة من أسطوانات أكسجين، وكبريت، مع سكر، وسلك كنجستون، وساعة مؤقتة".

لكنّ توزيع العبوات أقلق جنود الاحتلال، فقد كان يضع خميس فارق التوقيت بين تفجير العبوة والثانية (15 دقيقة)، وهو ما أدّى لتخبط في جنود الاحتلال أثناء الانفجار الأوّل، ويؤكد ضيفنا أنّ المصابين في العبوة الثانية أضعاف من يصابون بالعبوة الأولى.

أوّل عملية

وبقي المُسدّس ذاته صديقًا لخميس ومجموعته في قتل العملاء وجنود "إسرائيليين"، وصاحبه فيما بعد بندقية من نوع "كارلو".

وعن أوّل عملية نفذتها الكتائب ضد جيش الاحتلال بالمسدس، يقول ضيفنا: "استطعنا الحصول على عدّة رصاصات من مستوطنة في المحافظة الوسطى، وقررنا أن ننفذ أوّل عملية قتل جنود على الفور".

هيّأت المجموعة نفسها في الأوّل من يناير عام (1992) لتنفيذ العملية، وخططوا لأن يكون مسؤول الأمن في مستوطنة "كفار داروم" في المحافظة الوسطى، هو فريستهم، واقترب خميس من سيّارته، وأعطى تعليماته لرفيقه الذي صاحبه في تنفيذ المهمّة بإطلاق النار على رأس المستوطن، حتّى أردوه قتيلًا، ثم ألحقوها بأربعة رصاصاتٍ أخرى، وعادوا إلى أماكنهم بسلام، وتبيّن لهم فيما بعد أنّه "حاخام متدين يدعى دورون شوشان".

أكثر ما كانت تعانيه المجموعة في تلك الفترة، شحّ السلاح والرصاص، فبعدما فقدوا الذخيرة، استطاعوا الحصول على رصاصتين من مخلفات الاحتلال، إحداهما "مطعوجة"، ولشدة حاجة المجموعة لها، فكّوها وأعادوا تعديلها، ثم تركيبها، ووضعها في بيت النار، وقتلوا بها عميل تورط في عمليات إسقاط واعترافات مسجلة، وبقي معلقًا على دوّار النصيرات كـ"عملية ردعٍ لغيره".

وأزعجت أعمال المجموعة جنود الاحتلال، بعدما شعر أنّه يفقد عناصر و"عملاء" بشكل متواصل، فقرر مطاردة من فيها لا سيما بعد اعتقال مؤسسها وليد عقل، ويخبرنا ضيفنا عن موقفٍ من أجواء المطارة، يقول: "تجمّعنا في غرفة تحت الأرض، وصاحبها يملك مصنعًا للأعلاف، فوضع فوق باب الغرفة (طنًا) من العلف، ونسينا ليومين، وكنّا (11 فردًا) داخلها، وكدنا نموت".

كانت مساحة الغرفة لا تتجاوز (5 أمتار مربعة)، وبعدما شعرت المجموعة أنّها ستلاقي حتفها "اختناقًا"، قررت إزاحة العلف من فوقها، وتمكّنت من استرجاع أنفاسها من جديد بعد الحرية، وقرروا الافتراق.

ومع استمرار عمل خميس برفقة زميله "باسم النحال"، تمكّن من تصنيع مجموعة قنابل لإلقائها على جنود الاحتلال، لكنّه في ليلة مطاردة انفجرت به قنبلة، ففقد على إثرها عينه اليمنى، وأصيب رفيقه بشظية في قدمه، وتمكنوا من عمل اسعافاتٍ طبية دون الوصول إلى المستشفى خشية الاعتقال.

مواجهة واعتقال

وفي مخبئهم السرّي، كانت حاجة النحال للعلاج "ماسّة"، فخرج لتوفير الدواء اللازم، برفقة مازن النحال، ولكنّ المفاجأة كانت في طريقهم بمدينة خانيونس، حيث صادفوا دورية من جيش الاحتلال مكوّنة من (8جيبات، وما يقرب 40 جنديًا)، وتوقّفت سيارة عقل أمامهم، وكانوا يملكون آنذاك بندقيتي "كارلو".

يقول: "طلبوا منّا تسليم هوياتنا ليأمرونا بمسح الجدران من الشعارات، لكنّنا قررنا الاستشهاد بتنفيذ عملية استشهادية، فأعطيت أوامري لمازن النحال، بأن يفتح بيت النار ويستعد للمواجهة".

نفذت أوّل عملية للقسام ضد الاحتلال بقتل حاخام متدين

يتابع ضيفنا: "فتحنا أبواب السيارة بشكل مفاجئ، وأفرغنا ذخيرتنا على الجنود حتّى قتلنا منهم (6)، واستمر الاشتباك، حتى أصبت بعدّة رصاصاتٍ في قدمي فكسرت، وبقيت أقاوم، ولمحت بارودة (16m)، فهجمت على الجندي".

واستطاع الاحتلال عقب هذه العملية اعتقال خميس، والنحال -الذي أصيب بـعشرين رصاصة-، والتحقيق معهما بأقسى الطرق، مستغلًا مكان إصابتهما، إلّا أنّه يؤكّد أنّه لم يعترف على شيء، وأخذ حكمًا بالسجن (17 مؤبدًا و20 عاما).

لكنّ شهود عيان أخبروهم بعد رؤية الاشتباك وهبوط طائرة "هليكوبتر"، أنّهم فارقوا الحياة، فأقامت العائلة بيت عزاء لخميس، حتّى نفى الصليب ذلك.

وتنقّل عقل في سجون الاحتلال، متمًا بداخله "حفظ القرآن الكريم، ودبلوم متوسط من الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، وعلوم الفقه والسيرة"، إلى أن استقر به الأمر في "نفحة" فترة إعلان اسمه ضمن "صفقة وفاء الأحرار" التي نفذها القسام مع الاحتلال، تنص على الافراج عن (1027 أسيرًا فلسطينيًا)، مقابل إفراج الكتائب عن الجندي "الإسرائيلي" جلعاد شاليط".

كان لقاء "الرسالة" مع عقل، مليئًا بالمغامرات التي سردها لنا، وفي نهاية حديثنا معه قال: "خرجت من زنازين الاحتلال بعد اعتقالٍ استمر (20 عامًا)، مستبشرًا بالجيل الذي استلم منّا الراية، وكلّما رأيتُ الحماس في عيونهم يزيد إيماني أنّ النصر قريب"، خاتمًا حديثه بقوله تعالى: "وكان حقًا علينا نصر المؤمنين".

زميلنا محمد أبو زايدة يحاور الأسير المحرر خميس عقل

IMG_2942.JPG

البث المباشر