سابقوا الزمن ليبقوا على استعداد لأي مواجهة مقبلة، في أقل من عام استطاعوا ترميم كل ما دمّره الاحتلال على مدار خمسين يوما، واصلوا الليل بالنهار لتغيير معادلة الصراع مع العدو (الإسرائيلي)، الذي باتت أجهزته الأمنية في مأزق أمني كبير.
لم تذهب دماء "شهداء الإعداد" التي خالطت الطين هدرا، فمن قضوا أشهرا في الإعداد نّما غرسُهم وانصفتهم حرب 2014م، وبات الشهيد منهم يخرج في تشيعه الآلاف وفاء وفخرا.
وبفضل رجال الإعداد بات الاحتلال يفكر ألف مرة قبل اقتراف أي جريمة تستهدف القطاع، خاصة وأن استخدام المقاومة للإنفاق بحسب الخبراء الأمنين شكّل تحولا استراتيجيا في أدائها، وسمح لها بالانتقال نحو العمل المؤسسي العسكري والأمني بأريحية.
واعتبروا أنه ومنذ اللحظة التي توجهت فيها نحو العمل تحت الأرض وضعت الاحتلال وكل الأجهزة المخابراتية المساندة له في مأزق خطير من حيث نقص المعلومات.
المحلل السياسي حسام الدجني قال إن شهداء الإعداد أعدوا شبكة أنفاق ممتدة لا أحد يستطيع وصفها أو توقع طولها وعرضها، ولكن المعلومات المتاحة هي ما كان ينشره الإعلام العبري، وبعض بيانات وصور وفيديوهات المقاومة، حيث وصف رئيس الأركان (الإسرائيلي) السابق غزة بأنها مدينة فوق مدينة، في إشارة لشبكة الأنفاق التي تجعل من التوغل البري أمرا يكاد يكون مستحيلا.
فبات النفق مكانا لجلب الأسلحة، وللتصنيع، والراحة، والتخطيط، وللاستطلاع داخل أراضي العدو، وفي سبيل الوصل للهدف استشهد العشرات من رجال الإعداد، فظروف العمل تحت الأرض ليست كما فوقها، لذا فهم معرضون للاختناق والانهيارات.
حالة الذعر من الأنفاق شملت كل المستويات داخل الاحتلال وهو ما عبرت عنه صحيفة "سوف هشبوع" حين قالت: الجيش يتخبط في العتمة وحماس تبني الأنفاق، وعملية استراتيجية من أنفاق غزة مسألة وقت، والمعركة المقبلة ستكون تحت الأرض.
وتمتد بعض الأنفاق خلف خطوط الاحتلال، ونُفذت منها عمليات جريئة في العدوان الأخير صيف عام 2014، كما استطاعت للمرة الأولى في تاريخ الصراع نقل أرض المعركة إلى داخل الأراضي المحتلة، فبدا الهاجس الذي لا يفارق مستوطنو غلاف غزة هو إقدام حماس على اقتحام منازلهم عبر أنفاقها الهجومية.
وجاءت فكرة الأنفاق بداية، من رغبة المقاومة في أسر جنود إسرائيليين لمبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين، إلى أنّ تطورت وأصبح بعضها يتعلق بالمهام الخاصة والخطف والتسلل خلف الخطوط، وأخرى تُستخدم كمرابض للصواريخ والقذائف.
وزعم موقع "واللا" العبري أن حركة حماس زادت من وتيرة حفر الأنفاق الهجومية لديها، باستخدام أدوات هندسية متطورة، مشيراً إلى أنها تسابق الزمن في ذلك.
وادّعى الموقع أن حماس تستخدم حفارات "باغر" صغيرة لبناء الأنفاق؛ لتسارع من عمليات الحفر، فيما يمكن مشاهدة الأماكن التي تعمل فيها المقاومة الفلسطينية من الأراضي المحتلة القريبة من قطاع غزة.
هذا النموذج الذي استلهم من تجارب فييتنام و"حزب الله" اللبنانيّ، يعتبر جزءاً أساسياً من استحضار نموذج المقاومة غير المتكافئة.
ولعلمهم بأهمية ما يقدمون عليه، قال أحد قيادات القسام إن رجال الكتائب لا يتركون دقيقة واحدة تمر دون أن يكون فيها إعداد وتجهيز وتحضير لمعركة النصر المحتوم"، وفق تعبيره، وذكر لـ "المركز الفلسطيني للإعلام" أن معركة الإعداد مثلها كمثل أي معركة، تتطلب بذل الجهد والدم والمال".