لاتزال الزغاريد عامرة في بيت الشهيد القسامي جعفر حمادة - 23 عاما_ فمنذ شهرين زُف عريسا إلى زوجته "دعاء"، لكن سرعان ما خطفته الحور العين منها ليرتقي شهيدا حتى واصلت أمه وجدته استقبال المهنئين من جديد بالمهاهاة وروحه ترتقي هذه المرة إلى العلا بزفافٍ جديد.
قبل أسبوع ودع "جعفر" زوجه وعائلته، حاملا عتاده العسكري مسرعًا إلى اصدقاءه للذهاب الى عمله الجهادي دون أن يكترث لموجة الشتاء الباردة، للوصول إلى النفق الذي يعملون فيه حتى يحتمون بدفئه، رغم عملهم الشاق.
في بيت العزاء تتوسط زوجته التي لم تكمل عقدها الثاني بين والدة وشقيقة الشهيد، وكأنها عروس تنتظر عريسها، وبمجرد أن تقترب إحدى السيدات اللواتي جئن ليباركن شهادته، تبتسم زوجته وتسأل " انتي بتعرفي جعفر"، فرفيق ايامها تصفه بأنه "حبيب الناس، خفيف الظل".
خلال دقائق اختلستها "الرسالة" للحديث مع عائلته وسط اجواء المعزيين، تقول والدته:" قبل خروجه من البيت أعددت له المناقيش التي يحب وطلبت منه تناولها قبل أن يأتي رفقاءه للذهاب إلى العمل (..) ففضل الجلوس والافطار مع اخوته".
جنازة جعفر ورفاقه
وفي الليلة الأخيرة التي قضاها مع عائلته، أرسل رسالة عبر جواله لعروسه يخبرها بعودته إلى البيت بعد غياب دام لأيام قليلة قضاها في عمله، فكتب لها أنه اشتاق لرؤيتها ويطلب عودتها إلى بيتهم الصغير.
تستذكر عروسه "دعاء" انه خرج إلى عمله بعد اسبوع واحد من زفافهم، فرغم الحاحها عليه بالبقاء، إلا أنه ابتسم وهمس لها بحبه، ثم أخبرها "عملي الذي احبه لن اتراجع عنه"، فودعته بابتسامة رضا يتبعها دعاء له.
تصمت عروس "جعفر" قليلا لتصافح احدى قريباتها التي جاءت لتعزيتها وتسألها:" هل رأيتم جنازة جعفر ورفاقه؟".
لم تصدق دعاء بأن شريك حياتها ستخطفه الحور العين سريعا كما كان يمازحها خلال خطوبتهم، فهي حينما جاءهم خبر فقدانه في النفق بقيت صامدة منتظرة عودته، لأنها اعتادت أن تنصت لحكايات المقاومين الذين حجزوا في الأنفاق لكن معجزة الهية كانت تعيدهم لذويهم، لذلك كانت تتأمل عودته كما أخبرت "الرسالة".
لم ينم جعفر قرير العين وحده، بل بصحبة رفقاءه الستة الذين رافقوه في عملهم بعدما انهار عليهم النفق الذي كانوا يرممونهم، حيث شهد عمليات فدائية كان رجال القسام أبطالها في الحرب الأخيرة على قطاع غزة.
اكتفت "دعاء" بالحديث عن عريسها، دون أن تخفي غيرتها من الحور العين، فهي تردد " سأكون زوجته في الجنة".
*******كلمح البصر
ورغم مشاركة عريس القسام الشهيد "جعفر" في الحربيين الأخيريين على غزة، دون أن يعلم ذويه شيئا عنه خلال فترة المواجهة، إلا أنه كان يعود لهم في اليوم الأخير يقفز ضاحكا:" هيني اجيت ما استشهدت" فيهدأ بال والدته.
لكن المرة الأخيرة التي خرج فيها جعفر من بيته، تغلل إلى والدته شعور بأن ابنها البكر سيعود شهيدا، تقول وهي تراقب بعيونها الدامعة المعزيين بفلذة كبدها:" في سريرة نفسي نويت أن أجلب له هديه في حال عودته سالما(..) لحظة خروجه من البيت كان وجهه يشبه ملامح الشهداء فقد خرج بخطوات سريعة وكأنه يطير".
وحينما حمله اصحابه إليها لوداعه الأخيرة، تروي أنها لم تشبع من النظر اليه فخرج كلمح البصر خفيفا كعادته.
وفي ليلة "جعفر" الأولى في قبره الذي يشبه النفق الذي يعمل فيه " جاء لشقيق الصغير فهد في المنام يطلب منه عدم البكاء عليه ويبشره بأنه في الجنة، ويمنحه وبقية اخوته شواكل قليلة لتحفيزهم على صلاة الفجر كما اعتاد في حياته.
رحل جسد الشهيد جعفر الى بارئه، لكن لا تزال روحه تداعب اصدقاءه وهم يواصلون عملهم الجهادي داخل الأنفاق، فهنا جعفر حدثهم عن حلمه بخطف جندي اسرائيلي، وهناك أخبرهم بقرب صلاته بالمسجد الأقصى وكيف سيأكلون من كعك القدس.