قائمة الموقع

خريف العمر يزهر في "بيت جدودنا"

2016-02-08T08:17:28+02:00
غزة-مها شهوان

وسط مدينة غزة، ينتظر كبار السن أن تدق عقارب الساعة الثامنة يوميا حتى يسمح لهم بدخول "بيت جدودنا"، لممارسة الانشطة المختلفة برفقة زملاء اخرين تجاوزت اعمارهم الستين عاما.

قبل ثلاث سنوات بدأت فكرة البيت لاستيعاب كبار السن بدلا من بقائهم بالبيت دون قيامهم بأي نشاط، فمنذ نشأته سارعوا بالتسجيل حتى وصل عددهم ما يقارب الـ 550 وهو أحد برامج جمعية الوداد للتأهيل المجتمعي التي تعنى بهذه الفئة حيث تقدم لهم خدمات نفسية واجتماعية وترفيهية لدمجهم مع المجتمع.

في احدى زوايا الدار، انشغل الحاج أبو علاء ابو كويك برسم احدى اللوحات وتلوينها، استرقت "الرسالة" القليل من وقته للحديث عن أنشطته قائلا:" التحقت بالدار منذ أربع سنوات بدلا من مكوثي بالبيت دون عمل(..) ومن حين لآخر أقوم بإعداد مسابقات ثقافية بين المسنين".

وبين أبو كويك أنه قبل التحاقه بالدار لم يكن نشيطا فكان يقضي جل وقته بالبيت أو على شاطئ البحر القريب منه، لكن بعد مجيئه للبيت راح يطور مواهبه ويرسم على الرمال، بالإضافة إلى أنه يقضي وقته مع اشخاص بمثل سنه يمكنه التفاهم معهم.

اصطحب الرجل الستيني "الرسالة" إلى احدى غرف "بيت جدودنا" ليستعرض لوحاته البسيطة التي تحاكي رسومات مشابهة، فعلى أحد الجدران ألصق لوحة عن قبة الصخرة نقشتها يده المجعدة، وعلى الناحية الأخرى مجسم صنعه من صدف البحر.

موهبة الحاج لا تقتصر على الرسم فقط، فهو يدون منذ الانتفاضة الثالثة الاحداث كافة واسماء الشهداء والمناطق التي قضوا نحبهم فيها، بالإضافة إلى احتفاظه بكتابات خطها بيده عن قرى الـ 48 وعاداتهم في المناسبات وكذلك الاغاني التي كانوا يرددونها في المواسم المختلفة.

ويعد أبو كويك الأكلات الشعبية لرفقائه في " بيت جدودنا"، ويقول:" حينما يتساقط المطر أطبخ "الملوخية وفول" فهي أكلة شعبية قديمة.

 قاطعنا الحديث أحد المسنين وهو يتكئ على عكازه قائلا "بدي اعمل مقابلة صحفية (..) كتير مبسوط بالدار وبشوف ختايرة من عمري"، القى كلماته تلك ثم رحل يتجول في انحاء البيت، إلى أن وصل غرفة العلاج الطبيعي للبدء بالتمارين.

الألوان الزاهية والشوكولاتة

التحاق المسنين في " بيت جدودنا" ليس للنوم، بل لقضاء وقتهم بشيء مفيد فتجدهم يتبادلون الخبرات والمعرفة بينهم، فتجد احدى السيدات تعلم زميلاتها "حياكة الصوف بالصنارة"، وفي حديقة البيت يجلس بعضهم لممارسة فن الرسم بألوان جميلة.

يقول عمر البلعاوي مدير العلاقات العامة بجمعية الوداد:" معظم كبار السن في بيت جدودنا يعملون بمناصب مرموقة فمنهم المدرس والحكيم، وكذلك المحاسب الذي عمل في الخارج وأصبح في سن تقاعدي، وايضا من يجيد لغات عدة".

ويوضح البلعاوي أن فكرتهم جاءت بعد قيام الباحثين بعدة جولات في انجاء القطاع ووجدوا أن هناك أماكن تهمش كبير السن، حتى ارتأى القائمون على المشروع بعمل نادي لاستيعاب كبار السن لتفريغ طاقاتهم.

ويقدم بيت جدودنا انشطة متعددة لكبار السن، كتوفير وجبة غذاء لهم، والقيام برحلات ترفيهية وندوات تثقيفية.

الحاجة فاطمة رزق مديرة مدرسة متقاعدة، لم ترغب البقاء في بيتها بين أربع جدران كما تقول، فأصر أبناؤها أن تستغل وقت فراغها بمساعدة الأخرين، حيث بدأت إعطاء دورس دينية في المساجد وكذلك في " بيت جدودنا"، كما وتعلم كبيرات السن القراءة والكتابة وحياكة الصوف.

وروت السبعينية رزق أن وجودها في الدار لتستفيد وتفيد الاخرين، فهي تعلمت فن "الكروشيه" من رفيقاتها المسنات، وكذلك صناعة المنتوجات من الخرز حتى حولت بيتها الى لوحة فنية.

وتشارك في الرحلات التي يقوم بها "بيت جدودنا" للتفريغ النفسي، وتنصت للسيدات عند حديثهم عن المشاكل التي يوجهونها في الحياة فتبادلهم النصائح، كما وتسعى من خلال علاقاتها بالمؤسسات بتوفير بعض الاحتياجات لكبار السن.

وتقول رزق وهي تستعرض الملابس الصوفية التي اعدتها مع رفيقاتها بالدار:" من حق كبير السن العيش كما يريد، فنحن نحب الحياة ودوما نحتفل بأعياد ميلادنا(..) نحب لبس الألوان الزاهية وأكل الشوكولاتة والذهاب إلى الاماكن العامة كما الشباب".

وإلى الصالة الرياضية، حيث الستيني ابو رمضان الرواغ يبدو وكأنه نهاية عقده الرابع يرتدي زيه الرياضي الذي اعتاد لباسه عند قيامه ببعض التمارين، استرقنا القليل من وقته ليتحدث عن تجربته في "بيت جدودنا.

أوقف الرواغ الالة الرياضية التي كان يمارس عليها نشاطه، وشرب القليل من الماء ليتحدث بأنه قبل التحاقه بالبيت كانت حياته فارغه بعدما تقاعد من عمله، لكن اليوم ينتظر الصباح حتى يلتحق بزملاءه كبار السن ليتشارك معهم مختلف الأنشطة ومن ثم يعود لمنزله للراحة واللعب مع احفاده.

ورغم سعادته في "بيت جدودنا" إلا أنه يشعر من حين لآخر بالضيق من بعض "الختايرة" كما يصفهم، فهم وفق قوله بعض منهم يأتي للحديث بدلا من الفائدة حينما تكون هناك ندوة تثقيفية أو صحية

وفي زاوية اخرى من البيت يجلس عدد من الرجال يلعبون "طاولة الزهر"، لم يرغبوا بمشاركة "الرسالة" الحديث أو التقاط صور لهم وفضلوا الصمت واكمال لعبهم دون أن يلفظ أحدهم بحرف.

ودعت "الرسالة" بيت جدودنا وكبار السن ينصتون إلى درس ديني، ومنهم يقاطع الشيخ ليضرب له أمثلة على ما يقوله فتجد أحد المسنين يضحك محاولا اسكات زميله، واخر لا يريد سماع شيء عدا مثقفهم.

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00