تقف حركة فتح على الناصية الأخرى من الطريق، المقابلة للإجماع الوطني، الذي يصر على ضرورة الالتزام باتفاقات المصالحة السابقة، التي حظيت بموافقة جميع القوى، في الوقت الذي تصر فيه (فتح) على استبعاد البرنامج السياسي لوثيقة الوفاق الوطني، وهي العقبة الرئيسية التي واجهت مباحثات الدوحة.
باستثناء فتح، فإن القوى الفلسطينية تؤكد ضرورة الالتزام بوثيقة الوفاق كمرجعية سياسية للفلسطينيين ولأي حكومة وحدة فلسطينية مقبلة، لاسيما أنها تعتبر قاسمًا مشتركًا بين جميع القوى السياسية.
الفصائل رفضت موقف (فتح) بإعادة بحث ملفات المصالحة، وعرضها للحوار من جديد؛ لأن من شأن ذلك أن يعيد المصالحة الى نقطة الصفر، ويهدد بنسفها، ليثبت بذلك أن (فتح) في مواجهة الإجماع الوطني برمته، وليس في وجه حماس وحدها.
وأكدّت قيادات في الفصائل لـ "الرسالة"، الالتزام بما تم التوافق عليه، بالعمل على اعادة ترتيب منظمة التحرير، والشروع في إجراء انتخابات فلسطينية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تقوم بمهامها كافة، وفي مقدمتها اعادة الاعمار، ودمج المؤسسات الوطنية، واجراء الانتخابات.
اجماع حول الوثيقة
وشمل هذا الموقف، تلك الفصائل التي تنضوي تحت لواء منظمة التحرير بما فيها الجبهة الشعبية، التي أكدّت ضرورة الالتزام ببرنامج الوفاق الوطني، مشيرة إلى أنه لا ضرورة لتغييره.
وقال أبو أحمد فؤاد نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لـ"الرسالة"، من دمشق، إن القوى الوطنية أجمعت على الوثيقة، ولا نرى ضرورة لتغييرها، ونحن متمسكون بها وبجميع الخطوات الأخرى التي أجمعنا عليها في القاهرة، دون اجتزاء أو انتقاص.
الجهاد: لا نقبل برنامج المنظمة مرجعية سياسية ومشاركتنا بـ "الوطني" مرهون بإصلاح المنظمة
وأوضح فؤاد أن الوثيقة ارتضاها الجميع برنامجًا سياسيًا يشكل أرضية للوفاق، وقاعدة للتوافق بينها، والحديث بشأنه لا بد أن يخضع لنقاش وطني شامل، وليس من الضروري العمل على تغييره.
وتوافقت على ذلك، حركة الجهاد الإسلامي، التي أكدّت رفضها التام لأن يكون برنامج منظمة التحرير مرجعية سياسية للفلسطينيين، أو حتى أن يكون مظلة لحكومة تمثل الشعب الفلسطيني، "لأنه تنازل عن 78% من أرض فلسطين وانتقص من حقوق وثوابت الشعب".
وقال خضر حبيب القيادي في الجهاد، إنّ خطورة هذا البرنامج يكمن في أن السلطة تعتبره تصورًا للحل النهائي، "وبالتالي سيعتبر وثيقة دولية لا يمكن لنا كفلسطينيين أن نطالب بأكثر منها".
من جانبها، أكدّت الجبهة الديمقراطية، دعمها لوثيقة الوفاق المتفق عليها بين جميع الفصائل كبرنامج لحكومة الوحدة الوطنية. وقال القيادي في الجبهة طلال أبو ظريفة لـ"الرسالة"، إن اشتراط فتح لبرنامج المنظمة، يعد جزءًا من المناكفات السياسية، التي يجب استبعادها خلال جلسات الحوار الفلسطيني.
وأشار أبو ظريفة إلى ضرورة أن يكون برنامج الحكومة هو الإطار الذي يعتبر قاسمًا مشتركًا بين الجميع؛ "وهو وثيقة الوفاق، كونها تشكل مرتكزا أساسيا يمكن التحرك من خلاله".
الشعبية: وثيقة الوفاق تمثل الإجماع الوطني ولا حاجة لتعديلها أو القفز عنها
بدوره، أكدّ خالد أبو هلال الأمين العام لحركة الاحرار، أن أي اتفاق جديد من شأنه نسف الجهود التي بذلت على مدار الأعوام الماضية من تفاهمات ولقاءات، وتفجير الخلافات مجددًا، "وهو أمر ترفضه مجمل الفصائل".
واعتبر أبو هلال أن محاولات فتح لمناقشة ملفات المصالحة مجددًا هي فرصة لوأدها، مؤكدًا ضرورة توفر إرادة جدية وصادقة لتنفيذ آليات المصالحة.
ورأى في هذا المطلب دليلا على عدم مصداقية فتح التوجه لإنهاء الانقسام، منوهًا بأن برنامج الوفاق يمثل القاسم المشترك لكل الفصائل، "وعلى فتح الالتزام به".
وقال إن أي برنامج سياسي يدعو للاعتراف "بإسرائيل" ليس من شأنه فقط أن يفشل اتفاق المصالحة، بل سيفجر خلافًا فلسطينيًا جديدًا ويعمّق الانقسام، ودعوة لإشعال مواجهة أهلية، خاصة وأنه سبب جوهري في الخلاف السياسي بين الفلسطينيين.
الانتخابات والحكومة
وفيما يتعلق بمشاركة الفصائل، خاصة الجهاد والجبهة الشعبية في انتخابات المجلس الوطني وموقفهما من الانضمام لحكومة الوحدة، فقد رهن الفصيلين موقفهما من المشاركة بـ"الوطني" في أن تجرى انتخاباته وفق ما تم الاتفاق عليه في ترتيبات اتفاق القاهرة، وأن يسبقها اعادة بناء منظمة التحرير، وهو موقف تحاول حركة فتح القفز عنه في لقاءات المصالحة.
وقد رهن حبيب القيادي بالجهاد، مشاركة حركته في انتخابات الوطني بإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير ومؤسساتها، مشيرا إلى أن الجهاد لن تشارك في أي حكومة مقبلة ناتجة عن (مؤسسات أوسلو)، "وهي تقدم موقفًا للتاريخ"، وفق تعبيره.
أمّا فؤاد نائب الأمين العام للجبهة الشعبية، فرهن مشاركة الجبهة في أي حكومة وحدة، بأن يتم تشكيلها ضمن ترتيبات اتفاق القاهرة، من خلال إعادة بناء مؤسسات المنظمة، والتخلص من كل ما فرضته اتفاقيات أوسلو.
الديمقراطية: طرح برنامج منظمة التحرير للحكومة "مناكفة سياسية"
ودعا إلى ضرورة إعادة تفعيل ملفات المصالحة وفي مقدمتها الإطار القيادي المؤقت، وإجراء انتخابات شاملة وعلى جميع المستويات، وفي كل المناطق التي يمكن القيام بها.
وأشار فؤاد إلى أن الفصائل اتفقت في لقاءات القاهرة على أن يكون للفلسطينيين برلمان واحد وهو المجلس الوطني، كما دعا إلى ضرورة تولى أي حكومة مهامها في إنهاء الأزمات التي يتعرض لها قطاع غزة، المتمثلة بالمعابر والموظفين وإعادة الإعمار، "بما يعزز من إمكانياتنا في تصعيد انتفاضة القدس، وتطويرها".