يؤكد دخول انتفاضة القدس شهرها الخامس أنها تجاوزت محاولات السيطرة والاحتواء، خصوصاً أنها شكلت في الآونة الأخيرة عقدة لأجهزة المخابرات الإسرائيلية، في طريقة ونوعية عملياتها وجرأة منفذيها.
وأظهرت عملية باب العامود، الأربعاء الماضي، مدى الجرأة والكفاءة الأمنية التي وصل إليها شباب الانتفاضة، بعد تمكن 3 شبان فلسطينيين من جنين، بالوصول إلى مكان ذي حراسة أمنية مشددة من قوات الاحتلال في قلب القدس المحتلة، بأسلحتهم البدائية.
وبدا واضحاً في بدايات الانتفاضة، الرغبة القوية للشباب الفلسطيني بتنفيذ عملياتهم دون الأخذ بالاعتبار لمصيرهم، لكن سرعان ما تغيرت تلك النظرة ليصبح تفكيرهم الأكبر، الانسحاب تمهيداً لتنفيذ عمليات أخرى.
وقد اعترف الإعلام العبري أن عملية بيت إيل التي نفذها الشهيد أمجد سكري قبل نحو أسبوع، والذي يعمل ضابطا في الشرطة الفلسطينية، وأصاب خلالها 3 جنود صهاينة، شكلت اختراقاً كبيراً حول طريقة تنفيذ العملية وشخصية منفذها.
الشاهد أن شباب الانتفاضة تجاوزوا الكثير من الأخطاء الثغرات الأمنية، التي وقع فيها بعض المنفذين كعملية إطلاق نار قرب مستوطنة ايتمار بنابلس، حيث أن خطأ واحدا في تلك العملية كان كفيلاً بكشف جميع أفرادها.
ويعد "قناص الخليل" الذي بات يشكل رعباً يقض مضاجع المستوطنين، وهاجسا يلاحق أجهزة المخابرات، صورة من صور هذا التطور، خاصة أنه نفذ خلال الانتفاضة الحالية عدة عمليات تمكن في جميعها من الانسحاب بنجاح.
أما عملية إطلاق النار في شارع "ديزنغوف" وسط مدينة (تل أبيب)، التي نفذها الشهيد نشأت ملحم ونجم عنها قتيلين إسرائيليين وإصابة 10 آخرين، عكست تطوراً نوعيا على المستوى الأمني، لاسيما أن المنفذ تمكن من الدخول بسلاحه إلى أحد أكثر الأماكن أمنا في الكيان، منفذا عمليته بنجاح قبل انسحابه لقواعده بسلام؛ ليشل الحياة داخل العاصمة الاقتصادية للكيان أسبوعا كاملاً قبل استشهاده.
كما أن ثغرة أمنية سقط فيها الأسير "شادي مطاوع" المتهم بتنفيذ عملية إطلاق النار في نوفمبر الماضي قرب مستوطنة "عيتنائيل" جنوب الخليل، والتي قتل فيها إسرائيلييْن، أدت للوصول إليه واعتقاله من خلال تتبع المركبة التي نفذ خلالها عمليته عبر الكاميرات من أجهزة المخابرات.
واستفاد من ذلك الخطأ منفذ عملية إطلاق النار التي وقعت بقرية شوفه قرب طولكرم في التاسع من ديسمبر الماضي، التي أصيب بها إسرائيلييْن، حيث أنه خلال انسحابه أحرق السيارة التي نفذ عبرها العملية"، وفق مصادر عبرية، متجاوزا بذلك الخطأ الذي وقع فيه مطاوع.
وفي السياق، يقول المحلل الأمني إبراهيم حبيب إن انتفاضة القدس في كل يوم تكتسب زخماً جديداً وخبرات متراكمة وخططا جديدة، تأتي من عمليات الانتفاضة نفسها، مشيرا إلى أن منفذي العمليات أصبحوا يتابعون ويقرأون الأحداث جيداً، ويستخلصوا العظات والعبر ممن سبقهم في تنفيذ العمليات، إضافة إلى التعلم من خبراتهم والوقوف على أخطاءهم.
وأكد حبيب لـ "الرسالة" أن هذا التطور الملحوظ في تنفيذ العمليات أثبت عجزا كبيرا لدى أجهزة الاحتلال الأمنية، وسبّب حالة إرباك كبيرة عكست حالة التخبط التي يعيشها الكيان، مستشهدا بعملية ديزنغوف التي نفذها الشهيد نشأت ملحم كدليل على ذلك.
وفيما يتعلق بانخراط عناصر من السلطة في انتفاضة القدس، أشار حبيب إلى أن الكثير من أبناء الأجهزة الأمنية في الضفة المحتلة يمتلكون حساً وطنيا وجرأة كبيرة تقودهم لتنفيذ عمليات ضد الاحتلال؛ نتيجة قرارات فردية منهم، وأن الشهيد أمجد سكري امتلك هذا الحس والجرأة واستطاع أن يقدم نموذجاً يحتذى به متوقعاً أن نشاهد الكثير من هذه النماذج في المرحلة المقبلة.