يتصاعد الحراك النقابي والشعبي ضد سلوك وإجراءات السلطة الفلسطينية وحكومتها في الضفة المحتلة، على وقع تفاقم معاناة الفلسطينيين وارتفاع نسب البطالة وغلاء المعيشة الفاحش، وتنكر السلطة للموظفين والمهنيين في توفير أبسط احتياجاتهم، الأمر الذي ينذر باندلاع ثورة شعبية حسب مراقبين للشأن الفلسطيني.
وفشلت السلطة الفلسطينية في إجبار المعلمين على العدول عن قرارهم الاستمرار بالإضراب للأسبوع الثاني على التوالي، رغم كل ما بذلته من حراك أمني وسياسي وإعلامي وما نجم عنه من قمع وتحريض ومواجهة، بالتزامن مع دعوة حركة فتح لمدرسيها استئناف الدراسة والتوقف عن الاضراب.
نجاح تجربة حراك المعلمين دفع بنقابات وفئات مجتمعية أخرى للمطالبة بحقوقها من حكومة الحمد الله، مهددة بتصعيد حراكها النقابي إن أصرت الحكومة على مواقفها. وعلى وقع الحالة الجماهيرية المتصاعدة في الضفة، اضطرت السلطة وقيادتها للنزول عن الشجرة، ومحاورة لجان المعلمين التي تجاهلتها في البداية، في وقت تداعت فيه أطر فتح لاحتواء الأزمات الناجمة عن الحراك الدائر هناك.
وكشفت الاحتجاجات الشعبية والنقابية بالضفة عن حالة السخط والغضب الشعبي، خاصة بعدما فشلت فتح في احتواء الاحتجاج وعجز السلطة عن مواجهته، ورفض المعلمون وأولياء أمور الطلبة لتوجيهات السلطة، الأمر الذي دفع قيادات وزانة بفتح وسياسيون مقربون منها، للإقرار بوجود حالة يأس وقنوط شعبي عام في الضفة المحتلة.
توزيع عادل
وطالب مستشار حكومي سابق، بتوزيع عادل للموارد المتاحة لدى السلطة الفلسطينية، والأعباء الناجمة عن سياسات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، معتبراً أن الحراك الدائر في الضفة المحتلة، تعبير عنى حالة اليأس من المؤسسة الرسمية، معلقاً بذلك على إضراب المعلمين المستمر في مدارس الضفة.
وأكدّ المستشار السابق جمال زقوت رئيس مركز دراسات الأرض: "إن حالة الإحباط ليست عند المعلمين فقط أو محصورة في الضفة، بل هي حالة تعبر عن جموع الفلسطينيين في كل الأراضي المحتلة".
وأضاف لـ "الرسالة"، أن مطالب المعلمين عادلة، وكان ينبغي الاستماع إليها منذ البداية، معتبرًا أن غياب الثقة في تطبيق ما يتم الاتفاق عليه دفع المعلمين للاستمرار في الإضراب. ودعا زقوت إلى ضرورة العمل على خلق عنصر الثقة القائم على العدل ووضع ضمانات لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، كمدخل سليم لمعالجة الأمور التي تضمن حقوق المعلمين، موضحاً أن الوضع بحاجة إلى معالجات حقيقية تعيد الأمل إلى الناس من خلال توحيد الجهود، لإنهاء كل أزمات الموظفين بما في ذلك موظفي غزة.
ونوه إلى ضرورة رفع موازنات التعليم في الضفة والقطاع معا، ودفع استحقاقاته ومؤهلاته، بالتوازي مع الفئات الوظيفية الأخرى. وأكدّ ضرورة احترام الـحد الأدنى للموظفين والمواطنين معًا، "فلا يعقل أن يتمتع البعض بامتيازاته والبقية لا يتوفر لديهم الحد الأدنى من حياتهم".
وجدير تأكيده أن زقوت شغل منصب مستشار رئيس الوزراء سلام فياض لشؤون الفصائل، قبل أن يحيله رئيس السلطة محمود عباس إلى التقاعد مبكرًا وبدون توضيح الأسباب.
وفي ظل حملة التحريض السياسي، وقف محافظون لدى السلطة الفلسطينية، لدعوة قيادتها الى التوقف عن الشتم والتحريض ضد النقابات، حيث دعا عبد الله كميل محافظ طولكرم قيادة السلطة لإعادة البحث في سياساتها ضد الموظفين والنقابات، مطالبا بعض مسؤولي اتحادات الموظفين التابعة لحركة فتح بالاستقالة بعدما ثبت فشلهم، مضيفاً أن ما يحدث في الضفة يمثل حالة غضب حقيقي يجب الانصات له بشكل جيد.
وحذر محافظ جنين اللواء ابراهيم رمضان، من بيع الأوهام للمواطنين، وقال: "لا يجب أن نبيع الأوهام للناس، ولا تظنوا أننا كذلك، ليس لدينا دولة، وليس لدينا أدنى مقومات، أنا من يقال عني محافظ أقول لجندي صغير على حاجز زعترة، يا سيدي"، كما قال.
وعد سياسيون ومختصون في الشأن الفلسطيني، أن ما يجري في الضفة "تعبير واضح عن حالة اليأس والقنوط من الواقع المعيشي والسياسي في الضفة"، متوقعين أن تؤول الأوضاع إلى ثورة حقيقية في ظل انعدام الأفق السياسي والاقتصادي، وغياب منظومة الاصلاح والتطوير.
ثورة في الأفق
وقال ساري عرابي الكاتب الفلسطيني، إن الأوضاع الاقتصادية في الضفة غاية في التعقيد، بفعل اتفاقية باريس الاقتصادية التي ربطت تسعيرة السلع بين الفلسطينيين والاسرائيليين، رغم الفارق الكبير في الدخل المادي بينهما.
وأوضح عرابي لـ "الرسالة"، حقيقية الفارق الفاحش في الرواتب والعلاوات بين الوزارات والوظائف، في ظل تدني كبير على مصروفات وزارتي الصحة والتعليم رغم أهميتهما الكبرى، لصالح صرف علاوات كبيرة للقطاع الأمني في السلطة، ما يعني أن الأخيرة تهتم بالجانب العسكري على حساب الجانب المدني.
وربط عرابي بين الوضع الميداني وانعدام الأفق السياسي لدى السلطة، خاصة وأن الحراك لم يعد مطلبيًا صرفًا، وإنما يعبر عن انزعاج جماهيري من غياب الرؤية للمستقبل في الضفة، بعدما تعثرت قيادة السلطة في إمكانية الوصول إلى حلول تنهي الأزمات المتفاقمة هناك.
وشاركه الرأي الدكتور فايز أبو شمالة المختص في الشأن السياسي، الذي قال إن ما يحدث في الضفة ارهاص لثورة حقيقية ستبدأ من داخل البيت الفتحاوي، خاصة في ظل استحواذ وقمع عباس لأي مسار سياسي اصلاحي.
وأوضح أن الوضع الراهن ليس كافيًا للحكم على مستقبل الاوضاع، ولكن مما لا شك فيه ان انهيار السلطة إحدى الارهاصات التي تقلق المجتمع الدولي والعربي على حد سواء، خاصة بعدما فقدت السلطة القدرة على التأثير بعد اندلاع انتفاضة القدس.
يذكر أن صحيفة هآرتس العبرية، قد أقرت وجود عجز حقيقي لدى السلطة في السيطرة والتحكم على مسار الأوضاع الجارية هناك، وهو ما دفع بقيادة الاحتلال لتعزيز قواتها في المناطق الشمالية وتعيين قيادات جديدة في الادارة المدنية، مع تقديم رشاوي اقتصادية لمساعدتها على حل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة.