تنذر الخلافات المتلاحقة داخل صفوف حركة فتح بصيف ساخن على صعيد علاقاتها الداخلية، لاسيما بعد ملاحقة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة قيادات ونواب عن الحركة، ومهاجمة رئاسة السلطة لأحد أعضاء اللجنة المركزية للحركة في مشهد عكس حالة الـانقسام الذريع التي وصلت إليها حركة فتح التي تقود السلطة في الضفة الغربية.
واعتبر مسؤولون في حركة فتح، أن الوضع الراهن هو الأخطر في تاريخ الحركة منذ انشقاق فتح الانتفاضة عام 1983م، خاصة في ظل تعنت رئيس الحركة محمود عباس وتمسكه بسياسة الاقصاء بحق مناوئيه ومعارضيه ومن يشك في ولاءهم لغريمه السياسي محمد دحلان.
وجاءت إضرابات المعلمين في الضفة كالقشة التي قصمت ظهر "فتح"، بعدما اصطف عدد كبير من قياداتها إلى جانبهم، بعيدًا عن سياسة التخوين والتحريض التي تبنتها السلطة في خطابها منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأزمة.
وفي خضم ذلك، قررت السلطة اعتقال بسام زكارنة نقيب الموظفين العمومين، واقتحمت الأجهزة الأمنية منزله، فيما قرر رئيس السلطة محمود عباس استدعاء النائب نجاة أبو بكر وإحالتها إلى النائب العام، الأمر الذي دفعها للاعتصام في مقر المجلس التشريعي برام الله، في خطوات وصفت بالانتقامية لمواقفهما المقتربة من القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان.
وتوجت الخلافات بإعلان رئاسة السلطة أن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي لا يمثل إلا نفسه، في تعقيبها على ترحيبه بالدعم الإيراني لأسر الشهداء، حيث مثل تصريح الرئاسة صدمة لزكي الذي اكتفى بالرد عليه قائلاً: "شرف لي أن أمثل ذاتي في خدمة أبناء شعبي".
وتشتد الخلافات داخل حركة فتح التي خسرت كثيراً من قياداتها وأعضائها ضمن حالة الفصل التي اتخذها رئيس السلطة بحق أنصار دحلان ومن يواليه، في وقت تحتدم فيه المنافسة على بازار خلافة عباس بين قيادات اللجنة المركزية التي ترقب انعقاد مؤتمر المجلس الثوري خلال الأسابيع القليلة القادمة.
وينضم بذلك كل من زكي وزكارنة وأبو بكر لقائمة "المغضوب عليهم" من قبل عباس الذي أشهر سيف الفصل والإقصاء بحق عدد من قيادات وأعضاء حركة فتح، كان أبرزهم النائب محمد دحلان الذي تم فصله في حزيران 2011م، إذ وصلت ذروة الخلاف معه باتهام عباس له بالتورط في اغتيال عرفات، كما طالت قرارات الفصل والإقصاء عدداً من الحرس القديم منهم ياسر عبد ربه وسلام فياض وآخرين.
ولم يخف مسؤولون داخل فتح قلقهم إزاء النيران المتأججة داخل التنظيم الذي يتآكل بلا هوادة، وتنذر بمستقبل قاتم لن يكون لصالح الحركة ما لم يتم تداركها، الأمر الذي يبدو متعثراً في ظل تعنت عباس وتمسكه بمواقفه الرافضة لأي مصالحة ترمم الحالة الفتحاوية.
ويقول عباس زكي: إنّ ما يجري داخل البيت الفلسطيني برمته، لا يعبر عن حالة سوية يمكنها حماية المشروع الوطني الفلسطيني فضلا أن تحمي فتح ذاتها"، محذرا من أن الحركة بدأت تفقد السيطرة بشكل فعلي على مقاليد الأوضاع داخلها، بينما أكدّت نعيمة الشيخ علي النائب عن حركة فتح، أنّ استهداف عناصر الحركة في سياق الخلاف الداخلي، من شأنه أن يهدد التنظيم بشكل فعلي ويؤدي إلى تراجعه.
تفعيل التشريعي
ودفع سلوك عباس العدائي النواب الموالين لخصمه اللدود دحلان لإعادة البحث مجددًا في قضية استئناف تفعيل المجلس التشريعي في غزة، إذ كشف قيادي فتحاوي رفيع المستوى عن أن النواب يدرسون تفعيل المشاركة في جلسات المجلس التشريعي برفقة الكتل البرلمانية الأخرى، وعلى رأسها (التغيير والإصلاح) التابعة لحركة حماس.
وقال القيادي الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لـ "الرسالة "، إنّ هذه الفكرة كانت موجودة سابقا، وأُعيد التفكير بها مجددا بعد رفض الرئيس محمود عباس الردّ على مذكرة أُرسلت إليه لإعادة تفعيل التشريعي، وعقب ملاحقة النائب نجاة أبو بكر.
وأضاف أن اتصالات تجرى مع كتل برلمانية أخرى؛ من أجل استئناف تفعيل المجلس، من باب الحفاظ على شرعيته، وتحصين النواب بشكل حقيقي، على ضوء ما تتعرض له النائب أبو بكر"، مشيراً إلى وجود قرار من عباس بملاحقة شخصيات وقيادات يدّعي أنها تنتمي إلى تيار دحلان، مبينا أن القرار يشمل استدعاء نواب غزة المحسوبين على هذا التيار في حال دخلوا الضفة المحتلة، إضافة إلى منع عدد منهم دخولها في المرحلة المقبلة.
وأكد القيادي الفتحاوي أن فكرة تفعيل المجلس التشريعي لاقت استحسان النواب، وأنها "قد ترى النور في أقرب وقت"، وتابع: "عباس مستمر في ملاحقة قادة التيار الإصلاحي بالحركة، خاصة بعد تورطه في تسليم عدد منهم للاحتلال، كما حصل مع القيادي جمال أبو الليل"، وفق قوله.
وختم قائلاً: "قد نتفاجأ يوما بالإعلان عن جلسة موحدة يحضرها دحلان بصفته نائبا ولديه حصانة دبلوماسية"، وفق تقديره.
ويستبعد مراقبون إمكانية ترميم الخلافات الفتحاوية الداخلية في عهد عباس، الأمر الذي يجعل الأمور معلقة إلى حين رحيل هادئ لرجل ثقيل في ساحة العمل السياسي التنظيمي والوطني.