غزة/ أمينة زيارة
بين ضجة المتخاصمين، وصراع المرأة وطليقها، وبكاء الطفل على انتزاعه من حضن والدته، وكلمة القضاء الأخيرة بالتفريق، يبقى هناك شعاع من أمل لإنهاء هذه الخلافات بأسلوب شرعي توفيقي، بعيداً عن إنهاء أواصر الترابط الأسري والحفاظ على تماسكه.
هناك في غرفة صغيرة بالمحكمة الشرعية تسمى "دائرة الإرشاد الأسري" ينطلق شعاع الإصلاح حيث يدخل تلك الغرفة المتخاصمون ثم يخرجون بتوافق أو تراضٍ على حل، هذه الدائرة كان لها دور متميز في حل العديد من القضايا، "الرسالة نت" توجهت إلى المحاكم الشرعية ونقلت الصورة من داخلها.
علاقات مشبوهة
بكاؤها الشديد لفت الأنظار إليها، فتاة في بداية الثلاثينيات من عمرها أطرقت برأسها خجلاً ممن وقف أمامها يلقى اللوم عليها بسبب موقف حصل بينهما، بدأت تستدر عطفه بعينين دامعتين، جلسا على كرسي الانتظار على باب غرفة دائرة الإرشاد والإصلاح الأسري إما التوصل إلى حل أو انتهاء الحياة الزوجية.
خوفها الشديد من نظراته وغضبه ألزمها الصمت، وبعيداً عن عينيه جلست "الرسالة نت" مع السيدة "ح" لتتعرف على قضيتها وما سبب تلك الخلافات، فتجيب على استحياء: هي قضية تهين كرامته كرجل واعلم جيداً ذلك، فمن شدة حبه لي جلب لي "جوالا وجهاز كمبيوتر"، وتضرب يداً على أخرى ملقية اللوم على نفسها وتقول: لقد استخدمت تلك الوسيلتين استخداما سيئا حيث تعرفت على شاب تعلقت به وأخذت أحدثه يوميا خاصة عندما عرفت أنه صديق الطفولة.
وأضافت: علم زوجي بهذه المكالمات والأحاديث وهددني بالطلاق فرفع قضية طلاق إلا أنني كنت استجديه للعودة لأطفالي حتى لا يحرموا من حناني، لذا تم تحويلنا لدائرة الإرشاد الأسري لحل القضية، وعندما سمعت بخطواته تبحث عنها صمتت وأشاحت بوجهها لتعود نظرات الاستجداء والتوسل منها والغضب والسخط منه.
الحق في الحضانة
ولم يتوقف اليوم عند هذه القضية فقد ضجت المحكمة الشرعية بصرخات نسائية وإطلاق ألفاظ نابية واعتداءات ومن ثم تدخل الشرطة، سارعت "الرسالة نت" لاستعلام الحدث، كان مشهدا يبكي صاحب القلب القاسي، ثلاثة أطفال أعمارهم بين العامين والأربع وقد تشبثوا بأحضان والدتهم والدموع تغرق وجناتهم الطفولية، وأم بكل قواها تحتويهم خوفاً من انتزاعهم، وفي الطرف الآخر بدا رجل يهدد ويتوعد ويحاول انتزاع الأطفال من أمهم، ومحاولات تدخل من الحاضرين وأفراد الشرطة تحاول الفصل بينهم.
توجهت الرسالة للأم والتي استطاعت أن تخلص الأطفال الثلاثة من يد الأب وتجمعهم في حضنها، وهي تصرخ باكية: "أطفالي لن تأخذوهم مني"، وبعد مرور الوقت، هدأت العاصفة واستطاعت "الرسالة" الحديث معها وقالت الأم: بسبب خلافات أسرية اعتبرها تافهة طلقني حتى ينفذ مطالب والديه، وكان الأبناء في حضانتي، وعندما طالبت بالنفقة رفع قضية بإعادة حضانتهم واليوم أتى ليأخذهم مني بالقوة، وأخيرا تحول ملفنا للإرشاد الأسرى لحل الإشكال وأتمنى أن أجد لديهم القلب الرءوف بحال أطفالي.
"الرسالة" آثرت ألا تخرج من المحكمة قبل أن تستكمل خيوط القضية لتلتقي أ. إيناس فروانة مسئولة دائرة الإرشاد الأسرى في المحكمة الشرعية التي عرفت بالدائرة بقولها: الدائرة وجدت لحل القضايا الأسرية وتعمل على حماية الأسر الفلسطينية من الانهيار، وعن كيفية وضع الحلول للقضايا السابقة تقول: نسمع من الطرفين بحيث نخرج سوياً بحل يرضيهم سواء بالتفريق إذا كانت القضية تحتاج التفريق أو العودة إلى دفء الحياة الأسرية، ففي قضية الأطفال قانونياً وشرعياً الحضانة من حق الأم، أما في العلاقات غير الشرعية على الهاتف والكمبيوتر فقد تحدثنا للطرفين بحل الإشكالية والعودة للترابط الأسرى بشرط سحب هذه الأجهزة من الزوجة.
الحفاظ على الأسر
ومن جانبه تحدث مدير دائرة الإرشاد الأسري في المحاكم الشرعية عبد الخالق البحيصي عن نشأة الدائرة فقال: حرصاً من المسئولين للحفاظ على النسيج الاجتماعي للأسرة الفلسطينية تم تأسيس الدائرة في المحاكم الشرعية لحماية الأسرة الفلسطينية من الانهيار والتفكك حيث أوكلت المهمة إلى سماحة الشيخ حسن الجوجو الذي ازدهرت في عهده وأصبح لها الأثر الكبير.
وعن أهداف الدائرة يقول: نسعى للحد من تطور النزاعات الأسرية، والمساهمة في حل المشكلات الاجتماعية، والعمل على مساعدة الأسر بطريقة سرية والعناية بالمقبلين على الزواج والتخفيف من حالات الطلاق من خلال تقديم النصح والإرشاد لهذه الأسر.
ويؤكد على أن للدائرة دور كبير في الحد من الطلاق في المجتمع الفلسطيني، حيث تشكلت الدائرة من مرشد نفسي واجتماعي وجامعي وشرعي لحل القضية بكافة جوانبها بسرية تامة، وعن آلية العمل يشير إلى أن صاحب القضية يتوجه بالدعوة للقاضي في المحكمة وهو بدوره يحولها لقسم الإرشاد والإصلاح الأسري ثم نستدعي الطرفين لحل الخلاف قبل البت في القضية.
وينوه البحيصي إلى أن دائرته استطاعت حل العديد من القضايا منها ما يختص بمشاهدة الأطفال أو الحد من الطلاق أو النفقة بحيث نتحدث للطرفين بطريقة شرعية تلامس حياتهم في جميع القضايا، وفيما يختص بالتفريق يفيد مدير دائرة الإرشاد إلى أن الطلاق قد يكون الأفضل في بعض الحالات والقضايا التي قدمت لنا لكننا نبذل جهدنا لاستعادة الود والتفاهم بين الطرفين قبل أن يصل بنا المطاف للتفريق.
ويتابع: في بداية العمل بالدائرة لمسنا خوف وعدم تقبل الأسر للتوجه للدائرة إلا انه وبعد ست سنوات من التأسيس أصبحت بعض الأسر تلجأ من تلقاء نفسها للدائرة لأنها تجد الحلول المناسبة للطرفين، خاصة أن عملنا يمتاز بالسرية التامة، ويعتبر أن تدني نسبة الطلاق بعد تأسيس الدائرة وزيادة نسبة الزواج نجاحا يحسب للدائرة.