شكلت موجة العمليات الأخيرة ضد الاحتلال ومستوطنيه، نقطة تحول في انتفاضة القدس المشتعلة منذ أكتوبر الماضي، خصوصاً أنها مثلت عقدة لأجهزة المخابرات "الإسرائيلية" في طريقة تنفيذها ونوعيتها، عاكسة إرادة الفلسطينيين وعزمهم على مواصلة التصدي لجرائم الاحتلال بحق البشر والشجر والحجر في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومنذ اشتعال الانتفاضة انطلقت محاولات إخمادها ووأدها بأشكال وطرق مختلفة من خلال قرارات صارمة بحق الفلسطينيين، إلا أنها باءت بالفشل، حتى أصبحت تشكل مصدر قلق حقيقي للجيش (الإسرائيلي) ومستوطنيه، ما أدى لتزايد الأصوات الغاضبة على الحكومة ورئيسها بفرض مزيد من العقوبات.
استمرار العمليات زرع الرعب في نفوس الإسرائيليين على المستويين الشعبي والرسمي، وجعلهم يعيشون ارتباكاً حول كيفية مواجهتها وسط مخاوف أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من انتقال الانتفاضة لمرحلة الهجمات المنظمة.
نتائج عكسية
يقول المختص في الشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر إن العمليات التي ينفذها الفلسطينيون أصبحت تشكل خطورة على الاحتلال بسبب استخدام السلاح، مشيرًا إلى أن الفلسطينيين يحاولون تطوير امكانياتهم من وقت لآخر رغم القبضة الأمنية من السلطة والمخابرات الإسرائيلية عليهم.
وأضاف أبو عامر لـ"الرسالة": "يبدو أن قادة الاحتلال باتوا يدركون جيداً أن كافة الخطوات الأمنية والقمعية التي اتخذوها مسبقاً في المدن الفلسطينية لم تجلب أي نتائج إيجابية في وأد الانتفاضة".
وبيَّن أن خيارات الاحتلال بالتعامل العسكري مع الانتفاضة يثبت فشله كل يوم، وأن النتائج التي يرسمها القادة العسكريين الإسرائيليين تكون عكسية وخطيرة، وتدفع الفلسطينيين إلى تنفيذ عمليات أقوى من السابق بسبب خبرتهم في اختيار مكان تنفيذ العمليات ونوعيتها.
منطق القوة
ويتفق المختص في الشأن (الاسرائيلي) خالد العمايرة مع سابقه، ومضى يقول: "إن الاحتلال فشل في كيفية التعامل مع المواجهات وإدارتها، نظراً لاتباعه منطق القوة الذي لم يعد يجدي نفعاً في ردع الفلسطينيين عن مواصلة انتفاضتهم وتحقيق أهدافهم، بل يزيدهم تمسكاً بالدفاع عن وجودهم ومعتقداتهم".
وأكد العمايرة في حديث لـ"الرسالة" أن الاحتلال فشل في التخطيط الأمني للسيطرة على الضفة، "فقد تفاجأوا بالطاقة التي يمتلكها الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه"، وتابع: "القرارات التي اتخذها مجلس وزراء الاحتلال المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) مؤخرًا في محاولة لوقف انتفاضة القدس، لن تقود حكومة نتنياهو للسيطرة على هذه الانتفاضة التي يشكل استمرارها تهديدا حقيقيا لوجود (إسرائيل)".
ووفق أبو عامر فإن الخيارات التي ستلجأ إليها حكومة الاحتلال من أجل وقف الانتفاضة، تتمثل بالمزيد من فرض العقوبات والإجراءات المشددة، مستدركاً أن تلك الإجراءات ستساهم في تصاعد الانتفاضة وتزايد وتيرتها. وشدد على أن كافة الإجراءات التي تتخذها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، "لن تؤثر على سير الانتفاضة الفلسطينية"، مشيراً إلى أن وقف هذه الانتفاضة يمكن تحقيقه من خلال إعلان إنهاء الاحتلال.
وأكد أبو عامر أن الخيار الوحيد أمام سلطات الاحتلال لتهدئة حالة الغليان في الضفة، هو الخضوع للفدائيين الفلسطينيين، والانسحاب من الضفة ووقف بناء المستوطنات، وتخفيف القيود المشددة على الفلسطينيين من خلال رفع الحواجز.
وبيّن أن سلطات الاحتلال تخشى بشكل كبير انتقال العمليات إلى العمق (الإسرائيلي) بشكل مستمر، رغم أن ذلك جرى في عمليات سابقة نفذت في (تل أبيب) إلا أن سلطات الاحتلال تخشى خروج الأمور عن السيطرة.
وتوقع أن تتواصل الانتفاضة وتتصاعد عمليات الطعن وتشهد الأيام القادمة تطورا نوعيا في استخدام السلاح وعمليات إطلاق النار أمام عمليات القتل بالجملة من قبل قوات الاحتلال والاستخدام المفرط للقوة وتحويل حارات وشوارع الضفة إلى ساحات لإعدام الفلسطينيين.
وشهدت الآونة الاخيرة ارتفاعًا في وتيرة عمليات إطلاق النار، والتي كان آخرها عملية باب العامود في القدس التي نفذها شابان فلسطينيان وأوقعت عدة اصابات في صفوف المستوطنين وسبقها سلسلة عمليات، استشهد فيها ثلاثة فلسطينيين، وقتل "إسرائيلي"، وأصيب 13 آخرون، في ثلاث عمليات، جرت بشكل متتابع في غضون ساعتين، مساء الثلاثاء، بالقدس و(تل أبيب) ويافا.
هذه العمليات أظهرت مدى هشاشة مخابرات الاحتلال في الكشف عن العمليات أو حتى إيقافها، إضافة إلى فشل خيارات الاحتلال الإسرائيلي في مواجهة الانتفاضة.