تدرك (إسرائيل) خطورة الاوضاع الميدانية في قطاع غزة، التي تزداد سخونة مع استمرار الضغط الاقتصادي الخانق عليه.
ومن المفارقة ان (إسرائيل) أصبحت اكثر تقدماً من بعض الأطراف العربية والفلسطينية في رؤيتها للتعامل مع قطاع غزة, حيث باتت تتحدث صراحة أن الوضع القائم فيه يهدد بالانفجار وانه من الضروري التخفيف عنه وتغيير الوضع الحالي خشية من انفجار القطاع في وجهها.
لكن طبيعة الحلول المطروحة لحل أزمة القطاع وعلى رأسها انشاء ميناء على شواطئ غزة يشعل خلافا كبيرا بين المستوى السياسي من جهة والمستوى العسكري والأمني من جهة اخرى.
وفي حين يرى المستوى العسكري أن انشاء ميناء سينعش الاقتصاد في غزة ويديم حالة الهدوء لسنوات, يخشى المستوى السياسي من اعطاء هذا الانجاز الكبير لحماس والمقاومة ما يظهرها عاجزة عن حل الوضع في غزة بالقوة رغم الحروب الثلاثة التي شنتها عليها.
المعلق العسكري في "هآرتس" عاموس هارئيل نشر تقريراً تحدث عن الخلافات بين قيادة الجيش ووزير الدفاع حول سبل تخفيف الضغط عن غزة، وخصوصاً مسألة إنشاء ميناء.
وأشار إلى استئناف المداولات في (إسرائيل) بشأن بلورة الموقف الإسرائيلي النهائي من احتمال إنشاء ميناء في القطاع للمساعدة في تحسين الأوضاع من ناحية ومنع انفجار مواجهة عسكرية مع "حماس" من ناحية أخرى.
وبحسب هارئيل "يجري في هذا الشأن البحث في خمسة خيارات على الأقل تبدأ بإنشاء ميناء على الأرض المصرية في سيناء قرب العريش، مروراً بإنشاء جزيرة صناعية قبالة غزة وصولاً إلى بناء ميناء في غزة نفسها أو الاكتفاء بإنشاء رصيف لاستقبال البضائع من ميناء في قبرص أو ميناء أسدود وإليهما.
وكتب أن قادة الجيش يؤيدون مبدئياً إنشاء ميناء في القطاع، خصوصاً إذا تم ربط ذلك بتعهد "حماس" بهدنة طويلة الأجل. وقال إن وزراء إسرائيليين يؤيدون ذلك، لكن احتمالات تنفيذ الخطوة ضعيفة لأن وزير الدفاع موشي يعلون يعارضها.
وتثير قضية التعامل مع قطاع غزة جدلا وسجالا في (إسرائيل), خاصة في ظل الرغبة الكبيرة لدى كل من (إسرائيل) والمقاومة في غزة بمنع اي تصعيد يمكن أن يجري نتيجة الاوضاع الميدانية التي يمكن ان تخرج عن السيطرة في أي لحظة, والتي شهدت تصعيدا منخفض الوتيرة خلال الايام الماضية من خلال اطلاق بعض الصواريخ على الاحتلال وقصف الاخيرة لمواقع في غزة, لكن تكرار مثل هذه الحوادث وما قد ينتج عنها قد يشعل حربا خارج ارادة الطرفين.
وتبرز هنا مقترحات انشاء ميناء وتحسين الاوضاع في القطاع كأحد الحلول لمنع المواجهة, فقد أدرك الاحتلال أن الميناء سيخفف من "حدة الاحتقان في غزة"، وسيجعل لحماس "مصالح تخاف عليها", وهذا ما أكده وزير استخبارات الاحتلال "إسرائيل كاتس" حيث دعا إلى السماح بإقامة ميناء بحري يخضع لرقابة الاحتلال الأمنية.
وأضاف:" إذا قطعت (إسرائيل) كل علاقاتها مع القطاع، فسيفضي ذلك الى حل جزء كبير من النزاع مع الفلسطينيين".
ويؤكد مؤيدو اقامة الميناء الى عدة ايجابيات وميزات مثل احداث تحسن كبير على الوضع الاقتصادي في غزة؛ لان الميناء سيوفر آلاف فرص العمل، كما انه سيشكل " كنزا" يمكن خسارته بالنسبة لحماس وسيشكل ذريعة وإغراء للحركة من أجل الحفاظ على الامن.
كما ان اقامة الميناء، وفق مؤيدي الفكرة، تستغرق عدة سنوات ستعمل فيها حماس على حفظ الامن حتى لا تتوقف عملية البناء فيما سيمكن هذا المشروع (إسرائيل) من الظهور كمن يقدم المبادرات على الساحة الفلسطينية بعد سنوات طويلة من الانتقادات الحادة والاتهامات بالمسؤولية عن الجمود السياسي.
الدوافع التي تجعل المستوى العسكري وبعض الوزراء في الكيان يشجعون فكرة الميناء تقابلها مخاوف من السياسيين الذين يعارضون الفكرة خشية أن يضر ذلك بمكانة رئيس السلطة محمود عباس، حتى في الضفة الغربية, ويقدم غزة وحركة حماس على انها النموذج المقاوم التي لم تتخلى عن سلاحها وثوابتها واستطاعت ان تنتزع الانجاز بالقوة, وهو ما يضع عباس في موقف حرج ويهدد بزعزعة مكانته.
ومن ناحية أخرى فان معارضة بعض دول الجوار وتحديداً مصر لفكرة انشاء ميناء في غزة يضع المزيد من العراقيل أمامها, خاصة ان وجود ميناء سينهي اخر ورقة ضغط تتمتع بها القاهرة وهي معبر رفح المغلق منذ شهور.
وليس سراً ان القاهرة وتل ابيب تربطهما علاقات قوية وتنسيق غير مسبوق على جميع الأصعدة؛ ما يدفع (إسرائيل) الى التأني وعدم الاقدام على اي خطوة قد تجعلها تخسر حلفاءها.