قائمة الموقع

أم بكر بلال.. الاعتقال في حياتها "رحلة الشتاء والصيف"

2016-03-31T07:41:58+03:00
الزميلة أمل حبيب تحاور الحاجة أم بكر
حاورتها/أمل حبيب

يحتويها نص بكاء وآخر قلق والكثير من الانتظار الا أنها استطاعت أن تخفي دمعتها لتتسابق وخطواتهم على سلالم بيتها مرددة "ارفع راسك يمه".

ولأنها تعلم جيدًا بأن العين تفضح تجتهد النابلسية "رابعة بلال" بأن تبقي مقلتها جافة من أي دمعة، وتزداد حدة نظرتها حينما يضع الجندي الأصفاد حول معصمي ابنها التي سرعان ما تتحول الى ابتسامة.

تعود أدراجها بعد أن وُفّقت في وضع المصحف في جيبه وبعد أن تتأكد بأنها قد باتت وحيدة كما ابنها في الزنزانة تتساقط دمعاتها.

مشهد بات روتينيًا في حياة زيتونة فلسطينية تشبثت بالأرض منذ ولادتها عام 1946 الى أن تجرعت مرارة الفقد عندما غيبت الزنازين أبناءها الخمسة بتناوبهم عليها وتألمت حتى اختنق الحزن في صدرها بانتقال رفيق دربها ومربيها زوجها الشيخ سعيد للرفيق الأعلى ويوم تذوقت حلاوة رجوع عزيز من مجهول حين أبعد "عبادة" الى غزة الى أن رحل ابنها بكر ساجدًا دون قبلة وداع!

يوم زارت الحرية بيتها أبعد "عبادة" ولم تتضمن الصفقة شقيقيه

كلمات "الرسالة" واراها الخجل حينًا في ظل شموخ الحاجة "رابعة"_أم بكر _ وصاحبها الحياء أحيانًا أخرى أمام تضحياتها حيث رافقت زوجها رحلة التأسيس والدعوة والجهاد مرورًا بسنوات المطاردة والاعتقال حتى قالت في بداية حديثها: "تعرفت على خارطة فلسطين من خلال زيارتي للسجون".

في غزة كان لقاؤنا بأم بكر بلال حيث الأم الحنون التي رضيت بعناء السفر للقاء ابنها المبعد عبادة والتي لم تبالغ حين قالت ذلك حيث تنقلت بين المعتقلات "الإسرائيلية "والسجون المركزية علها تظفر بلقاء أو حضن مع أبنائها الخمسة الذين توزعوا من شمال الى جنوب الوطن.

"اجا الجيش يا ستي؟"

الصباح يجعلها أكثر أملًا بأن جميعهم بخير حيث يأخذها إليهم رغم بعد المسافة فترفع سماعة الهاتف فجرًا:" كيفكم فيه اعتقالات اليوم .. اجا الجيش يا ستي؟" تتلاحق أسئلتها تباعًا حتى تسكن الطمأنينة قلبها بأن ليلة أمس مرت بسلام دون اعتقال أحد من أبنائها أو أحفادها غير معاذ وعثمان اللذان لا يزالان يقضيا حكمًا بالمؤبد.

"ما فتحوا عيونهم الا الجيش بالبيت" بدأت الحديث وقاطعها فنجان قهوة وعبادة الذي شاركنا الحوار حيث لخص مسيرة حياة والدته بالقول:" لا أدري من أي الأبواب ستدخل أمي الجنة أهو من باب الأم الصابرة المحتسبة على سجن أبنائها ولا زال منهم اثنان يكابدان سنوات المؤبدات

أم من باب الأم المجاهدة المحتسبة التي اعتقلت أم من باب الزوجة الصالحة؟".

رزقت بفرحتين في حياتي بينهما ثلاث ساعات

احتار عبادة بإجابة تليق بأمه في حين حجز هو وأشقاؤه المساحة الأكبر من السجون لاسيما وأنهم أبناء الشيخ سعيد بلال أحد أبرز مؤسسي الاخوان المسلمين في شمال فلسطين حيث تربوا في بيت إسلامي من الطراز الأول.

مكتبة إسلامية للقراءة تقسم عليهم فترات المطالعة فيها ومرافقة الوالد صلاة الجماعة التي تبدأ بإشارات التكبير وصولًا لمقدرة الواحد منهم التعريف بنفسه بالبدء:" أخوكم في الله فلان بكر بلال".

"غفران بكر عمر معاذ عثمان عبادة" بحسب الترتيب العمري ذكرت والدتهم أسماءهم وابتسمت فلكل واحد منهم مكانة في القلب رغم الغياب.

حين التقت نصفها الآخر

حين سألناها عنه عادت "رابعة" الى عام 1962 حيث حمل بين ثناياه بداية الرباط الذي اشتد وثاقه بزواجها من "سعيد بلال" الذي يكبرها بــ 16عامًا فكان لها رفيق الدرب والأب الحنون الذي رباها ووجهها كما قالت "للرسالة".

زواج تقليدي لابنة قرية طلوزة شمال نابلس من ابن عمها، تسترجع الأيام الأولى لارتباطها به وتأثرها بأمه وتقول:" أخذت الكثير من زوجة عمي الصابرة التي فقدت أبناء لها بعز شبابهم وكانت محتسبة راضية"، وكأن الجهاد والصبر في عائلة بلال هي "جينات وراثية" توارثتها الأجيال.

"رابعة" التي ترعرعت في بيت ابن عمها المجاهد والتي عرفتهم أكثر من والديها أضفت لهجتها النابلسية جوًا خاصًا للحوار:" غفران كانت الفرحة الأولى كان ابوها مش فاضي ما حضر ميلادها، لأنه كان باجتماع في عمان ورجع المسا لقى حالو أب".

لم أجتمع وأبنائي تحت سقف واحد منذ 1993

صرخة الحياة الأولى وشعور الأمومة تجسد في عام الـ 1963 لـ "غفران" التي لها في القلب الكثير من الحب لأنها وحيدتهم بين الذكور ولأنها تعيش فصول معاناة أمها من اعتقال أبنائها:" واحد عندها واثنين بالسجن" تقول أم بكر عن "غفران".

بعد عام 1976واجهت "رابعة" وعائلتها الظلم الإسرائيلي بكافة أشكاله لاسيما وان زوجها الشيخ سعيد كان مسؤول الاخوان المسلمين، وتعود بالذاكرة مع تنهيدة: "كانت (إسرائيل) تتعمد أن تتهم الحركة الإسلامية بأنها عميلة وتضيق عليهم".

منتصف الليل نادى جيش المحتل عبر مكبرات الصوت على "سعيد" في حين حولت الكشافات محيط المنزل الى وضح النهار لإجراء جولة تحقيق ليلية غرضها الايذاء النفسي وفق أم بكر في حين تتابعت فترات التحقيق مع زوجها لأيام وساعات دون أي اعتقال أو تهمة في المخابرات.

"تعب كثير بالتحقيقات دون اعتقال، أول مرة اعتقلوه كانت بعد عملية عسكرية داخل الخط الأخضر للحركة الإسلامية حيث انتشرت الدعوة في الداخل وانتشرت كالنار في الهشيم" تقول "رابعة".

وحيدتي "غفران" تعيش حكايتي من جديد

وصلت إحدى فترات اعتقاله للتحقيق الى 80 يومًا خلال عام 1980ولم تثبت عليه تهمة، أم بكر تذكر جيدًا بأن عبادة الذي يشاركنا الحديث لم يتجاوز عمره وقتها الأربعين يومًا، وتقول:" في كل المراحل العمرية لأبنائي تزامنت مع الاقتحامات والاعتقال والمظاهرات ومنع التجول".

عادة ما تجهز ملابسه بطمأنينة لأنها مهيئة نفسيًا لأي اقتحام أو تحقيق مع زوجها "لأول مرة عندما اعتقل أبو بكر أخذوني معه للتحقيق".

رفيق دربها الذي قضى حياته ما بين التحقيقات الإسرائيلية ودروسه الدينية لشباب المساجد التي كان يصفها المحتل بـ "حصص الإرهاب"، "لاسيما وأنه كان يركز على فئة الشباب لأنهم النواة وفق وصفه" تردد "رابعة" الله يرحمك يا شيخ سعيد وتردف قائلة:" رباني لأربيهم أب حنون حضوره قليل لأنه عمله كثير ويداوم في دائرة الأوقاف وفي المكتبة".

وصية الحجة!

حين يجتمع الصبر والقوة في المرأة فاعلم أنها ستنجب ثوارا لا محالة هي التي اعتادت على قراءة سورة ياسين وتتبعها بالدعاء بعد أول اعتقال لابنها "بكر" حينما جره الجندي للتحقيق من المدرسة.

"أريد أن يتوقف هذا الوجع الذي يأكل قلبي" لسان حال رابعة وهي تتذكر مشاهد أبنائها الذين تتناوب في توديعهم لحظة الاعتقال، يطبطب عليها زوجها مهونًا:" ليش زعلانة هي طريقنا من البداية وبدنا نكملها".

"كنت مشبوحا تعبت فترة طويلة نفسي تحدثني للاعتراف" حال ابنها بكر في فترة من فترات التحقيق وحينما قرر سمع والدته في أذنيه تبكي وتصرخ "شد حيلك" فرد عليها بصوت عالي:"

"تكرمي يمه تكرمي يا حجة"، مما دفع الجندي الى الحضور اليه وسؤاله عن سبب الصراخ فأجاب بفخر ليغيظه: "الحجة بتقلي اصمد".

دورها لم يقتصر على تأسيسها للتنظيم النسوي للحركة الإسلامية في شمال الضفة بل لعبت دورا في الهام أبنائها العزيمة.

لم ير أي جندي دمعتي وحريصة على تزويد ابني المعتقل بالمصحف

لم يكن جنود الاحتلال وحدهم من أخفت دمعتها عنهم بل كان "للرسالة" نصيب وعند سؤالنا عن المرة الأولى التي لم تتمالك نفسها فذرفت الدموع أجابت: "إذا خلت النفس تبكي ولكن لم أبك يومًا أمام جندي، كنت حريصة أضل معاهم لباب الدار الا اعتقال عثمان في 1993 ".

طلبنا أن تحدثنا أكثر عن تلك الليلة فقالت:" أول اعتقال له كان يرتدي جلابية وأراد أن يبدلها الا أنهم اخذوه بقوة وتألمت على مشهده ونسيت أن أعطيه المصحف".

عثمان شعر بحجم الأسى في قلب أمه فأدار وجهه مبتسمًا لها:" يمه ولا يهمك المصحف في قلبي وانت بقلبي يمه ".

قبلة وصورة

لقاء الأحبة قصير مهما طال .. دقائق واحتضنته ولمع فلاش الكاميرا فابتسمت في حضنه هي أول صورة لرابعة مع ابنها عثمان في سجن رامون خلال عام 2008، كان آنذاك يقاسمه المعتقل شقيقيه عبادة ومعاذ الا أن الجندي لم يسمح لها بالتقاط صورة معهم فما كان من الاثنين الا أن يحتضناها عنوة في صورة عالقة في ذهن الثلاثة المعتقلين مع حضن واحد لأمهم الصابرة.

ابتسم عبادة وعلق على المشهد:" طلبنا نتصور معاها أو نسلم عليها فرفض فـ"دفشناه وحضنا امي".

عبادة الذي جمعته زنازين المحتل مع عثمان ومعاذ في سجن عسقلان ابان عام 2002 وكذلك في رمون 2007.

بعد ثماني سنوات على اعتقال معاذ وعثمان بسجن "هاداريم" تمت الموافقة لها على تصريح لزيارة عثمان وزوجها تصريح لمعاذ "يومها الشيخ سعيد تصور مع الاثنين ومنعت أنا من ذلك"،

وتضيف:" بعد الصورة بانت علامات المرض على أبو بكر حيث توفي بعد شهرين من الزيارة والتي أكدت تقارير طبية بأن البكتريا ضعيفة جدا في الرئة الا أنها قويت فجأة حيث ترجح أن العدو هو السبب الرئيس في تخصيبها لإعدام الشيخ".

مؤلم جدًا ألا تجد من تخبره بأنك تتألم الا أن "رابعة "امرأة تتقن الاستسلام لقضاء الله وقدره كما تتقن السكينة مرافقتها لاسيما خلال وفاة زوجها في حين يقبع أبناؤه الخمسة في السجون ولم يتمكن أحدهم من القاء نظرة وداع لوالدهم أو التخفيف عن والدتهم مصابها.

"يا أم بكر احنا هناك جمعتنا تحت العرش" كانت ترن كلمات زوجها وتؤنسها في ليلها وحيدة، قبل وفاة الشيخ سعيد بسنوات كتب وصيته وطلب منها ان تحتفظ بها الا أن "رابعة" غضبت منه مرددة:" بديش وصية .. يكفي غياب".

ليست مجرد وصية وتوقيع فقد كانت بمثابة قصيدة فبعد مرور شهور على رحيل "سعيد" تفاجأت "رابعة" بأن الوصية عبارة عن قصيدة لأبنائه ولها يوصيهم خلالها بالبقاء على العهد والوعد.

سار الثوار على درب أبيهم فبعد عشر سنوات من اعتقال عبادة اعتقلوا زوجته نيلي الصفدي وكذلك شقيقه عمر وابن بكر اعتقلوه ليلة العيد وبعد أسبوعين اعتقلوا "رابعة" وحفيدها سعيد ابن الأسير بكر.

تربيت على يد زوجي الشيخ سعيد الذي يكبرني بـ 16 عاما ووصيته قصيدة

2009 شهد انتهاك بشع للاحتلال باعتقاله الستينية أم بكر حيث استمر لمدة 48 ساعة " للضغط على أبنائي من خلالي" استغلوا ارهاقي وصرختي: "بدي أموت" ليسمعوها لأبنائي.

كان يفرض السؤال نفسه خلال حديثها وبدون مقدمات: "وماذا عن آخر مرة اجتمعت العائلة تحت سقف واحد"؟" سبقها عبادة بالإجابة مبتسمًا:" من زماااااان" فأكملت مستحضرة التاريخ:" كان ذلك في شهر ابريل من عام 1993 حيث بدأت الاعتقالات التي لم يعودوا منها بعد في عام 1995

والجدير ذكره أنه وقبل الافراج عن أي واحد من أبناء "رابعة" كان يتعمد أن يبقي اثنين من أبنائها الخمسة في المعتقل لحرمانهم من "اللمة". 

اجتياح نابلس

يلاحقها ذاك المساء حين كان الشيخ سعيد وابنه عمر في بيت عزاء لأحد الشهداء في القرية على أطراف نابلس فأغلقت شوارع المدينة تمهيدًا للاجتياح.

تآمرت على عائلة بلال السلطة كما الاحتلال حيث بدأت بملاحقة عبادة وهو طالب بالصف التاسع وبالتزامن مع اجتياح 2002 طلبت السلطة من شقيقه الأكبر بكر أن يوقع على كفالة بإرجاع عبادة للمعتقل بعد انتهاء الاجتياح فتحنا عين الدهشة من ممارسات السلطة التي كانت تزيد من وجع ام بكر على حجم الا أن حديث الحاجة النابلسية عاد ليبهجنا فقلنا لها:" يعني عبادة "تخصص سلطة" لتناوبه على مراكزها ومعتقلاتها.

اعتقلوا عبادة في حين كان بكر في البلد بسلاحه مع الثوار الذين قاموا بزرع عبوات ناسفة واعتقل بعدها بعامين بعد مطاردته.

فرحة "رابعة"

"إذا قلتلك ما فرحتش بتصدقي؟" لم يكن هناك مجال لعدم تصديقك أيتها الثائرة بأبنائك، كان ردها على سؤال "الرسالة" عن "الفرحة التي سكنت قلبها ".

"زوجتهم بالانتفاضة خلال منع التجول والقتل" تذكر جيدًا بأنه وخلال خطبة عمر منعت الزغاريد بعد أن ردد زوجها: "راح عبد الله عزام"، تقول:" رحنا ع السكت لبسنا العروس الذهب وروحنا".

فرحتها بعبادة لم تكن أفضل بهجة حيث استشهد جمال منصور وجمال سليم عام 2001 بالتزامن مع مراسم خطبته.

تنظر الى عبادة بسكينة وهو أمام عينها هنا في غزة: "عبادة تزوج أسبوعين ثم اعتقل 4 شهور عند السلطة الفلسطينية وبعدها سلموه للاحتلال الإسرائيلي".

الجنة بدها رجال

صفقات الأيادي منتظمة الإيقاع امتزجت مع اهازيج الفرح حيث سيزور الفرح بيت ام بكر وسيفرج عن عبادة وعثمان ومعاذ.

تعيد تمرير شريط ذكرياتها إلى أن وصلت الى لحظة وجدت نفسها معلقة بين الصبر والاستسلام لقضاء الله وقدره، وتقول: "سكنت الفرحة بيتي لأن ثلاثة من أبنائي سيتم الافراج عنهم في صفقة وفاء الأحرار توجهت الى معبر الكرامة وزوجة عبادة للقائهم الا أنه أبعد وبقي عثمان ومعاذ في الأسر".

زغرودة واحدة أطلقتها يوم عاد "بكر"

"يمه انا ومعاذ اصبري واحتسبي وسلامة عبادة بالدنيا كلها " وصلها صوت عثمان عبر الهاتف لتعود الى نابلس بعدها فنصف القلب بقي هناك حيث يقبع ابنيها في السجون.

تفاجأت من أحفادها وهم يحاولون إزالة الزينة وإيقاف الأناشيد رددت عليهم ليعلو صوتها:" ما تطفوه يا ستي خليها تقول يا ليل ".

من القلب ألم تطلق "رابعة" زغرودة؟ ردت بالإيجاب: "زغرودة حزينة في عام 2007 يوم طلع بكر من السجن كان الشيخ سعيد متوفيا" لم تذكر التاريخ تحديدًا الا أنها تذكر جيدًا أن ابنها عمر ما فتىء يستحضر كلمة والده له حين كان عمره خمس سنوات حيث اصطحبته والدته أثناء التحقيق معها فخاف من العتمة بالحمام فصرخ والده من الغرفة المجاورة للتحقيق:" الفرج قريب والجنة بدها رجال يسمعها" يؤكد عمر الذي اتم 44 عامًا أن صرخة والده هي من تثبته الى الآن وتزيده عزيمة.

تجاعيد وجهها كادت أن تختفي بعد ابتسامة مطولة حين قالت: "رزقت بفرحتين في حياتي بينهما ثلاث ساعات حينما أفرج عن بكر في عام 2013 ليلًا وبعدها رزقت بحفيدي جمال الابن البكر لعبادة فجرًا.

لا يخلو لقاء من اختلاط الدموع بالعناق وكان أكثرها تعلقًا بذاكرة "رابعة" هو مشهد لقاء ابنها عثمان بابن أخيه سعيد بكر في السجن لأول مرة، وتقول:" بعد رحلة "البوسطة" المرهقة تفاجأ سعيد بعمه عثمان يتوضأ في نفس المعتقل الذي وصل اليه اقترب منه الا أنه لم يعرفه فقال له سعيد:" الأخ عثمان بلال مش انت ابن رابعة؟ "، حاول استفزازه مجددًا بالحديث عن أصحاب المؤبدات الا أن عثمان لم يكترث لحديثه وطلب منه أن يتركه وشأنه، "مش عارفني" رددها سعيد وقال:" أنا سعيد بكر بلال" ولم يكمل حديثه حتى انقض عليه عمه واحتضنه بشدة ليعلو صوته ابن الغالي بكر.

هو ذاك الطفل ابن الثلاث الأعوام الذي تركته يلهو يلتقيه اليوم ثائرًا ويقاسمه جدار المعتقل.  

ظل الحديث عالقًا في حلقه من هدية القدر وحضن سعيد حتى فرقهم السجان.

غزة

تهمة يعاقب عليها القانون هي صحيفة "الرسالة" في الضفة والتي كانت ضيفا دائما في بيت عائلة بلال وفق أم بكر والتي وصلنا واياها الى محطة الابعاد الى غزة وزيارتها لعبادة هنا وقالت عن اهلها: "أهل غزة بضحو بدمهم لأجل أبنائنا في الضفة".

قبل وفاة ابنها "بكر" دون وداعه كانت أم بكر في جولة لشهداء وحدة الانفاق السبعة "الناس هون علموني الدين والتضحية" ترددها، وتقول كنت أول من ارتديت الجلباب الشرعي في شمال الضفة حيث الهمتني لذلك سيدة من غزة ".

قطعنا الحديث لدقيقة حيث أرسلت لهاتف "الرسالة" نص قصيدة كتبتها لغزة ومنها:" غزة كوردة فواحة أشواكها قوية تدافع عن حياتها وتمتد قوتها من رملها حماك الله أيتها الأرض الطيبة ".

كل ذلك الفقد الذي يحدث فراغًا ضخمًا في قلبها لم يفقدها القدرة على الصبر أو التراجع عن مسيرتها النضالية أهدتنا ابتسامة وتأملت في نهاية حديثها بكتائب القسام خيرًا "أنتظر الصندوق الأسود وصفقة تبادل جديدة لنتنفس الحرية من خلالها".

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00