تعقد السلطة الفلسطينية بين الحين والآخر لقاءات أمنية مع الاحتلال الإسرائيلي، شعارها "تحديد العلاقة معه وإعادة النظر في الاتفاقيات الموقعة"، وحقيقتها بحث سبل مواجهة انتفاضة القدس المشتعلة منذ مطلع أكتوبر الماضي، وذلك عبر تعزيز التعاون الأمني بينهما.
وكان آخر تلك اللقاءات، اجتماع ضم قادة الأجهزة الأمنية في الجانبين في مدينة القدس المحتلة، حيث تسلم ممثلو السلطة الفلسطينية رد حكومة الاحتلال الإسرائيلي على مطالبها بوقف اجتياح المدن في الضفة الغربية.
المفاوضات الأمنية وهي فعلياً الجانب الوحيد الناجح في كل المفاوضات التي خاضتها السلطة مع الاحتلال، يبدو أنها تتعمق وتتكثف بفعل الوضع الأمني في الضفة والانتفاضة التي تدور رحاها هناك، والتي تدفع الجانبين لمزيد من التنسيق وتبادل المعلومات.
العناوين العريضة التي تضعها السلطة لتبرر بها هذه اللقاءات تتنافى مع الإجراءات التي تتخذها على الأرض، فهي تتحدث عن إعادة النظر في الاتفاقيات الموقعة وتحديد علاقتها بالاحتلال، في حين تزيد من مستوى التعاون خاصة في ظل الانتفاضة، وهذا ما تتحدث به المستويات العسكرية والأمنية الإسرائيلية أن أمن السلطة الفلسطينية يزود الجيش والمخابرات الإسرائيلية بالمعلومات الاستخبارية اللازمة لمواجهة عمليات المقاومة وخلاياها.
كما تؤكد أن نقل المعلومات الاستخبارية يعد أهم أنماط التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية؛ إلى جانب الكثير من صور التعاون الأمني التي تتحفظ عليها. وتتغاضى السلطة عن كل الإجراءات التي اتخذتها سلطات الاحتلال على الأرض والتي ضربت بكل الاتفاقيات عرض الحائط وأنهت بقوة الأمر الواقع أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية.
المستوى القيادي الأمني الذي حضر اللقاء والذي ضم رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج ورئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية حسين الشيخ ورئيس جهاز الأمن الوقائي اللواء زياد هب الريح، يعكس عمق العلاقة بين الجانبين خاصة أن اللواء فرج تباهى بأن جهازه أحبط حوالي 200 عملية فدائية ضد الاحتلال.
وتعتبر السلطة أن التنسيق الأمني هو السبب الأبرز وقد يكون الوحيد الذي يدفع إسرائيل للالتفات إليها وطلب المساعدة منها في إنهاء موجة العمليات الحالية، فهو كما وصفه مسؤول مخابرات السلطة، بجسر يمكن أن يبقى بين الطرفين إلى أن تتهيأ الظروف المناسبة بين السياسيين نحو العودة إلى مفاوضات جادة.
إسرائيل قدمت جملة من المطالب مقابل الموافقة على بدء مرحلة جديدة في العلاقات بين الجانبين، أبرزها "تكثيف التعاون الأمني بين الجانبين، وتكثيف اللقاءات الأمنية والسياسية، إلى جانب العمل على وقف التحريض الاعلامي وأن تنصب السلطة حواجز عسكرية مكثفة بين مدن الضفة والقدس لمراقبة السيارات وحركة تنقل الفلسطينيين وتفتيشهم، منعاً لتنفيذ أي عمليات ضد أهداف إسرائيلية".
المطالب الإسرائيلية تعكس إدراك الاحتلال لمدى أهمية دور السلطة في وقف الانتفاضة الحالية، والتي تحولت تدريجياً لذراع أمنية لإسرائيل من خلال التنسيق الأمني المستمر والذي وصلت فيه السلطة لمراحل أكثر مما هو مطلوب منها وأكثر مما توقعته إسرائيل.
ولا يمكن تجاهل تخبط السلطة التي فقدت بوصلتها في كل النواحي خاصة على السياسي إلا في المستوى الأمني فهو يمثل مصلحة لها بالدرجة الأولى خاصة أنها باتت تدرك أنها في سفينة واحدة مع الاحتلال ودخول إسرائيل في دوامة من العمليات يدفع السلطة نحو مصير مجهول قد ينتهي بانهيارها لذا تجد إن التنسيق الأمني والعمل بقوة على المستوى الأمني هو السبيل للإفلات من هذا المصير.
ويمكن القول إن إقدام السلطة على تحديد العلاقة مع إسرائيل مستبعد خاصة أنها ما زالت تضع آمال على الجهود الدولية للوصول لوقف الانتهاكات الاسرائيلية. ومن المؤكد أن السلطة لن تحسم موقفها من ملف العلاقة مع الاحتلال وستبقى تناور في هذا الملف في ظل الجمود السياسي وتتحرك بحذر شديد خشية ان تدفع تكلفة عالية بالمواجهة مع إسرائيل وأمريكا.