أرهق رئيس السلطة محمود عباس القانون الفلسطيني الاساس الذي وضع ليكون أحد ركائز الدولة الفلسطينية المنشودة، وكسر حرمته واستنزف نصوصه في تكريس سلطة الرئيس.
سلسلة طويلة من الاجراءات التي اتخذها عباس مستندا إلى القانون الاساس، كان آخرها اصدار مرسوم رئاسي بتشكيل المحكمة الدستورية، التي تعتبر أخطر المحاكم الفلسطينية وأهمها، باعتبار أنها ستراقب أداء وعمل السلطة والمجلس التشريعي المنتخب، وأداء وتطبيق القوانين ومدى دستوريتها.
القرار المفاجئ بتشكيل المحكمة الدستورية لاقى امتعاضا شديدا من الحركات السياسية والنخب، كونه حمل العديد من المخالفات لمواد القانون، وأبرزها المادة (5) من قانون المحكمة الدستورية رقم 3 لسنة 2006، التي تنص الفقرة الأولى منها على أنه يتم التشكيل الأول للمحكمة بتعيين رئيس المحكمة وقضاتها بقرار من رئيس السلطة بالتشاور مع مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل، بحسب حقوقيين.
وتنص الفقرة الثانية على أن يعين رئيس وقضاة المحكمة بقرار من رئيس السلطة بناء على تنسيب من الجمعية العامة للمحكمة الدستورية، وهو ما يتعارض مع الاجراءات التي اتخذها ابو مازن، حيث لم يتم التنسيب من الجمعية العمومية أو التشاور مع مجلس القضاء ووزير العدل.
وتكمن اهمية المحكمة الدستورية أنها تعتبر الحاكم القانوني الفعلي في بلاد الديمقراطية في حال غياب الرئيس لأي سبب كان، وهي صاحبة اليد الطولى في إرساء العدالة.
ومن الواضح أن التشكيل يحمل مضمونا سياسيا أبعد من القانوني الذي لا يلقي له عباس بالاً، خاصة ان هذا الإجراء محاولة للالتفاف على المجلس التشريعي المعطل بقرار رئاسي منذ سنوات، والهدف منها ضمان عدم انتقال رئاسة السلطة في حال غياب ابو مازن إلى رئاسة التشريعي ممثلة بعزيز دويك أحد قيادات حركة حماس في الضفة.
في المقابل، فإن المحكمة تشكل مفراً للرئيس عباس من الضغوط التي مورست عليه في الاشهر الاخيرة لتعيين نائب له، وهو ما يرفضه الرجل بشدة وزاد من الخلافات المشتعلة بين قيادات السلطة وفتح المتنافسة على منصب النائب.
حسام الدجني الكاتب والمحلل السياسي اعتبر أن تعيين قضاة المحكمة الدستورية وهم ينتمون للون سياسي بعينه، إضافة إلى الهيمنة القائمة على النظام السياسي الفلسطيني استعداداً لعدة سيناريوهات، أولها وفاة أو استقالة الرئيس عباس، وهنا ستتقدم المحكمة الدستورية بقرار عدم دستورية عزيز دويك وبذلك يتولى رئيس المحكمة رئاسة السلطة.
وأوضح الدجني على صفحته عبر الفيس بوك أن السيناريو الثاني هو في حال جرت انتخابات وفازت حماس بالمجلس الوطني وقررت اتخاذ قرار سياسي ما، وبذلك تطعن المحكمة الدستورية بذلك، في حين أن السيناريو الثالث منح بيئة قانونية سليمة لقرارات ومراسيم الرئيس، بما ينسجم والوضع القانوني لفلسطين في المحافل الدولية.
ووفقاً للقانون فإن صلاحيات المحكمة الدستورية تختص وفق المادة (24) من الباب الثاني، الفصل الأول؛ بالبت في الطعن بفقدان رئيس السلطة الوطنية الأهلية القانونية وفقاً لأحكام البند (1/ج) من المادة (37) من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003م، ويعتبر قرارها نافذاً من تاريخ مصادقة التشريعي عليه بأغلبية ثلثي عدد أعضائه، لكن السؤال المطروح هو كيف سيصادق التشريعي على قرارات المحكمة وهو مغيب بقرار من رئيس السلطة.
حركة حماس من جانبها رفضت قرار تشكيل المحكمة الدستورية، معتبرة أنه إجراء غير قانوني ويعكس حالة التفرد والتنكر للشراكة الوطنية؛ "لأن استمرار عباس في رئاسة السلطة كان بالتوافق".
وقالت في بيان صحفي إن أي قرارات عليا مثل تشكيل المحكمة الدستورية يجب أن يعتمد على التوافق إلى حين إجراء الانتخابات، هذا عدا عن كون معظم أعضاء المحكمة ينتمون لحركة فتح، وهو ما يجعلها محكمة حزبية، ويناقض القانون الذي ينص على ضرورة عدم انتماء أعضاء المحكمة لأي أحزاب.