قائد الطوفان قائد الطوفان

مكتب نابلس

شباب الضفة يهاجرون هرباً من الاعتقال والتعذيب

الضفة– الرسالة نت 

لملم حاجياته وقرر السفر، فقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت، ولم يعد له متسع في أرضه ووطنه وبيته، فُصِل من وظيفته، حُرِم من العمل بأي وظيفة حكومية، ومُنِع من دخول المسجد الذي ترعرع فيه منذ صغره، عيون المندوبين تلاحقه في كل مكان، قدماه لم تعد قادرة على السير باتجاه مقر المخابرات الذي مل رؤيته في جلسات التحقيق والشبح المتواصل.

ذلك كله وأكثر، هو ما دفع الشاب "أبو مجاهد" للتفكير بالسفر إلى الخارج، ليكمل دراسته العليا ويعمل ويكوِن نفسه ويؤسس لحياته بعد أن تحطمت أحلامه في بلده ووطنه في الضفة الغربية.. المكلومة بأبنائها وشبابها.

جمع "أبو مجاهد" حاجياته، ودَّع أمه وعائلته، وألقى نظرة أخيرة على الحي ومسجده وشوارعه وطرقاته، كأنه يقول لها "سأعود لك يوما وفي يدي معول أقوى لأبني مستقبلي على ثراك".

ففي العامين الأخيرين شهدت الضفة لحظات وداع كثيرة لأبنائها وشبابها، غادروها إلى بلاد أخرى، يكملون فيها تعليمهم وأعمالهم ودراساتهم العليا، بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، في ظل حكم الجنرال الأمريكي دايتون في الضفة المحتلة.

حال أبو مجاهد كان كحال العشرات من الشبان الذين أغلقت في وجوههم كل الأبواب، ولم تعد هناك سوى نافذة واحدة أمامهم ليعملوا من خلالها على تطوير ذاتهم وتكوين أنفسهم ومستقبلهم، فمنهم من سافر إلى دول آسيوية وأخرى أوروبية وغيرها، وبدؤوا مشوار بناء الذات، وحاملين بقلوبهم أمل العودة إلى الوطن بحال أفضل.

ملاحقات واعتقالات

الشاب "محمد.ج" 26 عاما وصف للـ"الرسالة" حاله بعد التخرج من الجامعة، ولم يجد أمامه أي خيار سوى أن يسافر إلى الخارج لإكمال دراسته العليا والعمل هناك لتكوين نفسه، ويقول: "بعد تخرجي من الجامعة عملت في إحدى المؤسسات الخيرية في مدينتي، وفي مجال تخصصي، لكن سرعان ما تم إغلاق الجمعية من قبل سلطة فتح، وانتهى بي الأمر وباقي زملائي إلى صفوف العاطلين عن العمل وبلا مصدر رزق".

ويضيف:"بعد أن حرمت من عملي اعتقلت لدى الاحتلال لبضعة شهور، وفور الإفراج عني اعتقلت لدى جهاز مخابرات فتح، وتعرضت خلال ذلك الاعتقال للتعذيب الشديد والشبح لأيام متواصلة، وبعد الإفراج عني بعدة أسابيع أعاد جهاز الوقائي اعتقالي مرة أخرى، وبدأت جولة تعذيب ثانية".

ويتابع:"بعد المعاناة التي رأيتها من أبناء جلدتي والتي فاقت ما عانيته لدى الاحتلال بعشرات المرات، قررت أن أسافر إلى الخارج لأكمل دراستي في إحدى الجامعات العربية، وأعمل في مجال تخصصي بعد أن حرمت منه في وطني، ولكني بكل تأكيد سأعود فور انتهائي من دراستي إلى بلدي مرة أخرى".

وأصبح من الملاحظ في الفترة الأخيرة تزايد هجرة الشباب من الضفة الغربية، حيث لم يعد هناك ما يستوعب الحجم الهائل من الخريجين والشبان الذين حرموا من فرص التوظيف بسبب انتمائهم وميولهم لحركة حماس.

ويرى مراقبون أن الواقع المرير الذين يخيم على الضفة، والملاحقات المتكررة لأبناء حماس، ومنعهم من العمل في الوظائف الحكومية وقطع رواتبهم والتضييق عليهم وعلى عائلاتهم بشتى السبل، كلها عوامل من شأنها أن تدفع الشاب في مقتبل عمره إلى السفر إلى الخارج والبحث عن عمل يعتاش منه ويكون نفسه من خلال العمل فيه وإكمال دراساته العليا، بعد أن أصبحت جامعات الضفة مرتعا لمندوبي المخابرات وأجهزة حركة فتح.

أرض الرباط

وبينما يرى الكثيرون أن فرصة الشباب في السفر وإكمال دراستهم العليا في الخارج أمر في الاتجاه الصحيح، يرى آخرون أن هجرة الشباب وسفرهم إلى الخارج هو بمثابة "ترانسفير طوعي" للشباب، وهو ما يسعى إليه الاحتلال بشكل واضح.

المواطن عبد الله مفلح "50 عاما" قال لـ"الرسالة":أبنائي الثلاثة تخرجوا من الجامعة ومنهم من اعتقل لدى الاحتلال ومنهم لدى فتح، لكني لم أفكر يوما بأن يسافر منهم أحد إلى الخارج هربا من هذا الواقع، فنحن في أرض الرباط، وليس من المعقول أن يترك شبابنا وطنهم ويسافروا إلى بلاد أخرى، علينا أن نصبر ونحتسب لعل الله يفرجها".

وتشاركه الرأي الطالبة الجامعية "ابتهال" حيث قالت لـ"الرسالة":"اعتبر سفر الشباب من الضفة هروبا من الواقع، وهذا أمر مزعج حقا، فنحن في محنة وابتلاء، وعلينا أن نصبر ونتحمل، لا أن تنرك الساحة فارغة لتلاميذ دايتون يسرحون ويمرحون كما يحلو لهم".

من جانبه قال المواطن "أبو محمود" "55 عاما" لـ"الرسالة:"أعتقد أنه لا بأس في سفر الشاب إلى الخارج لتطوير نفسه وقدراته ويبني مستقبله، فهنا بالضفة لا مستقبل لأبنائنا في ظل حكومة عنصرية تأتمر لدايتون، والسنوات تمضي من أعمار أبنائنا وشبابنا وهم لا يحققون أي شيء لأنفسهم، فلا ضير بسفرهم ما داموا سيعودون حاملين معهم شهادات عليا وقدرات ومهارات لا يستطيعون الحصول على ربعها هنا بالضفة".

البث المباشر