احتدّ الخلاف بين فاطمة وزوجها، حتى ألقى عليها يمين الطلاق، فأمست في بيت أهلها، وهُدم بذلك "عُش الزوجية" الذي لطالما جمعهما على الحب، وما إن هدأت النار المشتعلة بين الطرفين؛ توجه الزوج إلى أحد مخاتير حيّه؛ طالبًا منه "أن يُعيد المياه لمجاريها".
قبِل المختار دخوله في القضية، والتقى الزوجة التي شرحت له الخلاف بالتفصيل، "لكنّه زاد من تعقيد الأمر عِوضًا عن حلّه، وتسبب في الانفصال بشكلٍ نهائي بين الطرفين" وفق أحد أفراد عائلة الزوج.
ومع انتهاء عدّة الزوجة، تقدّم المختار لبيت العائلة طالبًا أن ينكحها لنفسه على أن تكون ضرة لزوجته الأولى، وتمّ الأمر بالقبول، وفي مقابلة مع أحد وجهاء شمال قطاع غزة، أكّد لـ"الرسالة" أنّ ذات المختار أعاد الكرّة مع (3 نساء)، وزوّجهن لنفسه، ما تسبب بطلاقه من زوجته الأولى وهي ابنة عمّه.
الأمر لم يقتصر على هذا المختار بحد ذاته فحسب؛ بل وصلت "الرسالة" الكثير من الشكاوى عن سوء إدارة بعض المخاتير للمهام التي أوكلتها لهم "العادات والتقاليد"، ولم يعود كثيرٌ منهم يستخدم المصطلح الدارج والذي يقول إنّ "الحنكة هي أصل المخترة".
ويُعاني سكان قطاع غزة ممن يرتدون "عباءة المخترة" وهم غير مؤهلين للاطلاع على "أسرار البيوت"، وحلّ الخلافات بين المتخاصمين، ومنهم من لا يملك المقومات الأساسية ليصبح مختارًا، ويعتمد على "الواسطة" لوصوله إلى عباءتها، وحكايات كثيرة تناولها التحقيق، ليضع النقاط على الحروف في مدى أهلية من يمسك بزمام "المخترة"، ويُعالج الإشكاليات المترتبة عن ذلك.
ومن القصص التي وصلت لها "الرسالة"، في حي الشجاعية شرق غزة، زرنا أحد مخاتير الحي والذي قارب على الثمانين من عمره، فاستقبلنا، وجلسنا برفقة مجموعة من المخاتير يتبادلون أطراف الحديث أمام "بكارج" القهوة، وكانون النار.
وأثناء حديث "الرسالة" مع المختار أبو أحمد -اسم مستعار-، حضر له شابٌ مقبلٌ على الزواج، يطلب منه "مضبطة" -وهي سجل تعريفي بهوية الزوجين تطلبه المحكمة مختومًا من مختار العائلة-.
الحكم المحلي: زيادة المخاتير ناجمة عن تدخل متنفذين يتحايلون على النظام
الغريب في الأمر أنّ المختار لا يملك من معرفة "المضبطة" إلّا أنّها ورقة تستوجب ختمًا على طرفها السفلي؛ لتوافق المحكمة على زواجه، لكنّه لا يستطيع القراءة والكتابة، وحفيده يدير "صبّ القهوة، وملأ المضابط لكل من قصد جده".
رشاوى
توجّهت "الرسالة" لخانيونس، والتقت بمختار كبرى العائلات في المدينة، وأخبرنا أنّ خلافًا نشب بين عائلتين، وسجنت الشرطة الفلسطينية أبناء طرفي النزاع، واحتكما عند أحد المخاتير ليحصلوا على "ورقة صلح" بموجبها يخرج أبناؤهم من السجن، "لكنّه لم يحكم بما أنزل الله".
وتبيّن لاحقًا أنّه تلقّى رشوة، أجبرته على تغيير الحُكم لصالح الطرف الراشي، غير "الرزقة" التي حصل عليها من طرفي النزاع معًا -وهي مال يطلبه مقابل أتعابه في القضية، قد تصل لآلاف الدنانير الأردنية-.
وأثناء عمليات التقصّي التي أجراها معدّ التحقيق، التقى بالمختار بدر سكيك (80 عامًا)، والذي أكد أنّ بعض المخاتير "يتم شراؤهم بالمال، ويشهدون زورًا على بعض القضايا جشعًا، ويحسبونها تجارةً دون تحمّل المسؤولية"، مؤكدًا أنّ "المختار يجب أن يتحلّى بالعدل والعقلانية.. ويُمسك العصا من النصف"، وفق تعبيره.
يُشترون بالمال
بدوره، قال المختار "ذياب رجب (77عامًا)، لـ"الرسالة": "سعيت للمخترة رغبة مني في أن يكون لي موطئ قدم في حلّ الخلافات التي كانت تملأ المدينة، ونجحت في أن يذكرني أبناء منطقتي بالخير".
ويوضح المختار ذياب الحاصل على المخترة عام (1997) أنّ تدخله في حل النزاعات يأتي بعدما يطلب منه أحد المتخاصمين ذلك، ويسخّر جهده ويذهب لبيت الطرف الآخر، ويتحدث ما استطاع من كلامٍ لتخفيف حدّة الشحناء بين الطرفين، ويتركهم ثلاثة أيام حتّى تعود المياه لمجاريها، ثم يضع حلًا عادلًا بين الطرفين وفق ما جرى عليه العرف، ويصيغ ورقة "صلحٍ" ويحيلها إلى الشرطة إن كان الطرف الآخر مسجونًا، وبمقتضاها يتم الإفراج عنه.
المختار سكيك: بعض المخاتير يتم شراؤهم بالمال ويشهدون زورًا
ويتابع: أعمل ذلك دون أن أتقاضى أي مبلغ مالي مقابل صلحي بين المتخاصمين، أو تقريب وجهات النظر، فإنّما أجري على الله..".
ويشير رجب إلى أنّ معظم الخلافات التي يتدخّل بها يكون سببها الوضع الاقتصادي الصعب، موضحاً أنّه لا يتدخّل في قضايا الدم، والشرف، ويعزوها للمحاكم الشرعية.
وتثار المشاكل في قطاع غزة تحت أسباب متعددة، لكن معظمها تحل في مجالس المخاتير على وجه الخصوص، دون اللجوء إلى الشرطة، سيما في المجتمعات القبلية والعشائرية، ونظّمت رابطة علماء فلسطين "لجان إصلاح" للمساعدة في حل الخلافات، وتبسيطها، لا سيما بعدما اتسعت رقعته، وازدادت تعقيدات الحياة.
برستيج ووراثة
وانتقلت "الرسالة" لتستمع لرفيق أبو الجبين، وهو أحد أهل لجان الإصلاح، والذي يعمل مختارًا لعائلته، مؤكدًا على كلام من سبقوه من المخاتير بأنّ كثيرًا ممن يحصلون على المخترة "غير مؤهلين ثقافيًا، وعلميًا، ودينًا، فيحكمون بغير ما أنزل الله"، واصفا عمل بعض المخاتير بـ"البرستيج"، أي -الفشخرة-.
واتهم "بعض المخاتير في قطاع غزة بالوصول إلى المخترة عن طريق أقربائهم والمال، وليس بالعقل والعلم"، موجّهًا اللوم إلى وزارتي الداخلية والحكم المحلي، "والتي منحتا كثيرًا من الرجال لقب مختار، وهم لا يستحقون ذلك"، وفق قوله.
ويؤكد أبو الجبين أنّ "كثيرًا ممن حصلوا على ختم المخترة، غير مؤهلين لذلك، وبعضهم لا يستطيع فكّ الخط، ولا يملكون من الخبرة في أمور العرف والعادات شيئًا، سوى العمل بمنطق القوة والعضلات".
مخاتير فلسطين: أخطاء بعضنا قد تكون قاتلة
المختار أبو رجب أيد بدوره ما قاله نظيره أبو الجبين، مشيرا إلى أن عددًا من المخاتير قصدوه بغرض "التزكية" ليتم اختيارهم في موقع المخترة، ولم يردهم خائبين!. وقال أبو رجب لـ"الرسالة"، "يأتيني بواسطة طالبين التزكية، لأنّ الداخلية تشترط ذلك، فأخضع لطلبهم خجلاً".
ولربط أوصال الحلقة بين جميع الأطراف، توجّهت "الرسالة" إلى وكيل وزارة الحكم المحلي، ومسؤول شؤون المخاتير في غزة، المهندس سفيان أبو سمرة الذي أوضح آلية قبول المختار، قائلًا: "تتم بعد طلبه ختم المخترة من الوزارة، نطلب منه إحضار (200 هوية) من عائلته يوافقون عليه، وقائمة بأرقام جوالاتهم، بالإضافة إلى تزكية من مجموعة مخاتير يشهدون له بالصلاح، ثم يحصل على رخصة مختار، بها اسمه ورقمه".
لكنّ المختار أبو الجبين أكد أنّه يزكي كثيرًا ممن يقصدونه "خجلًا وحياءً منهم، وهو في قرارة نفسه يعلم أنّهم غير مؤهلين".
ويلفت أبو سمرة إلى أنّ التدقيق في الكشوفات تتم عبر عملية "عشوائية"، إذ يتم اختيار10 أسماء من ضمن الـ(200) اسم التي تشملها قائمة المختار المفترض، وحال أكدوا موافقتهم يتم اعتماده.
لا رقابة
ومن بعد المشاكل الداخلية التي سادت قطاع غزة، عقب أحداث عام (2007)، انقسم المخاتير سياسيًا وتعددت ولاءاتهم الحزبية، فمنهم من ينتمي لحركة "حماس" وآخرون للجهاد الإسلامي، وبعضهم لحركة "فتح"، لكنّ المعظم لم يعد يوثّق القضايا التي يكون طرفًا في حلّها، وفق المختار بدر سكيك.
ويضيف سكيك: "في عهد السلطة الفلسطينية كنّا نسلّم وزارة الداخلية كشفًا بأعمالنا الشهرية، وبعد الانقسام الفلسطيني عام (2007) لم نسلمهم ملفًا واحدًا عن أي قضية".
وعلى النقيض، يوضح أبو الجبين، أنّ رابطة علماء فلسطين تشرف على أعمالهم، وتزوّدهم بالدورات التدريبية بشكلٍ مستمر.
وأكثر القضايا التي تسير بها لجان الإصلاح، -وفق أبو الجبين-، هي ما تستعصى في المحاكم، ويستشهد بالمثل الدارج في الساحة الفلسطينية: "إللي ما بيجيبوا القانون.. بيجيبوا الكانون"، لافتًا إلى أنّ "العرف مساعدًا أساسيًا للحكومة في حلّ النزاعات"، وهو ما أيّده به المختار سكيك بقوله: "لو لم يكن المختار موجودًا؛ لما ساد القانون".
الكجك: المختار لا يخضع للرقابة على مهامه وانجازاته واخفاقاته
وللوقوف أكثر على دور وزارة الحكم المحلي، أوضح وكيلها أبو سمرة أنّ دورهم يقتصر على كتاب تقدمه وزارة الداخلية للحكم المحلي، يفيد بارتكاب المختار مخالفة، ويتم التحقيق في الأمر وسحب المخترة إذا استدعى الأمر ذلك، ولا يتم إعادتها إليه مطلقًا، وقد تقدّم عائلته به شكوى، ويتم تشكيل لجنة تحقيق، وقد تسحب منه إن كان متهمًا".
ويؤكد أنّ الوزارة صادرت خلال العام الماضي، ختم المخترة من اثنين بسبب مخالفتهما، مشيرًا إلى أنّ عدد المخاتير في قطاع غزة بلغ (870 مختارا)، وجرى تعيين ما يقرب (300 مختار) عام (2007) بواقع (30 مختار سنويًا).
أخطاء قاتلة
وبعد البحث عن مكانٍ يضم مجموعة من المخاتير تحت سقفٍ واحد، توصلت "الرسالة" إلى جمعية مخاتير فلسطين، والتقت مع مديرها التنفيذي غسان موسى الذي أكد أنّ الجمعية تضم (150 مختارًا)، و(80 رجل إصلاح).
موسى أكد بدوره أنّ عملية الإصلاح بالحل العرفي أسرع من النظامي واللجوء للمحاكم والقضاء، مشيرًا إلى أنّهم يتبعون "العادات التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم كلٌ حسب منطقة سكناه". وأوضح موسى، أنّ المحاكم النظامية تحوّل القضايا المستعصية إلى رجال الإصلاح والمخاتير، والتي بدورها تساعد في حلّ القضايا، ونوّه بأنّ "القضية قد تنتهي بأيّامٍ معدودات بعدما تمكث عشرات السنوات في المحاكم، وينتهي الخلاف بالنهاية بفنجان قهوة"، وفق قوله.
وقال: إنّ المخاتير في قطاع غزة على اختلاف مسمياتهم وانتماءاتهم، "مكمّلين لبعضهم"، لكنّ عددًا منهم يئد جهد الآخرين بأخطاءٍ قد تكون قاتلة"، مشيرًا إلى أنّ "بعض المخاتير يعقّد القضايا بدلًا من حلّها لغاية في نفسه، ومنهم من يتلقّى الرشاوى مقابل وقوفه في طرفٍ على حساب الآخر".
وتقارب حديث موسى مع قصّة رواها لنا المختار أبو حرب -اسم مستعار-، والذي تدخّل في حلّ قضيّة ارتكبها أحد مخاتير محافظة شمال قطاع غزة، بعائلة وقعت ضحية سرقة (4000 شيكل).
الداخلية: لا حصانة لأي مختار يرتكب مخالفة قانونية
يقول أبو حرب: "لم أتمكّن من حلّ الخلاف كون المختار الذي حاولت تخليصه من مصيبته وقع في قبضة الشرطة الفلسطينية، والتي غرّمته بـ (8000 شيكل)، وحكمت عليه بالسجن لـ(40 يومًا) بتهمة السرقة.
وفيما يتعلّق بالتحصيل العلمي، رأى موسى، بأنّه ليس شرطًا في المختار، "فكثيرٌ من حملة الشهادات يجهلون الحديث في المواقف الصارمة.. فالحنكة هي أصل المخترة".
وقدّم نصيحة للمخاتير بأن "يحلّوا القضايا وفقًا لشرع الله، وليس ضمن الرشاوى والعلاقات الشخصية"، مؤكدًا أنّه يملك شهاداتٍ لبعض مخاتير تلقوا رشاوى مقابل حلّ قضية. وتابع: "بعض المخاتير يتلقّى رشوة حتّى يقلب الباطل حقًا، والحق باطلًا، إضافة إلى رزقة الحق" -وهي عبارة عن مبلغ من المال يدفع من الطرفين المتنازعين قبل التقاضي عند المختار-، مشددًا على أنّ بعض المخاتير اليوم يتم استئجارهم لهذا الغرض، ويظهرون أمام الناس بأنّهم أصحاب حق، وهم على غير ذلك باطنيًا.
ويطالب موسى بإعادة تأهيل المخاتير ورجال الإصلاح عبر مؤسسات مدنية اجتماعية، بحيث يتم اختيار من يصلح منهم وفق مجموعة من الأسس والضوابط.
تحريات شكلية
ولأنّ جميع من قابلتهم "الرسالة" يؤكّدون أنّ كثيرًا من المخاتير بحاجة لإعادة النظر في أحقيتهم بالمخترة، استكملنا مهمّتنا، واتجه معدّ التحقيق لدائرة شؤون العشائر في وزارة الداخلية، واستقبلنا مديرها الحاج أبو ناصر الكجك، والذي أكّد أنّ صفات المختار في الماضي تمثلت بـ "زعامته، وقوّة نفوذه، ودينه، وتقواه، ورجاحة عقله، وقوّة كلمته التي إن قالها أخذ بها من الجميع".
ويضيف الكجك: "أنّ المخترة باتت اليوم موضة، وغيرة، واسم فقط"، مستنكرًا الطريقة التي يتم خلالها منح المواطنين للقب مختار من دائرة الحكم المحلي.
ويشير إلى أنّ الحكم المحلي يطلب ممن يتقدم للمخترة، توقيع (200 من أفراد العائلة)، ووضعهم في نموذج، وتزكيات من مخاتير معتمدين في الوزارة، ثم يجري تحريات عليهم، واصفًا التحريات بـ "الشكلية، التي تخلو من أي معيار، ولا قيمة لها".
ولفت الكجك إلى أنّ دائرته كانت مهمّتها في الماضي وضع اختباراتٍ مع المتقدمين للمخترة، ومقابلة شخصية لاستيعاب مدى أحقيتهم فيها، ودراسة وضعهم الاجتماعي والصحي والأخلاقي، وهل يصلحون لهذه المكانة، "لكنّ وزارة الحكم المحلّي قلّمت مهامنا، ونأت بنفسها، وأصبحت تعطي الموافقة دون مشاورة أحد"، وفق قوله.
لجان إصلاح: بعض المخاتير غير مؤهلين ثقافيًا وعلميًا ودينيًا
ويشدد الكجك على أنّ المختار فور حصوله على ختم "المختار" لا يخضع للرقابة على مهامه وانجازاته واخفاقاته، "ومن أعطاه صفة المخترة؛ لا يُراقبه قطعًا"، مشيرًا إلى أنّ الدائرة التي يجب أن توكل إليها المهام، هي وزارة الداخلية".
وأشار إلى أنّ المخاتير أضحوا يحصلون على المخترة من طرقٍ جديدة عن طريق رئيس السلطة محمود عبّاس، ويسخر الكجك من ذلك قائلاً: "ملأوا البلاد مخاتير بهذه الطريقة دون حسيبٍ أو رقيب".
ولأنّ الحديث يدور حول الرقابة على المخاتير، والذي غالبًا ما يكون لدى وزارة الداخلية، فتواصلت "الرسالة" مع كامل أبو ماضي، وكيل الداخلية في غزة، والذي أكّد أنّ ملف المخاتير تشرف عليه وزارة الحكم المحلي بشكلٍ كلّي، ودور الداخلية يقتصر على "التحرّي إن طلب منها الحكم المحلي ذلك".
وشدد على أنّ المختار يخضع للعقاب إن ارتكب مخالفة، قائلًا: "في حاول وصول شكوى ضد أيّ مختار، يتم التعامل معه كمواطن.. ولا يمتلك أحد منهم حصانة أمام القانون، وإن لزِم الأمر، يتم تحويل الجاني للنيابة مهما كان مسماه".
وتابع أبو ماضي: "يُهمّني انضباط البلد، وأي مواطن يدخل في إطار الخطأ؛ يتعرّض للمساءلة"، داعيًا المواطنين في قطاع غزة التوجه إلى قسم الشرطة في حال تعرضوا للإساءة من أيّ مختار، "وسيصلهم حقّهم كاملًا دون نقصان"، على حدّ تعبيره.
**تدخل المتنفذين
ويتفق سفيان أبو سمرة، وكيل وزارة الحكم المحلي ومسؤول شؤون المخاتير في غزة، مع أبو ماضي بأنّ المختار لا يحظى بحصانة أمام القانون، ويتم معاملته كأي مواطن. وأوضح أنّ قانون تعيين المخاتير في فلسطين يعود للعهد العثماني، والذي ينص على "تعيين مختارًا واحدًا في كل قرية؛ حتّى يكون عنوانًا للمخاطبة من ناحية أمنية واجتماعية".
ويقول أبو سمرة "لكن بعد وجود السلطة الفلسطينية عام (1994)، دخلت وساطات كثيرة لتعيين المخاتير، ولم تنتهِ حتى اللحظة". ويضيف أبو سمرة أنّ زيادة عدد المخاتير ناجمة عن تدخل ما أسماهم بـ"المتنفذين"، منوّهًا بأن السلطة الفلسطينية أعطت تعليماتها للمحافظين ليعيّنوا المخاتير بمعزل عن وزارة الحكم المحلي، ومنهم من يتم رفضه من غزة ويقدّم للسلطة ويتم قبوله، محذرًا أنّ "هذا تحايل على النظام"، مؤكدًا في الوقت ذاته أنّ (150) شخصًا تمّ تعيينهم بأوامر من رئيس السلطة محمود عبّاس.
ويوضح وكيل وزارة الحكم المحلي، أنّ تفرّع إعطاء تصاريح المخترة، يؤكد أنّهم "فاقدون لمركزية تراقب عملهم وتعيينهم". ولأنّ المخاتير يدخلون البيوت ويُستأمنون على أسرارها، ويحلّون الكثير من القضايا المجتمعية بدلًا من القضاء النظامي، فقد طالب أبو الجبين بإعادة النظر بقانون المخترة في غزة، ووضع شروطٍ قاسية لمن يتقدّم للحصول عليها، مقترحًا بأن يوضع شرط الشهادة الجامعية؛ للبقاء في المخترة، حتّى يحلِ الخلافات التي لها علاقة بالتكنولوجيا أيضًا.
وتدق "الرسالة" من خلال هذا التحقيق ناقوس الخطر حول "أهلية دخول بعض مخاتير غزة إلى أسرار البيوت ونبشها، في حين لا يؤتمن بعضهم عليها"، وتترك الملف مفتوحًا على مكاتب أصحاب القرار حول المعايير الواجب إتباعها لتكون أكثر ضبطًا في تسليم "المخترة" للمواطنين، تاركة في الوقت ذاته تساؤلًا "هل من المنطق أن يتم تعيين (30 مختارا) سنويًا في قطاع غزة؟".