قائمة الموقع

الاحتلال عاجز عن ترجمة قوته العسكرية إلى قوة ردع

2010-05-24T15:23:00+03:00

صدر عن "مدار" المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية في رام الله في نهاية شهر آذار تقرير استراتيجي حول المشهد الإسرائيلي في العام 2009 وعالج التقرير هذا العام ستة عناوين أساسية، هي: العلاقات الخارجية الإسرائيلية، والمشهد السياسي- الحزبي، والمشهد الأمني، والمشهد الاقتصادي، والمشهد الاجتماعي، والفلسطينيون في إسرائيل.

مشهد العلاقات الخارجية

بيَّن التقرير بأنَّ جلّْ اهتمام الدبلوماسية الإسرائيلية طوال العام الماضي قد تمحور حول ثلاث قضايا رئيسة. فقد تصدَّرت قضية وقف محاولات إيران الحصول على الطاقة النووية قائمة نشاطات "إسرائيل" الدبلوماسية إقليميا ودوليًا. وتوقَّع التقرير بأنْ يكون العام 2010 حاسمًا بالنسبة للملف النووي الإيراني.

أمَّا القضية الثانية فتركَّزت في التصدي للقوى والمنظمات الدولية التي تسعى – حسب المصادر الإسرائيلية - لنزع شرعية "إسرائيل" ككيان سياسي، من خلال موقفها من الحرب على غزة، ودعمها لصدور تقرير غولدستون، الذي اعتبره بعض الإسرائيليين فشلاً دبلوماسيًا إسرائيليًا فادحًا، إضافة إلى الدعوات المتكررة لاعتبار "إسرائيل" دولة ابرتهايد.

"إسرائيل" وعلاقاتها الإقليمية

توقف التقرير عند تداعيات صعود اليمين الإسرائيلي وتأثيراته السلبية على علاقات "إسرائيل" بمحيطها الإقليمي. وأكَّد بأنّ وصول نتنياهو إلى رئاسة الوزراء قد أدى إلى فرض المزيد من البرود، وأحيانًا التوتر، على العلاقات الإسرائيلية الرسمية مع دول المنطقة. 

فحكومة نتنياهو غير راغبة في التوصل إلى حل نهائي مع الفلسطينيين. وتتسبب في تعطيل مسار المفاوضات مع سوريا، بحجة عدم جاهزيتها لدفع ثمن السلام، ورفضها الوساطة التركية. 

وهي عاجزة عن إعادة الدفء للعلاقة مع مصر، رغم اعتمادها عليها في أكثر من ملف مرتبط بالعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية.

كما تشهد العلاقة مع تركيا " تأزمًا لا ينتهي"، على إثر التحولات في السياسة الخارجية التركية. ولا تخفي "إسرائيل" خشيتها من ظهور مثلث إقليمي جديد يتكون من تركيا وسوريا وإيران، لكنَّها تعول على عمق العلاقات الإستراتيجية مع تركيا تحديدًا في المجالين العسكري والإستخباراتي.

"إسرائيل" وعلاقاتها الدولية

وصف التقرير التوتر الذي شهدته العلاقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" في العام 2009 على خلفية التباين بشأن الملف النووي الإيراني والمفاوضات مع الفلسطينيين بأنَّه توتر "ضمن سقف التحالف الإستراتيجي". أمَّا التطور الإيجابي في العلاقة مع الإتحاد الأوروبي، فتعرض لهزة قوية، خصوصًا مع تداعيات الحرب على غزة، والموقف الأوروبي من مسائل الاستيطان ووضعية مدينة القدس ومسيرة التسوية.

ورصد التقرير تصاعد أهمية روسيا في السياسة الخارجية الإسرائيلية، لارتباطها بالملف النووي الإيراني، وبصفقات أسلحة مع الدول العربية تعارضها إسرائيل، وبطموح روسي متنامي لتوسيع دائرة نفوذها في المنطقة. 

كما لاحظ  زيادة المساعي الإسرائيلية لتطوير العلاقات مع الصين والهند، والبحث عن أصدقاء جدد في آسيا الوسطى والقوقاز لما لذلك من فوائد اقتصادية وأمنية.

المشهد الإسرائيلي السياسي- الحزبي

تربَّع صعود اليمين الإسرائيلي وتشكيل الحكومة برئاسة بنيامين نتنياهو على قمة المشهد السياسي – الحزبي في عام 2009. وقد بدت التشكيلة الوزارية مستقرة بفعل قاعدتها البرلمانية  العريضة، وانعدام الضغوط السياسية الداخلية ذات الوزن الثقيل، وتراجع الضغوط الأمريكية، واجتياز الأزمة المالية العالمية بأضرار قليلة، والهدوء الأمني على جبهتي الشمال والجنوب. 

أمَّا بالنسبة للخريطة الإسرائيلية الحزبية، فسجِّل التقرير أفول نجم حزب العمل وانتهاء دوره التاريخي. وعدم قدرة حزب كاديما، رغم حضوره البرلماني والقبول الدولي له، على طرح بديل قوي لسياسة نتنياهو، واستمرار معاناة الحزب من وطأة الصراعات الداخلية. في حين يبدو حزب إسرائيل بيتنا عاجزًا- رغم جهود رئيسه المضنية- عن التخلص من فئويته، ويواجه بعض التحديات مثل عدم رضا الشارع عن تعيين رئيسه وزيرًا للخارجية.

المشهد الأمني

أفرد هذا المحور هامشًا واسعًا لتحليل الحرب على غزة وتداعياتها الإستراتيجية والأمنية، وخلص إلى أنَّ "إسرائيل" رغم ما حققته من عدوانها على غزة، تبدو عاجزة عن تجاوز مأزقها الإستراتيجي المتمثل في عدم قدرتها على ترجمة قوتها العسكرية الهائلة إلى قوة ردع فاعلة.

وبشأن الحرب على غزة الأسباب والتداعيات ,أرجع التقرير اندلاع الحرب على غزة إلى عدة عوامل من بينها إخفاقات الجيش الإسرائيلي في لبنان، والتصعيد في الجبهة الجنوبية، والظروف السياسية الإسرائيلية الداخلية، إضافة إلى وجود نافذة دبلوماسية أمريكية، وواقع فلسطيني داخلي مأزوم.

ورأى بأنَّ الحرب حققت لإسرائيل بعض المكاسب مثل: تحميل حركة حماس مسؤولية الأمن في غزة، وبالتالي إجبارها على وقف إطلاق الصواريخ، وإجبار مصر على اتخاذ تدابير أمنية لضبط الحدود مع غزة. وتَمكُّن "إسرائيل" من تطبيع حالة الحصار على غزة، والاستفادة من الحرب في تدريب القوات الإسرائيلية على مواجهات قادمة، وتبني عقيدة الضاحية الجنوبية كمركب أساسي في الحرب.

في المقابل كشفت الحرب عن أزمة في نظرية الردع الإسرائيلية ترجع إلى طبيعة المواجهة مع قوى مقاوِمَة غير نظامية، وتحول العمق الإسرائيلي إلى جزء من جبهة القتال. وهذا ما دفع الجيش الإسرائيلي لتكثيف تدريباته خصوصًا في العام 2009م على الحرب في المناطق المأهولة بالسكان، وبذل جهد مضاعف من أجل إنجاح عمل منظومة للدفاع متعددة الطبقات لحماية المواطنين الإسرائيليين.

تقرير غولدستون والتداعيات الأمنية والعسكرية

أحدث صدور تقرير غولدستون حراكًا داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ورغم نفي  الجيش الإسرائيلي ما جاء في التقرير من انتهاكات للقانون الدولي وارتكاب جرائم بحق المواطنين الفلسطينيين، إلا أنَّه فضَّل التعامل مع الجانب القانوني منه، فرفع مستوى المستشارين القانونيين في الجيش، وعقد دورات في القانون الدولي وقوانين الحرب لقيادة الجيش العليا، وحاول الضغط على الولايات المتحدة والأمم المتحدة لتغيير القوانين الدولية المتعلقة بالحرب التي تشنها "إسرائيل" ضد قوى المقاومة غير النظامية.

** المؤشرات الاقتصادية لعام 2009

شهد الاقتصاد الإسرائيلي في العام 2009 تراجعًا تمثل في تباطؤ الإنتاج الموجه للمستهلكين، وتجميد الأجور، والإقالات الواسعة، ومضاعفة دفع مخصصات البطالة، الاقتطاع من الميزانيات الضرورية مثل الصحة والتعليم والرفاه الاجتماعي، وانخفاض المشتريات، وهبوط قيمة أملاك الجمهور، وتراجع مستوى الطلب العالمي على البضائع، وهبوط التصدير الإسرائيلي، وإلغاء العديد من مشاريع الشركات الإنتاجية، وازدياد العجز الحكومي، وتراجع فروع الصناعة والزراعة والسياحة، وارتفاع نسبة البطالة، ووصول نسبة الفقر إلى 20%.

الفلسطينيون في "إسرائيل"

يلفت النظر هنا قبل الغوص في تفاصيل هذا المحور، تكرار مسألتين هامتين تخصان  الفلسطينيين داخل الخط الأخضر في كل تقارير السنوات السابقة بما فيها التقرير الحالي وهما: التأكيد على تعرضهم المستمر لاستهداف إسرائيلي متعمد، نظرًا لتصنيفهم إسرائيليًا في خانة الأخطار التي تهدد الوجود اليهودي في فلسطين، مقابل وجود تحرك فلسطيني، على تواضعه، يعيق انجاز المخططات الإسرائيلية.

أمَّا المسألة الثانية فتتركز في جملة المعطيات التي تشير إلى استمرار تراجع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي يبعث على التشاؤم، وينذر بتعرض من بقوا صامدين في ديارهم بعد حرب عام 1948 إلى كارثة حقيقية تهدد وجودهم المادي على أرضهم.

أوضح التقرير بأنَّ سياسات اليمين المتطرف أو "المحافظون الجدد" في "إسرائيل" تلعب دورًا مركزيًا في انزلاق المشهد الفلسطيني نحو اتجاهين متلاصقين؛ يقوم الأول على تحسين بعض المؤشرات الاقتصادية لدى القطاع الخاص الفلسطيني خدمةً للتوجهات الإسرائيلية الاقتصادية الجديدة، في حين يصعِّد الثاني من وتيرة الإجراءات الإسرائيلية الهادفة إلى ضبط المشهد السياسي والثقافي الفلسطيني على إيقاعات تقليص هامش الممارسة السياسية وقمع الهوية الفلسطينية ومحو الذاكرة الجمعية التاريخية المشتركة للفلسطينيين وفرض يهودية الدولة بواسطة القانون.

المصدر: "مدار" المركز الفلسطيني للدارسات الإسرائيلية، آذار/ مارس 2010   

 

اخبار ذات صلة