قطع رئيس السلطة محمود عباس مخصصات الجبهة الشعبية من الصندوق القومي الفلسطيني لأنها - كما قيل- غردت خارج السرب وتبنت مواقف ابتعدت فيها كثيرا عن عباءة حركة فتح أو رئيسها الذي أصبح (الكل في الكل) يقرر ويحكم بما يهوى لا بما تراه حتى حركة فتح.
واستخدم "الرئيس" المال كسلاح أمام خصومه، فقطع رواتب الموظفين المحسوبين على حركة حماس بعد أحداث الحسم عام 2007م، وعن الموظفين من أنصار القيادي المنشق عن حركة فتح محمد دحلان، وكرر قطع المخصصات المالية عن فصائل منظمة التحرير التي تتلقاها من الصندوق القومي الفلسطيني أكثر من مرة.
وفي الوقت الذي أثار فيه قرار عباس سخط الكثيرين من الفلسطينيين ومنهم كوادر الجبهة الشعبية وباقي قادة الفصائل الفلسطينية إلا أن شخصيات وصحفيين وكتاب ومحللين "يساريين" بلعوا ألسنتهم ولم ينبسوا ببنت شفة إزاء فعلة "الرئيس"، ولم يدافعوا عن جبهتهم قائدة "اليسار الفلسطيني" وهم الذين كانوا ينبرون دفاعا عن توجهات واجراءات عباس، أو هجوما على مواقف بعض فصائل المقاومة كما يحدث مع حركة حماس بشكل خاص وحتى كانت هدفا لأقلامهم وكتاباتهم إذا تناقضت مواقفها مع مواقف فتح أو السلطة.
فالمال هنا أيضا سيد الموقف، يتحكم في أقلامهم ويخشون أن يفقدوا امتيازاتهم التي ممكن أن تذهب أدراج الرياح إن وقفوا أو سبحوا ضد تيار "المالك"، ويمكن لمتصفح صحيفة الأيام -القريبة من السلطة-خلال الأيام الماضية التي تضم عددا من الكتاب المحسوبين على "اليسار" إدراك حجم التجاهل لحدث كبير كان يستحق أن تبرى له أقلامهم سواء في الحديث عنه أو توضح موقفها منه، فلم تجرؤ مقالاتهم على تناول قطع "الرئيس" لمخصصات الجبهة الشعبية.
وهكذا يلعب كثير من الساسة لعبة "المال في السياسة" فيشتري ويبيع بحسب مقتضيات الحاجة، وهناك من يعرض سلعته أو نفسه للبيع والشراء بحسب حاجة السوق ومؤشر بورصة المال لمن يستطيع الدفع أكثر أو خوفا من أن تضيع الامتيازات المالية والمواقع الوظيفية.
ومع أن الفصائل تقول أن الأموال التي تتلقاها من الصندوق القومي ملك "المنظمة" وليست منة من أحد ولها حق أصيل فيها إلا أن المنظمة ذاتها تعتمد في مواردها المالية من أكثر من عقدين على السلطة المنبثقة من اتفاقات أوسلو، وانتقلت من المال الثوري إلى المال السياسي- المرتبط بعملية التسوية- ولم تعد لهذا الصندوق أي مصادر تمويل خاصة، معظم قيادات وكوادر المنظمة وفصائلها باتوا على مرتباتها منذ الانتقال إلى الداخل، وتتلقى السلطة معظم مواردها المالية من الدول المانحة، أو الدول الراعية لعملية التسوية، وكذلك دول الخليج العربي.
أمام الفصائل المنضوية تحت منظمة التحرير مهمة أكثر أهمية من الاحتجاج على قطع المخصصات بقدر الدور الذي يمكن أن يلعبوه في تصحيح مسار "المنظمة" التي يهيمن عليها من يقود حركة فتح ويشتري لتمرير قراراته واجراءاته الذمم ويعاقب من يخالف توجهاته بقطع المخصصات ومنع الامتيازات وأضحى عدد كبير من الذين كانوا قادة في حركات تحرر وأصحاب رأي وقلم رهينة المال السياسي.