ازدادت وتيرة الأزمات الفلسطينية الداخلية في الأشهر القليلة الماضية، بالتزامن مع اندلاع انتفاضة القدس؛ مما أضعف وتيرتها، وحرف البوصلة عن متابعتها، بعد أن أثرت بشكل واضح على الوضع الأمني للاحتلال "الإسرائيلي".
وتناوبت السلطة المتمثلة بشخص الرئيس محمود عباس على افتعال الأزمات، وكذلك الحكومة بقيادة رامي الحمد الله، وحركة فتح ومنظمة التحرير، مع علمها أن تأثيرها سيكون سلبياً على الانتفاضة المندلعة في الأراضي الفلسطينية، بينما الأزمات كانت في مجملها تتعلق بالشأن الداخلي للمؤسسات سابقة الذكر، أو بقطاع غزة، أو جمهور الضفة المحتلة.
فأزمة المعلمين الخامدة منذ سنوات عادت للواجهة من جديد، عبر تعنت الحكومة في الاستجابة لمطالبهم العادلة بحسب ما تراه الحكومة ذات نفسها، وإلى جانب ذلك كان افتعال أزمة الكهرباء بغزة عبر فرض ضريبة البلو بين الحين والآخر، وإشغال الرأي العام بقضية انعقاد المؤتمر السابع لحركة فتح، عدا عن اللعب على وتر المصالحة مع حركة حماس.
ومؤخرا، أقدم الرئيس عباس على قطع مخصصات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ما أدى لردة فعل كبيرة في الساحة الفلسطينية، أبعدت الخطاب السياسي عن ملف الانتفاضة كلياً. وبالنظر إلى سياسة السلطة الواضحة في اتجاه تحجيم الانتفاضة ووضعها في مسار يخدم أهدافها الخاصة، بعيدا عن تحقيق إنجازات ملموسة على صعيد القضية الفلسطينية ككل، نجد أن الأزمات الظاهرة على الساحة حالياً أقرب إلى الافتعال.
ما سبق، أثر سلباً على الانتفاضة، إذ تحول الخطاب الإعلامي والسياسي الفلسطيني من دعم الانتفاضة وتأييد خطواتها ورجالها، إلى مطالبة السلطة بالتراجع عن قرار أحدث أزمة، أو دفعها لإصدار قرار يُنهي أزمة أخرى، وما بين هذا وذاك، تراجعت أحداث الانتفاضة الميدانية.
وعن ذلك، قال القيادي في الجبهة الشعبية تيسير قبعة: إن السلطة لا ترغب في خروج الأحداث الفلسطينية القائمة في ساحات الضفة والقدس عن المساحة التي تريدها لها، ضمن ما يخدم مصالحها".
وأكد قبعة في تصريح لـ"الرسالة نت" أن تفرد السلطة بقيادة محمود عباس بالقرارات الفلسطينية كافة، وصل إلى حد رفض مشاركة الفصائل في الانتفاضة، لمعرفتها للتأثير الحقيقي لهذه الانتفاضة على وجود السلطة بشكلها الحالي. وأوضح أن تخبط السلطة في القرارات الأخيرة بحق عدة أطراف فلسطينية، ينم عن محاولة بائسة للخروج من المشهد الذي وضعت به السلطة في ظل استمرار الانتفاضة منذ شهر أكتوبر، مما يستدعي من الكل الفلسطيني السير في اتجاه دعمها؛ لأنها تمثل بارقة أمل للتغيير السياسي على الساحة ككل.
ويُذكر أن القيادي قبعة كان من ضمن الذين حازوا على نصيبهم من قرارات السلطة، إذ قال "إن عباس أمر بإحالته للتقاعد من المجلس الوطني ضمن رزمة قرارات أقرها في الفترة الأخيرة، ضمن سياسة التفرد والاستعباد التي يقوم بها ضد خصومه ومناوئيه السياسيين".
من جهته، قال المحلل السياسي ياسين عز الدين: "إن السلطة تسعى لإخماد الانتفاضة بكل الوسائل الممكنة، سياسيا وأمنيا وإعلاميا، ويقع ضمن ما سبق موجة الأزمات في الساحة الفلسطينية في الأشهر القليلة الماضية".
وأوضح أن الضغط على الجبهة الشعبية في الوقت الحالي يأتي في ظل مشاركة أفراد الجبهة بشكل عملي وواسع في أحداث الانتفاضة بساحات الضفة والقدس، مما يظهر رفضا قاطعا من السلطة لمشاركة أحزاب المنظمة في الانتفاضة.
وعلى أي حال، يبقى مصير الانتفاضة أكبر من رغبة أي طرف، بدليل أنها خرجت رغم أنف السلطة والاحتلال، وواصلت مسيرتها للشهر السابع على التوالي، في موجات ثورية متتالية، إلى أن تصل إلى تحقيق أهدافها السياسية.