شكّل رحيل الشهيد القائد خليل الوزير "أبو جهاد" الرجل الثاني في حركة فتح، انتكاسة حقيقية لمسار الكفاح المسلح داخل الحركة ومنظمة التحرير التي تغيرت ملامحها الثورية إلى حامية أمنية للاحتلال الإسرائيلي.
ومع مرور ثمانية وعشرين عامًا على رحيل أبو جهاد، تقر زوجته، أن حركة فتح قد تخلت عن الكفاح المسلح بعد رحيله، وقالت انتصار الوزير النائب عن حركة فتح وعضو اللجنة المركزية بالحركة: "إن فتح لم تمارس الكفاح المسلح بعد اغتيال زوجها، وأن الرئيس الراحل ياسر عرفات عندما حاول أن يصعّد الانتفاضة الثانية قتلوه".
وأكدت الوزير في حوار خاص بـ "الرسالة نت"، أن اغتيال أبو جهاد كان "لإنهاء وجوده، والتخلص من الكفاح المسلح"، مشددة على أن زوجها لم يغادر موقع الكفاح المسلح، "ولم يتخل عنه يوماً حتى آخر لحظة في حياته".
وأضافت أن اغتيال أبو جهاد وقيادة النضال، جاء للتخلص من القيادات المؤمنة بالكفاح المسلح، وكل من يرفض التنازل عن حقوق الشعب، معتبرة أن "رحيل هذه القيادات كان سبباً في الواقع المرير الذي نعيشه اليوم".
أبو جهاد الذي تمتع بكاريزما عسكرية وسياسية خاصة، جعلته الأكثر قربًا من عرفات، كان يؤمن أيضًا بإقامة السلطة الفلسطينية على أي شبر يتم تحريره، وفق قولها، وتابعت: "إن أبو جهاد كان مع استمرار الانتفاضة لتحقيق انجازاتها، جنبًا إلى جنب مع مواصلة الكفاح المسلح"، منبهة إلى أن التفكير عند أبو جهاد كان قائما على ضرورة الاستمرار بالثورة، ونقل المواجهة إلى الداخل لمواصلة مسيرة الكفاح والثورة.
وقد شكل رحيل الثورة عن لبنان صفعة قوية لمسار المنظمة، خاصة في ظل رغبة الاحتلال بتدمير البنية التحتية لمنظمة التحرير، وضرب العمل الفدائي وإبعاد المقاتلين عن مناطق التماس مع حدود فلسطين.
ودفع رحيل قوات المنظمة عن لبنان، بأبي جهاد لدعم الانتفاضة الفلسطينية في الداخل المحتل، ودعمها بكل الوسائل التي تضمن استمرارها.
وقالت: "إن زوجها كان يواصل تقوية العلاقة مع قيادات الداخل من أجل تعزيز منظومة الكفاح المسلح، إذ لم ينفك عنه أبو جهاد رغم توجهه لدعم النضال الشعبي السلمي في الانتفاضة، وركز العمل المقاوم العسكري صوب أهداف معينة يحافظ على مسارها".
ونبهت إلى أن أبو جهاد بقي حتى اللحظة الأخيرة يعطى تعليماته لتنفيذ عمليات عسكرية، بغرض أسر جنود ومبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين، موضحة أنه "نقل مقر إقامته في عام 83م إلى الأردن ليكون قريبًا من أرض الحدث".
وتواصل دعم أبو جهاد للانتفاضة حتى اللحظات الأخيرة لاستشهاده، إذ تشير إلى انه أطلعها على تقرير قبل استشهاده بساعات، يفيد بوصول سفينة إلى قطاع غزة محملة بالسمن ومواد غذائية وقد اصطدمت بالشاطئ، وهرع الناس لأخذ ما فيها. وتضيف "سألت يومها أبو جهاد هل تحمل هذه السفن أسلحة، فابتسم ولم يجبني".
وأوضحت أن خيار أبو جهاد مواصلة النضال إلى جانب الكفاح المسلح، بحيث يعطي فرصة لجميع الفئات بالمشاركة في النضال الشعبي والانخراط في مقاومة الاحتلال، مؤكدة أن حفاظ أبو جهاد على الثورة الشعبية في الانتفاضة الأولى، لم يكن بديلاً عن الكفاح، "إذ أنه لم يسقط الخيار المسلح، وكان يؤكد ضرورة استمراره حتى أثناء التفاوض"، مضيفة" كان صاحب نظرية القتال قبل المفاوضات والسلاح إلى جانب المباحثات".
لكن هل كان أبو جهاد موافق على عملية التسوية، تجيب زوجته، أن فكرة أبو جهاد كانت تنحصر على إقامة سلطة على أي شبر من الأرض، مستدركة أن قضية المفاوضات مع إسرائيل واتفاق أوسلو لم تكن مطروحة على الطاولة وقتها.
وتختلف أم جهاد في رؤيتها عن زوجها، فهي مع الاعتراف بإسرائيل إن اعترفت بدولة فلسطينية على حدود عام 1967م، ومع ذلك فهي ترجح أن أبو جهاد لو بقي حيًا لكان من الممكن أن يعترف ويقبل بعملية التسوية، "لأن القرار في فتح مؤسساتي وشوري وليس فرديًا"، وفق تعبيرها.
وأضافت "في النهاية اضطرت منظمة التحرير للاعتراف بأوساط داخل المجتمع الاسرائيلي كقوى اليسار وغيرها، بعدما كان ذلك محرما من قبل". وتوضح أن ثمة تغيير طرأ على طبيعة أدبيات وخطاب المنظمة منذ منتصف السبعينيات، وبات لديها قبول للاعتراف بإسرائيل، رغم أن أوسلو لم تناقش ولم تعرض في حياة الوزير.
وتتابع أم جهاد "هناك بوادر تغيير طرأت في سياسة المنظمة من خلال قرارات المجلس الوطني والنقاط العشر التي أقرتها، وقبولها إقامة سلطة على أي شبر يتم تحريره، وأصبح هناك تطور في الفكر السياسي لديها حتى في عهد أبو جهاد".
مع ذلك، كان الرجل حريصًا على استقطاب كافة القوى السياسية، رغم ما أثير تاريخيًا عن اعطاءه لتعليمات أدت إلى تصفية عدد من القيادات خاصة في الداخل الفلسطيني، وهو ما تنفيه بشدة أم جهاد، التي تؤكد أن زوجها كان ينادي بالحوار حتى في ظل انشقاق عدد من قيادة فتح في عام 83م.
ورغم فكرة قبول الرجل لعملية المفاوضات، إلا انه كان أبعد عن فكرة التنازل كبقية الرعيل الأول من القيادات التي تم اغتيالها كأبي إياد وصلاح خلف الذي قال في حوار معلن "مين الحمار إلي بترك سلاحه وبروح يفاوض"، وهو ربما ما عجّل في عملية اغتيالهم، كما تقر بذلك أم جهاد.