تستحيي رواية الكاتب المغربي محمد عز الدين التازي "أنا المنسي" ذاكرة السرد العربي من قصص له تفرده، إذ يتصل بنبأ الطائفة اليهودية وأحوالها في مجتمع عربي مسلم.
ويقتفي الكاتب مرتحلا في التاريخ أخبار يهود المغرب عبر قرون وصولا إلى لحظة الاختيار التي تصنع المأساة في التاريخ والرواية على حد سواء، حين دقت الصهيونية ناقوس الرحيل إلى "أرض الميعاد".
ويستذكر التازي في "أنا المنسي" شخصية يهودية عابرة للتاريخ، باسم شاؤول بن عميثئيل زاز، ليؤدي دور السارد المطل على يوميات ألف عام من حياة اليهود بالمغرب، أصدر الرواية حديثا المركز الثقافي العربي (الدار البيضاء-بيروت) في 326 صفحة.
وكان طبيعيا أن يؤسس الكاتب فضاء الرواية في مدينة فاس، التي ينحدر منها، ويعرفها أكثر من غيرها، وأكثر من ذلك أنها فضاء مثالي لموضوع الرواية، فقد ظلت لقرون حاضنة لواحد من أهم التجمعات اليهودية في التاريخ المغربي.
يشي نص الرواية بجهد كبير في البحث التاريخي والوثائقي، وهي ميزة تسم جل أعمال التازي المهموم بالكتابة في تحولات المكان ومصائر الإنسان، وتقدم نصا يجمع بين متعة السرد وإنتاج المعرفة حول الوجود اليهودي الذي لم يحظ عموما باهتمام كبير لدى الروائيين العرب، غالبا بسبب الحاجز النفسي الذي صنعه الكيان الإسرائيلي، من جهة، وحالة الانكفاء ونمط حياة الطوائف اليهودية الخاص، الذي يظل مجهولا لمن يريد الكتابة عنه من خارجه.
من قلب "الملاح"، الحي اليهودي الذي تجاورت فيه بيوت الطائفة سواء من الساكنة اليهودية الأصلية، أو من اليهود المهجرين من الأندلس، تقدم الرواية لقرائها ديوانا عرقيا متكامل الأبعاد، يوثق نمط الحياة، والقيم السائدة، والطقوس الدينية، والمباهج والمشاكل، فضلا عن العلاقة مع الجيران المسلمين، التي يقدمها الكاتب دون تعسف مذهبي، فهي شبه عادية، لكنها لا تخلو من أفكار جاهزة، بل بدا في فقراتٍ طابع النفور والاحتقار.
على هذا الصرح التاريخي والاجتماعي الممتد حتى منتصف القرن العشرين، يتناول التازي تأثير إنشاء الكيان الصهيوني في أرض فلسطين على الطائفة اليهودية في فاس، ثم يهود المغرب عموما، في تأرجحها بين المواطنة والانتماء إلى البلاد التي لم يعرفوا غيرها وطنا، والهجرة إلى إسرائيل وأفق تحقق الأسطورة الجماعية ولو على حساب شعب آخر.
هنا يبرع الكاتب في بناء هذا التجاذب والنقاش بين شخصيات نحتت لها عوالم النفس والذهن بدقة، ومثال ذلك حوار عزرا المتحمس لحلول ساعة الرحيل مع والدته الوفية لذاكرتها.
"عزرا! عزرا ولدي العزيز سوف يرحل إلى (إسرائيل)؟ اللعنة عليك يا (إسرائيل)، لقد أصبحت تختطفين الأبناء من أحضان أمهاتهم. قال لها: يا أمي المسلمون أصبحوا يكرهوننا بعد قيام دولة (إسرائيل)، ونحن هنا نعيش حياة بئيسة يمكننا أن نعيش أفضل منها في (إسرائيل)" ويتواصل الحوار إلى أن تحسم أم عزرا: "شأننا هنا ليس هو شأننا في (إسرائيل)، لأننا مغاربة ولسنا بلا وطن حتى نصبح مستوطنين في (إسرائيل)".
بهذه الرواية يثري محمد عز الدين التازي تراكما لا يزال محدودا في تناول الوجود اليهودي في السرد العربي. فقبله سارت على الدرب تجارب قاربت أحوال اليهود في البلدان العربية من زوايا متنوعة وفي مراحل تاريخية.
الجزيرة نت