قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: بعض ما يمكن قوله عن الإقالة

عدلي صادق
عدلي صادق

عدلي صادق

بصرف النظر، عن المفارقات الطريفة، التي أعقبت إقالة أكرم الرجوب محافظ نابلس؛ ثمة ما يُقال عن الأسلوب والتوقيت، الذي حدثت بهما الكثير من الإقالات الناجزة، وتعثرت فيه أبو بسببه، إقالات أخرى لم تكن ناجزة.

ولعل أقبح الإقالات وأغدرها، كانت تلك التي طالت المرحوم أمين الهندي (أبو فوزي) الذي فوجيء بقرار إقالته، وهو في مهمة عمل في الولايات المتحدة، ولم يصبر المُقيل لحين عودته، ما جعل الرجل يكتئب حتى أسلم الروح.

تشبه تلك الإقالة، ما وقعت لسفير ذهب الى بلد الابتعاث، لكي يتقدم بأوراقه، وتصادف مرور رئيسِه بالبلد نفسه، وكان المتفائل المبتهج بالموقع في استقباله في المطار، ففوجيء بقرار إقالته في عين المكان وفي ذات اللحظة!

 معظم الإقالات، كانت بينها عوامل مشتركة شبيهة بالكوميديا السوداء. أبرز هذه العوامل، صدق الموالاة وعمق الكراهية للمعارضين. بعضها حدث في أوقات لم يكن فيها سجال داخلي أو متسع لإسقاطات وتأويلات، مثلما حدث مع المناضل المرحوم أمين الهندي، أما البعض الآخر، فقد وقع في مرحلة التباغض الداخلي العام، وفي الزمن الرديء، وجاء مطابقاً للوصف القرآني، لمشهد الجمع بين القادة والأتباع في يوم الحشر، فيتبرأ بعضهم من بعض، وفي النص: "إذ تبرأ الذين اتُبعوا من الذين اتَبعوا ورأوا العذاب" ويستطرد النص بمختصر مفيد "وتقطّعت بهم" أي عنهم الأسباب والصلات، ويكتمل الموقف حين يستنطق رب العالمين، أولئك الذين تبرأ منهم أولياؤهم فيجعلهم يقولون بحسرة في تكملة الآية".. لو أن لنا كَرَّة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا، كذلك يريهم الله أعمالهم حَسَرات عليهم، وما هم بخارجين من النار"!

النار هنا، في سياقنا السلطوي، هي تلك التي يكتوي بها المغدورون حتى الموت. فضحايا الإقالة والتهميش، يزمجرون في مجالسهم وينفّسون عن المكبوت أو المخبوء، لكن فاعلية ما يستهلكون به أوقاتهم، لا تزيد من الوجهة العملية، عن فاعلية أولئك الذين قالوا، بعد أن تبرأ منهم قادتهم، لو إن لنا كَرَةً فنتبرأ منهم مثلما تبرأوا منا، بينما في الواقع، لا تعود عجلة الزمن الى الوراء.

مرت أنباء إقالات متعثرة، أنجزت جزئياً على مستوى الشكل، وكلياً في الممارسة، لكنها لم تستطع محو عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عن المُقال، لأن المحو، يتطلب امتلاء لوح المجلس الوطني الفلسطيني، صاحب القرار، في دورة انعقاد فائضة.

لذا، يتطلب الأمر، محو المجلس نفسه، لكون حضوره لا يتجسد بغير الانعقاد، وبالتالي لا انعقاد. وربما تكون الظروف والأكلاف هي الذريعة، علماً بأن رحلات سلطوية متكررة، الى أمريكا اللاتينية والى سائر القارات، أكثر مشقة وأكثر كلفة.

كثيرون هم الذين قدموا ولاءات صافية لا تشوبها شائبة، ثم وجدوا أنفسهم مُحرجين أمام أولادهم وزوجاتهم، لأنهم باتوا بلا عمل. وليت أمر إقصائهم كان على قاعدة الأداء والمصلحة العامة. فقد جاءت غالبيتها العظمى، من خلفية لقطة أو جُرعة صغيرة من النميمة، ولو على سبيل الممازحة، طالت ولي الأمر أو أحد أبنائه.

وبعض الذين طُردوا من فردوس الدائرة الضيقة، لا زالوا يضربون أخماسهم في أسداسهم، وربما يحتاجون لضاربة في الودع، لكي تقول لهم أي الاحتمالات هي الأرجح، سبباً للإقالة أو التهميش. أحد شديدي التهذيب، ظل حائراً، واستعصى عليه تخليق احتمالات لسبب ما وقع عليه، ثم لم يجد سوى احتمال التنصت على الهاتف، فسُمع رأيه في خطأ سياسي أو إداري. وللقائم على منظومة التنصت، التي تدق الأسافين، مناعته، في مرحلة من الوقت، لكن المشهد العام، في كل الوقت، سيظل مسكوناً بالعجز والشك والثرثرة المريرة في المجالس، كأنما الناس تنتظر أن يبدل الله حالاً بحال!

أكرم الرجوب، الموالي بحماسة، يفقد منصبه الآن. اشتغلت التوقعات، وبدا الارتباك من خلال احتمالاتها. فلا يصح مثلاً، أن يُقال، كاحتمال، أن تغريدة له، على صفحة التواصل، انتقدت اللجنة المركزية، هي سبب الإقالة. لا يصح ذلك لسبب بسيط، يعرفه القاصي والداني، ويعرفه أعضاء اللجنة المركزية أنفسهم، وهو أن الرئيس عباس يقول في المركزية، ما لم يقله مالك في الخمر. ولا منطق في القول إن الرجل أقيل لأنه انسحب من حفل السامريين، بسبب وجود مستوطنين. فمن يرحب بمقاطعة الأروربيين لمنتجات المستوطنين، يفترض أنه لا ينزعج من مقاطعة المستوطنين أنفسهم وليس بضاعتهم وحسب. الأرجح أن محافظ نابلس، في احترابه مع الشباب الفتحاويين، أوقع جرحاً امتلاً صديداً، فيما وضع السلطة كله، لم يعد يحتمل المزيد من الأورام!

البث المباشر