يترقب هواة الفلك حدثاً نادراً في التاسع من شهر مايو/أيار المقبل يتعلق بمرور أصغر كواكب المجموعة الشمسية "عطارد" من أمام قرص الشمس، وذلك في حدث يتكرر 13 مرة في القرن.
وما يميز عطارد هو ذاته الذي يميز كوكب الزهرة، فكلاهما مداره يقع بين الأرض والشمس، ولذلك ففرصة عبورهما أمام قرص الشمس واردة بالنسبة للراصد على الأرض. غير أن الزهرة كما يُرى من الأرض يكبر عطارد بست مرات، ولذلك فإن فرصة رؤيته بالعين المجردة ممكنة إن استخدمنا الفلاتر المناسبة أو ما يُعرف بالنظارات الكسوفية التي تحجب أكثر من 99% من أشعة الشمس لتبقي لنا قرصا أصفر نقي الحواف بلا أشعة يحاط بسواد تام.
لكن الحال مع عطارد مختلف بعض الشيء، فإذا قارنا بين قطره وقطر الشمس فإن النسبة بينهما هي 180 مرة، أي أننا بحاجة إلى 180 قرصا بحجم عطارد مصفوفة في خط مستقيم لتغطي قطر قرص الشمس. ولذلك سيضطر الراصدون إلى استخدام وسائل بصرية أخرى مثل المناظير والتلسكوبات كي يحصلوا على التكبير الذي يساعدهم على رؤية هذا الحدث.
بل إن ظهور بقعة شمسية على سطح الشمس في يوم عبور عطارد سيعطي مقارنة واضحة بينهما، إذ يمكن للبقعة الشمسية أن تكون أكبر من عطارد بمرات، بخلاف أنها لن تغير موضعها على قرص الشمس في بضع ساعات كما سيفعل هو.
ويتميز هذا الحدث بأهميته ليس لهواة الفلك فحسب وإنما لعلماء الفلك أيضا، إذ يمكن من خلاله قياس تغير شدة إضاءة سطح الشمس بما يعرف بالرصد الفوتومتري، وكذلك قياس بعد عطارد بدقة شديدة ومعرفة مدة دورانه وحساب مداره الصحيح، وإن كانت جميعاً محسوبة مسبقا، غير أن الفلكيين يقومون بذلك في كل مرة تتاح لهم هذه الفرصة.
وسيبدأ حدث العبور في تمام الساعة الـ11 و12 دقيقة صباحا بالتوقيت العالمي أو الثانية مساء و12 دقيقة بتوقيت مكة المكرمة، ليبدأ عطارد بالزحف من الحافة الشرقية (يسار قرص الشمس) باتجاه الحافة الجنوبية الغربية للشمس، مستغرقا بذلك سبع ساعات ونصف الساعة، وهي الفترة الكاملة للكوكب أمام سطح الشمس.
ولن يشاهد الفترة الكاملة للعبور إلا سكان المغرب وموريتانيا بأفريقيا، وبلدان غرب أوروبا إضافة إلى المناطق الشرقية والوسطى من أميركا الشمالية وكندا ومعظم أميركا اللاتينية. أما بقية الدول العربية فستتراوح مدة رؤيتها للعبور بين سبع ساعات في ليبيا والجزائر، وثلاث ساعات في عُمان والإمارات وقطر. أما في بلاد الشام ومصر والعراق فيستمر العبور قرابة خمس ساعات، غير أن القاسم بينها جميعا أن الشمس ستغيب فيها قبل خروج عطارد من أمام سطح الشمس معلنا انتهاء العبور.
ويستخدم الراصدون الهواة طريقة الإسقاط الآمنة على العين لمتابعة هذا الحدث، وذلك بوضع ورقة بيضاء خلف العدسة العينية للتلسكوب وإسقاط صورة الشمس عليها، حيث سيظهر كل ما يشوب قرص الشمس من بقع شمسية إضافة إلى البقعة الصغيرة التي تمثل كوكب عطارد.
أما الفلكيون والهواة المحترفون فيستخدمون التلسكوبات الشمسية المزودة بفلتر الهيدروجين ألفا الذي يسمح برؤية كامل تفاصيل قرص الشمس، بما فيها البقع الشمسية والفتائل والتأججات المغناطيسية فضلا عن ألسنة اللهب التي تقذفها الشمس من أطرافها بحيث يمكن رؤية الكوكب حتى قبل وصوله وملامسته لقرص الشمس.
يُشار إلى أن آخر عبور لعطارد أمام الشمس كان في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2006، وسيكون العبور التالي له يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، قبل أن يغيب حتى عام 2032.
الجزيرة نت