بعد طول انتظار، قرر النظام المصري فتح معبر رفح ليومين فقط، بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة محمود عباس للقاهرة، وبعد أسابيع من وعودات مصرية لحماس بفتح المعبر، وفي وقت تشتد الأوضاع الاقتصادية صعوبةً في قطاع غزة، وفوق ذلك كله تتربع صعوبة الأوضاع الأمنية في سيناء.
ومن الواضح أن توقيت فتح المعبر لم يكن عشوائيا بناءً على المعطيات السابقة، وعليه، أراد النظام المصري ايصال عدة رسائل مهمة للأطراف المعنية، أولها للسلطة بالتأكيد على أنها الجهة الرسمية التي تمثل الفلسطينيين، ولحماس الا تعول كثيرا على التفاهمات الأخيرة مع جهاز المخابرات.
ولتشغيل المعبر فائدة اقتصادية شخصية أكثر منها رسمية، وهذا ما ظهرا جليا بإدخال كميات كبيرة من الاسمنت المصنع في منشآت الجيش المصري، عدا عن كميات من الخشب، صنفان يتعطش قطاع غزة لهما، إلا أن مرّد ذلك المؤكد ليس التنفيس على غزة، سيما أن المعبر لا يفتح إلا في المناسبات التي تحددها جهات متنفذة في النظام المصري.
قبل تشغيل المعبر بيوم، أبلغت السلطات المصرية، وزارة الداخلية بغزة، أنها لن تسمح بإدخال المسافرين المدرجين ضمن "التنسيقات المصرية" والذين في غالبيتهم دفعوا أموالا لوسطاء في الطرفين، بينما تصل الأموال في نهاية المطاف لضباط المخابرات والداخلية العاملين في المعبر.
ما سبق، كان فخا اتضحت صورته في نهاية اليوم الثاني من عمل المعبر، إذ استبدلت السلطات المصرية في اليوم الأول المطالبة بمسافري التنسيقات، بأن يجري ادخال المسافرين حاملي جواز السفر المصري قبل أي مسافر فلسطيني، وهذا ما تم فعلا.
ففي اليوم الأول كان ثلث المسافرين من أصحاب الجوازات المصرية، فيما سمحت بعد ذلك بإدخال 300 فلسطيني محتاج للسفر من فئات المرضى والطلبة.
وفي اليوم الثاني، تفاجئ الجانب الفلسطيني بأن طلبت المخابرات المصرية إدخال المسافرين أصحاب التنسيقات بعد ساعة من عمل المعبر، والبالغ عددهم 130 مسافرا –على الأقل-، وفي حال لم يتم تسهيل سفرهم، لن يدخل أي مسافر للجانب المصري من المعبر.
وبناءً على ما سبق، توقفت الحافلات المحملة بالمحتاجين للسفر والإسعافات على بوابة المعبر لمدة 7 ساعات إلى حين تم تحضير حافلات أصحاب التنسيقات، وإدخالهم.
وبالنظر للفائدة الاقتصادية، فإن إدخال 130 مسافرا من أصحاب التنسيقات، يدخل في جيوب المتنفذين في المعبر مبلغ قيمته 390 ألف دولار، على فرض الحد الأدنى للتنسيق 3000 $.
وظهر النظام المصري أمام الإعلام أنه ينفس عن قطاع غزة، في ظل تردي أحواله الاقتصادية في الآونة الأخيرة، إلا أن الحقيقة التي مفادها أن مصر فتحت المعبر 5 أيام فقط منذ بداية العام، ينسف محاولة كسب الملف إعلاميا.
وعلى الصعيد السياسي، فإن تزامن قرار تشغيل المعبر مع زيارة الرئيس محمود عباس، جاء بمثابة رسالة لحماس بأن السلطة هي الممثل الحصري والشرعي للشعب الفلسطيني، بعد التقارب الأخير بين المخابرات المصرية و الحركة .
وكذلك رسالة لحركة حماس بأن لا تنتظر كثيرا من مصر بعد اللقاءات التي حصلت بينها وبين قيادة المخابرات في مارس الماضي، رغم أن حماس التزمت ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين.
وعلى أي حال، يبدو أن مصير قطاع غزة أن يبقى تحت حصار متعدد الأوجه والجهات المنفذة، مع نكأ آلامه بين الفينة والأخرى بتقديم تسهيلات وسحبها مجددا، أو إعطاء وعودات، سرعان ما تذهب أدراج الرياح، مع التأكيد على أن الوقت ليس في صالح الأطراف المعادية لغزة، طالما أن الرسالة ما زالت حاضرة "رفع الحصار أو الإنفجار".