بصوت خافت أنهكه الوجع بدأت أم الطفل شادي فراح "أصغر أسير مقدسي"، تروي حكايات الألم التي نسجتها قسوة الفراق، بعد أن اختطفت قوات الاحتلال الاسرائيلي طفلها عنوة، وهو يلهو ويلعب أثناء عودته من مدرسته.
براءة الطفل "فراح" لم تشفع له وليديه الناعمتين من التكبيل "بالكلبشات"، فمنذ اعتقاله وهو يعيش ظروفا قاسية داخل إحدى مؤسسات الاحتلال التي يحتجز فيها الأطفال، شمال فلسطين المحتلة.
لا تجد أم الطفل شادي الذي لم يتجاوز الـ(12 عاما) طعماً للراحة والنوم بعد اعتقال فلذة كبدها، فهي تسمع صوته كل ليلة يناديها، وعن ذلك تقول "أستيقظ من منامي كل ليلة على صوته وهو يرن في أذني ويناديني لكني لا أملك له نفعاً، حياتنا جحيم بدون شادي، أفكر كيف أنام وابني بين جنائيين بعضهم معتقل على قضايا قتل ومخدرات وسرقة".
تندب الأم الثلاثينية حظها فهي لم تتمكن من زيارة طفلها البكر منذ ثلاثة أشهر ونصف بحجة أنها لا تحمل هوية مقدسية، ويكتفي الاحتلال بالسماح لها إجراء مكالمتين لا تتجاوز العشر دقائق كل أسبوع فقط.
حكاية اختطاف الطفل شادي بدأت عند عودته من مدرسته "دار المعرفة" في حي كفر عقب، برفقة صديقه أحمد الزعتري فهاجمهما جنود الاحتلال واعتقلوهما بتهمة حيازة سكاكين.
ويمكث الأسير الطفل فراح في المعتقل منذ تاريخ 29 من شهر كانون الثاني العام الماضي، حيث تعرض بداية اعتقاله لأسبوع قاس من التعذيب لنزع الاعترافات منه داخل سجن المسكوبية، وفي كل جلسة محاكمة يعمد الاحتلال تأجيلها لكسب الوقت طمعاً في أن يبلغ سن الـ14 عاما ليتمكنوا من محاكمته، وفق ما تقول والدته.
أساليب قاسية تعرض لها الأسير الطفل، في أول أيام اعتقاله أجبره المحققون خلالها على خلع جميع ملابسه وسكب الماء البارد على جسده تزامنا مع انخفاض درجات الحرارة في فصل الشتاء الماضي، إلى جانب إجباره على الاعتراف بأفعال لم يرتكبها، كما تذكر والدته.
وتضيف أم شادي "في الجلسة الأولى لمحاكمته طلب منا القاضي إحضار كفلاء ودفع كفالة للإفراج عنه، وفعلنا ذلك، لكن تفاجأنا في الجلسة الثانية بتغير القاضي والمدعي العام وتغير مجرى المحاكمة، وما زالت كل جلسة تؤجل حتى بلغ عددها 15 جلسة منذ اعتقاله يجري تأجيلها دون ذكر أي أسباب للتأجيل".
تصمت والدة شادي برهة ثم تجهش بالبكاء على ما حل بطفلها الذي كان جل تفكيره بدراسته واللعب واللهو، وتكمل "بات لا يعرف النوم ويحدثني في كل اتصال عن ظروف اعتقاله الصعبة، فهو داخل غرفة لا يُسمح له الخروج منها".
ورغم محاولات أم شادي لحث طفلها على التأقلم مع ظروف السجن وإرسالها له بعض الكتب والقصص إلا أن ما يحيط بشادي من معتقلين "اسرائيليين" جنائيين لا يجعله ينام خشية على نفسه، كما تحدث والدته.
وبنبرة حزن تستذكر أم الأسير شادي حياة طفلها، فتروي أنه كان مجتهداً في مدرسته وصاحب حضور قوي في البيت فهو أكبر أشقائه الثلاثة الذكور وتكبره شقيقتان. وتأمل أم شادي أن تكحل عينيها العطشى برؤية طفلها والإفراج عنه، مكذبة جميع ادعاءات الاحتلال بأنه كان يحمل سكينا، داعية في الوقت ذاته المنظمات الدولية للتدخل وإطلاق سراح نجلها.
وتحتجز سلطات الاحتلال في معتقلاتها نحو 400 طفل، يعيشون ظروفًا صحية وإنسانية قاسية، وينتظر عدد منهم أحكامًا عالية قد تصل إلى المؤبد.