قائد الطوفان قائد الطوفان

حاليًا في الأسواق.. مزروعات مشبعة بالسموم

هذه الصورة تعبيرية ولا تدل على مزورعات مسمومة
هذه الصورة تعبيرية ولا تدل على مزورعات مسمومة

الرسالة نت - مها شهوان

قضت عائلة المزارع أبو خالد ليلتها في قسم الاستقبال بمستشفى الشفاء بعدما أثبتت الفحوصات الطبية تسمم أفرادها السبعة إثر تناولهم بطيخ قبل انتهاء فترة الأمان للمادة الكيمياوية "النيماكور" التي استخدمها والدهم في زراعة البطيخ لينطبق عليه المثل الشعبي الدارج "طباخ السم بيدوقه".

وفترة الأمان هي مدة زمنية محددة قبل قطف المحصول الزراعي وفق آخر رشة للمادة الكيمياوية المستخدمة وطرحه للاستخدام الآدمي، حيث تختلف من محصول لآخر.

وبحسب الابن "خالد"، فإن ما حدث معهم "قضاء وقدر"، وأن الأمر مجرد "حالة تسمم عادية"، متبعاً قوله بثقة: "في حال اتبعنا التعليمات الآمنة لقطف المحصول لن نخسر، ولن تبور مزروعاتنا".

هذه واحدة من الحالات التي وجدتها "الرسالة نت" خلال استقصائها حول الأضرار التي تسببها المبيدات الزراعية للنبات والإنسان على حد سواء، لاسيما وأنه في الآونة الاخيرة كثر الحديث عن اتلاف عشرات الدونمات الزراعية لعدم التزام المزارعين بالمعايير التي تضعها وزارة الزراعة.

وخلال جولة على بعض المزارعين شمال القطاع وشرقه، جميعهم نفوا قيامهم بزراعة مساحة مخصصة لهم لبعض المزروعات العضوية الخالية من المبيدات الحشرية، إلا أن غالبيتهم اتهموا زملاءهم بأن لديهم أراضي مخصصة لزراعة احتياجاتهم البيتية من خضروات حرصاً على سلامتهم الصحية.

دراسة: المبيدات الزراعية تؤثر على دم الأطفال وحليب الأمهات

يرشون محاصيلهم بالفطرة

"الخيارة والحمار"، حكاية واقعية حدثت قبل أيام من إعداد التحقيق غرب مدينة غزة حينما كان بائع متجول على عربته ينادي على بضاعته فسقطت بعض حبات "الخيار" على الارض فسارع حماره بالتقاط واحدة، لكن صاحبه حاول جاهدا أن يخلصها منه، وقتئذ هلل الصغار "حرام خليه يأكلها"، فأجابهم دون وعي " بلاش يتسمم ويموت".

هذه الحادثة تؤكد جشع بعض المزارعين وتهورهم بحصد محصولهم المرشوش بالمبيدات الزراعية التي تضر الإنسان وعدم الصبر عليها حتى تنتهي فترة الأمان التي تعتبر مدة كافية ينتهي خلالها مفعول المبيد على المزروعات.

وتؤكد وزارة الزراعة على لسان أحمد أبو مسامح مدير دائرة المبيدات والمختبرات، أن لديها رقابة على المزارعين وما يضعونه على مزروعاتهم، إلا أن غالبيتهم يؤكدون عدم وجود الرقابة، وأنه في حال كان هناك تفتيش يتظاهر المزارع بالتزامه بالمعايير، وفور رحيل مندوب الوزارة يفعلون ما يشاؤون.

في حين يخبر المزارع محمود حبوش، أن غالبية المزارعين يرشون محاصيلهم كما تعلموا من ذويهم دون شهادة علمية(..) لغياب الرقابة من وزارة الزراعة على أرض الواقع سوى 30%، مضيفاً:" في حال قيام الوزارة بحملات تفتيشية يلتزم المزارع".

ويقول:" لا يستطع أي مزارع العمل دون استخدام المبيدات الزراعية، وذلك حفاظاً على النباتات من الحشرات التي تقتلها"، مبيناً أنه لا يأخذ أذنا من الوزارة عند شراء أي مبيد زراعي عدا "الميناكور" والغاز الذي يعد معقم للتربة.

وعن نفسه، يقول إنه "يقطف من مزروعاته ويأكلها بعد مسحها دون إصابته بأي شيء"، مفسرا ذلك بأن لديه مناعة، بالإضافة إلى أن هناك مبيدات مدة الأمان الخاصة فيها يوم أو يومان، وعلى ما يبدو فإن كثير من المزارعين يحذون حذوه.

ومن المزروعات التي يعاني منها المواطنون بعد شرائهم "الكوسا" التي يتحول لونها بعد وضعها بالثلاجة، يفسر المزارع حبوش ذلك بأن بعض المزارعين يستعجلون عرضها بالسوق ويضعونها في سبات بلاستيكي مما يؤدي إلى تجريحها فتتحول إلى لون أصفر مع قليل من السواد لكن ذلك لا علاقة له بالمبيد الزراعي.

عشوائية استخدام المبيدات 

وكانت دراسة أعدتها الباحثة ناريمان العطاونة حول المبيدات الزراعية وأثرها على الصحة، خلصت إلى العديد من النتائج التي يمكن الاستفادة منها في الحفاظ على معدل إنتاج متزن من الغذاء الآمن صحياً وبدون إلحاق الضرر بالبيئة في محافظات غزة.

مزارعون: لدينا وعي بما نستخدمه من المبيدات ولا نملك مزروعات عضوية

وخلال دراسة الباحثة العطاونة، وصلت إلى أن هناك أمراض سببتها المبيدات الزراعية على صحة الإنسان منها تلوث بلازما الدم وحليب الأمهات والمنتجات الزراعية المصدرة والمستوردة والمحلية بمتبقيات المبيدات والتي تشكل تهديداً كبيراً على صحة المواطن.

وبحسب دارستها، فإنها أظهرت 15 عينة من حليب الأمهات مصابة بالمبيدات العضوية "الكلورينية" من مجموعة الد.د.ت P,P -DDE بنسبة (32.6%) ومبيد  P,P-DDD بنسبة (2.1%). وأخبرت الباحثة "الرسالة" أنها فور فحصها لبعض الأمهات المرضعات أخبرتهن بالتوقف عن الرضاعة بسبب تلوث حليبهن حفاظاً على أطفالهن الصغار، مشيرة إلى أن الكثير منهن تجاوبن معها وبدأن بمراجعة الطبيب.

ومن الأمراض التي اكتشفتها العطاونة وفق دراستها، ارتفاع عدد مرضى الكلى المزمن في محافظات غزة، إذ بلغ 567 حالة لعام 2014، وذلك بزيادة ملحوظة عن العام السابق وقدرها "105" حالة جديدة، كما أشارت لوجود مشاكل في وظائف الكلى والكبد لدى أكثر من عشرين مزارعاً.

وترد العطاونة على من يشكك بصحة دراستها:" بإمكانكم أخذ عينات من المزارعين وفحصها، لست مضطرة إلى تحديد أسماء المرضى الذين كشفتهم دراستي، فتلك أمانة لا يمكن افشاؤها"، مطالبة بإعادة النظر بقانون وزارة الزراعة الخاص بعقوبات استخدام المبيدات والإتجار بها، وتحديث التشريعات الخاصة بلائحة المبيدات وتشكيل لجنة إدارية فنية بيئية صحية لكي يتم من خلالها تنظيم تداول المبيدات في قطاع غزة.

والدليل على ضرورة وجود تشريعات تضبط تداول المبيدات، هو ما تحدث به بعض المزارعين "للرسالة" بأنهم يرشون مزروعاتهم بالمبيدات التي يحددونها حسب خبراتهم دون الرجوع لوزارة الزراعة، غير آبهين لأي قرار تتخذه ضدهم لدرجة أن أحدهم علق بالقول متهكما "ماذا ستفعل لنا الوزارة في حال خالفنا المعايير".

كما ودعت العطاونة في دراستها وزارة الصحة إلى تشكيل لجنة لمتابعة أداء الجهات المختصة، داعية إلى تقليل كمية استيراد المبيدات ومنعها من إدخال المبيدات المسرطنة لما لها من أثر على صحة المواطن، وليتسنى لها الوقوف على الأسباب الحقيقية لزيادة العديد من الأمراض في محافظات غزة.

المبيدات ما بين مسموح ومقيد

وخلال تواجد "الرسالة نت " في سوق فراس داخل أحد المحلات المختصة ببيع المبيدات "الزراعية" تحدثت إلى أحد المزارعين الذي جاء لشراء مبيد "النيماكور" دون إذن الوزارة بخلاف ما هو متعارف عليه، وبسعر مختلف. يقول مكتفيا بكنيته "أبو اسماعيل" أنه تعرض لحالة تسمم حينما كان يضع أنبوبا خاصا برش المبيدات على ظهره، وحينما بدأ عملية رش مادة "لانيت" السامة جداً الممنوعة من وزارة الزراعة، بدأت تسيل على ظهره مما أفقده توازنه وسقط مغشياً عليه نتيجة تسممه، لعدم ارتدائه البدلة والكمامة المخصصتين للرش.

وذكر "أبو اسماعيل" أنه ليس وحده من يرش مزروعاته دون ارتداء البدلة المخصصة، نافيا وجود حالات سرطان أو أية أمراض أخرى عنده وأفراد أسرته ومعارفه نتيجة عملهم في الزراعة.

الزراعة: كبر حجم المحاصيل ليس دليلا على سُميتُها

ولم يخف المزارع، أن لديه قطعة زراعية مساحتها مئتي متر جميع المحصولات فيها عضوية، وذلك للاستخدام المنزلي، نافيا أنه يغش المواطنين عند عرض بضاعته بالسوق، موضحاً أنه لا يستطيع زراعة أراضيه عضوياً خشية الخسائر التي قد تحل عليه، عدا عن أن هناك حشرات قد تقتل المزروعات ولا علاج لها سوى المبيد، في حين لو قتلت مزروعاته الخاصة لن يؤثر عليه مادياً كالمخصصة للبيع.

وتأكيداً على جهل بعض المزارعين رغم تحذيرات وزارتي الصحة والزراعة لهم بضرورة اتباع الطرق السليمة، تحدث نزار أبو حليمة مدير مبيعات في شركة سهيل أبو حليمة، أنه قبل أيام جاءه أحد المزارعين يريد مبيد "روفاست"، وهو يقاوم حشرة موجودة في جميع أنواع الخضار، وكان المهندس الاسرائيلي الذي يتعاون معه في جلب بضاعتهم قد حذر من استعماله بطريقة عشوائية كونه يؤثر على الجهاز التنفسي، إلا أن المزارع لم يكترث للأمر.

تاجر مبيدات حشرية: يتم تهريب بعض المبيدات المقيدة إلى قطاع غزة

ويؤكد التاجر أبو حليمة أنه لا يبيع مادة "النيماكور" التي كثر الحديث عنها في الفترة الأخيرة، إلا بإذن من وزارة الصحة، مشيرا إلى أن بعض التجار قد يبيعونها دون إذن الوزارة عدا عن تهريبهم لمبيدات ممنوع إدخالها لقطاع غزة، حيث يتم وضعها بين بضائع أخرى.

ومن الجدير ذكره أن هناك مصدرين لشراء تلك المبيدات الزراعية المستخدمة لرش النباتات، الأول الشركات الاسرائيلية والثانية الفلسطينية المتواجدة في الضفة، وقبل إدخالها لابد من موافقة وزارة الزراعة التي تحدد المسموح والمقيد الذي يمنع إدخاله لما فيه من ضرر على المزروعات وصحة الإنسان.

هنا يعلق التاجر أبو حليمة، أنه في حال نفدت كمية المبيدات في محله واحتاج إلى أخرى، يقوم بتقديم أوراق ثبوتية لوزارة الزراعة تثبت نفاد الكمية وبيعها للمزارعين حتى يتمكن من إدخال أخرى، مبينا أن ما يثار عبر وسائل الاعلام بشأن قيام المزارعين بتخصيص أراض زراعية لهم تعتمد على الزراعة العضوية، بأن ذلك لا يشكل سوى 1% فقط، وأن هذا الأمر كان يثير استغرابه عند التحاقه بدورات تعقدها بعض المؤسسات الزراعية.

لكن يوسف أبو مايلة الخبير البيئي، وهو أستاذ في جامعة الازهر أفاد "الرسالة نت" أن بعض طلبته أكدوا له تخصيص مساحات زراعية لعائلاتهم تعتمد على الزراعة العضوية، الأمر الذي يؤكد وعي بعض المزارعين للأمراض التي تسببها المبيدات الزراعية.

في حين ورغم تأكيد بعض المزارعين تخصيص مساحة زراعية للمزروعات العضوية لاستعمالهم البيتي، يشير أحمد أبو مسامح مدير دائرة المبيدات والمختبرات بوزارة الزراعة خلال حديثه مع "الرسالة نت" إلى أن هذه إشاعة مبالغ فيها، مبررا ذلك بأنه مهما كانت الاحتياطات التي يتخذها المزارع إلا أن ثقافة بعضهم لاتزال تدفعهم لأكل المرشوش أكثر من العضوي.

خبير بيئي: ضرورة وجود قيود ورقابة على استعمال المزارعين للمبيدات

ويعود أبو حليمة للقول إنه من خلال احتكاكه بالتجار يرى، أن بعض المزارعين لديهم وعي وذلك يبدو جلياً عند سؤالهم عن المبيد وفترة الأمان الخاصة به وأضراره على النبات والإنسان، مضيفاً أن بعض المزارعين يرغبون بمبيدات ذات فعالية عالية لإنتاج كبير دون الاهتمام لفترة الأمان الخاصة بالمبيد".

المبيدات وعقم الرجال

ولمعرفة الأضرار البيئية جراء استخدام المبيدات الزراعية للمزروعات وتداولها في الأسواق لتصل إلى المواطن، يقول الخبير البيئي أبو مايلة:" بعض المزارعين يستخدمون المبيدات المسموح بها من قبل وزارة الزراعة بشكل غير علمي مما يسبب تلوث للبيئة ومياه الأمطار التي تنجرف إلى البحر وتؤثر على الثروة السمكية".

ويوضح ذلك بالإشارة إلى أن المبيدات من خلال تساقط رذاذها وترسبها بفعل الأمطار ومياه الري والصرف الصحي تصل إلى البحر فتؤثر على الكائنات الحية فيها كالقشريات والأسماك الصغيرة، كونها تصبح غذاء للأسماك الكبيرة والطيور التي تشكل جزءا رئيسيا لغذاء الانسان.

وأشار إلى أن جميع الدراسات البيئية تشير إلى خطورة التسممات الناشئة عن المبيدات الحشرية وتأثيرها على تلوث البيئة، كونها مكونات كيميائية غريبة عن البيئة فتؤثر فيها، وتتأثر مكوناتها من خلال المساعدات التي تسلكها في الوسط البيئي.

ونوه الخبير البيئي إلى أنه بعد رش المبيدات يتعرض الانسان للمبيد المترسب بنسبة تصل إلى 95% من خلال التغذية على النباتات واللحوم الملوثة، بالإضافة إلى نسبة 5% عن طريق مياه الشرب. ووفق متابعته فإن بعض المبيدات ذات أثر تراكمي تزداد آثارها السمية تلك التي يدخل الكلور في تكوينها، مشيرا إلى أن بقايا المبيدات تبقى على الخضار والفواكه بعد قطفها كالخس والخيار والكوسا والتفاح وغيره، نظرا لأن المزارع يريد كمية كبيرة وانتاجا أكبر من المحصول.

ودعا ربات البيوت، عند استخدام الخضراوات والفاكهة بوضعها في ماء دافئ وملح مدة عشر دقائق ثم شطفها ولاستخدامها في اعداد الطعام.

كما يعزو أبو مايلة زيادة استخدام كميات كبيرة من المبيدات الحشرية على المزروعات إلى ظهور آفات حشرية جديدة لم تكن بالسابق والمبيدات القديمة لم تعد تعطي النتائج المرجوة منها.

وعن الأضرار المباشرة التي تسببها المبيدات الحشرية يقول" أقلها جملة "مبيدات وسرطانات" وتأتي من خلال اللمس أو الاستنشاق"، لذا لا بد من وجود رقابة وقيود على استعمال الضار منها، أما غير المباشرة عن طريق استهلاك المواد الغذائية والماء والهواء الملوث بآثار المبيدات.

وبحسب ملاحظته كخبير بيئي، يرى أبو مايلة أن مشاكل الرئة والجهاز التنفسي وتليف الكبد وأمراض الكلى والدرن أيضا جميعها بسبب الاستخدام غير الصحيح للمبيدات الزراعية، لافتا إلى أن المزروعات المشبعة بالمبيدات قد تصيب بالعقم عند الرجال وتشوهات في الجنين للحوامل، وهذا ما جاء في تحقيق سابق نشرته "الرسالة" العام الماضي عن أسباب زيادة العقم في قطاع غزة.

ودعا إلى منع استيراد المبيدات العالية السمية والمحرمة دوليا، بالإضافة إلى تفعيل مراكز الحجر الزراعي للنباتات لمنع ادخال المزروعات المصابة والملوثة.

 المبيدات الحشرية سامة

مطلع العام الحالي أبادت وزارة الزراعة نحو ألف دونم وأكثر لمحصول الخيار، وقبلها "البطيخ" والكوسا وذلك لاستخدام المزارع مادة "النيماكور" بطريقة غير صحيحة ومحاولة حصده قبل موعده المحدد، الأمر الذي عزاه خبراء في الشأن البيئي ومزارعون إلى غياب الدور الرقابي للوزارة قبل عملية الزراعة.

جملة من التساؤلات طرحتها "الرسالة" على أحمد أبو مسامح مدير دائرة المبيدات والمختبرات بوزارة الزراعة، لمعرفة سبب عشوائية انتشار المبيدات بين المزارعين واستخدامها بطريقة تضر البيئة والانسان، حيث يقول:" المبيدات الحشرية هي أدوية سامة تتعامل مع مركبات لها تأثير سام على الانسان والكائنات الحية الأخرى(..) صنعت المبيدات لمكافحة الآفات الزراعية التي تؤثر على الانتاج الزراعي، لذا من الطبيعي أن تستخدم شريحة كبيرة من المزارعين المبيدات الزراعية للقضاء على الآفات التي تنهك مزروعاتهم".

وأوضح أن هناك ثلاث أنواع من المبيدات الحشرية، "مسموحة، ممنوعة، مقيدة" فالأخيرة لا يمكن أن يستخدمها المزارع إلا بإذن من وزارة الزراعة فبعد التأكد من حاجة المزارع لها يتم منحه اياها بشرط التعامل معها وفق المعايير المتعارف عليها كمادة "النيماكور".

الصحة: تراكم المبيدات تهدد صحة الإنسان على المدى البعيد

وبحسب قوله فإن المبيدات المقيدة لها تأثير سلبي على صحة الانسان والبيئة نتيجة استخدامها الخاطئ، لكن في حال التزم المزارع بشروطها سيكون بمنأى عن الخطأ.

وينفي أبو مسامح، دخول مبيدات بطريقة عشوائية كما السابق حينما كانت الأنفاق بين مصر وقطاع غزة مفتوحة، مشيرا إلى أن كل مبيد حشري يدخل القطاع يسجل لدى وزارة الزراعة ويحدد آلية استخدامه.

والجدير ذكره أنه خلال تشديد الحصار وقت انتعاش الانفاق دخل قطاع غزة عدد من المبيدات الحشرية ليستخدمها المزارعون لكن ليست بالجودة التي اعتادوا عليها، وفق مدير دائرة المبيدات والمختبرات بوزارة الزراعة.

وعن الامكانيات المتوفرة بوزارة الزراعة لفحص المبيد الذي يدخل قطاع غزة ويستخدمه المزارعون يقول أبو مسامح:" لا يوجد لدينا الامكانيات لكن نعتمد على المسموح به في الداخل المحتل كون الاسرائيليين يدخلون إلينا ما هو مسموح لهم كونهم يفحصونه بمختبراتهم المجهزة".

وفي الوقت ذاته تمتلك وزارة الزراعة مختبرا للمبيدات مهمته فحص جودتها لمعرفة المغشوش منها أو من اقتربت فعاليته على الانتهاء، وفي حال تم تجهيز مختبر بإمكانيات عالية سيتم حل 90% من مشاكل الرقابة، وفق قول مدير دائرة المبيدات والمختبرات.

وعن عشوائية استخدام المزارعين للمبيدات الزراعية وعدم مراعاة البعض منهم لفترة أمان المحصول عند قطفه، يعلق "تلوث المزروعات لا يعود لفساد المزارعين كما يزعم البعض بل لوجود أصناف عديدة من المحاصيل على مدار السنة فهي تخضع لتهجين وتخرج بمحصول جديد ليس معهودا لدينا"، لافتا إلى أن كبر حجم المحاصيل "كالكوسا والخيار" لا علاقة له باستخدام المبيدات الزراعية أو سميتها.

وينكر عدد من المزارعين تعرضهم للتسمم بفعل المبيدات الزراعية، إلا أن أبو مسامح أكد أنه في مرات عدة تتصل مستشفيات القطاع لطلب المضاد للمبيد الذي تناوله المزارع عن طريق الخطأ، لافتا إلى أنهم يقومون بدور ارشادي توعية المزارع بضرورة ارتداء "الافرهول" الخاص بعملية الرش وكذلك وضع الكمامة وعدم التدخين أو تناول الطعام، عدا عن توعيتهم بكيفية التخلص من العبوات الفارغة أو المبيد المنتهية صلاحيته.

*متبقيات المبيدات وخطورتها

ورغم حاجة المحاصيل الزراعية إلى مبيدات حشرية تطرد الآفات التي تتغول فيها وتقتلها، إلا أن ذلك له أضرار صحية جمة كما يقول سامي لبد مدير مختبر الصحة العامة، مؤكدا أن المبيدات كافة لها تأثير سلبي على الانسان فهو يأخذها بالدرجة الأولى من خلال الغذاء النباتي.

ويوضح لبد ما سبق بأن الدراسات تثبت أن نحو 50% من الكمية المرشوشة من المبيدات تبقى في التربة مما يؤدي إلى تلوثها بكميات هائلة وكبيرة بمختلف أنواع المبيدات, مرجعا خطورة تلوث التربة إلى بقاء المبيدات في التربة لعدة سنوات بينما تبقى على سطح النبات لمدة 21 - 30 يوما.

وتطرق الى مادة النيماكور التي اصبحت مؤخرا حديث الساعة قائلا: "خطورتها تكمن في أنها تبقى في التربة ويمتصها النبات ويحدث تراكم"، مشيرا إلى أنه في الآونة الاخيرة تم ادخال جهاز لفحص متبقيات المبيدات  في النباتات حيث تم توفير جهاز من خلال المنحة القطرية .

وبحسب قول لبد، فإن التراكمات أيضا تؤثر على المدى البعيد على الجهاز العصبي أو الذاكرة لدى كبار السن والذكاء عند الاطفال، موضحا أنها تظهر في صورة تحفيز تكاثر الخلايا السرطانية في الجسم.

وفيما يتعلق بآلية تأثير المبيدات على جسم الانسان يفسر مدير مختبر الصحة العامة بوزارة الصحة، أن الجسم يقوم بتخزين بقايا المبيدات التي لا يمكنه هدمها او اخراجها حتى يصل تركيزها بالتراكم يوما بعد يوم الى التركيز الضار الذي قد يصل بالإنسان للفشل الكلوي والكبدي والسرطان وبخاصة سرطان الدم (اللوكيميا) ودلالة ذلك هو احتواء الدم على آثار مبيدات منع استخدامها منذ سنوات مما يؤكد تخزينها على مر الايام والسنين.

ونوه لبد إلى أن اللحوم والمنتجات المشتقة من دهون الحيوانات تحتوي على أعلى تركيز لبقايا المبيدات (لأن المبيدات تذوب في الدهون)، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن معظم أنواع المبيدات لا تتأثر بالطبخ لأنها مركبات عالية الثبات حيث لا تتأثر بالحرارة ولذلك فإن أغلبية المبيدات التي تدخل الجسم عن طريق الغذاء (اللبن من الأغذية التي نادرا ما تكون خالية من المبيدات).

وأشار إلى أن تراكم المبيدات في الأنسجة والمناطق الذهنية والتي تمثل 18٪ من وزن الجسم ولذلك تتسرب المبيدات إلى كل خلية من خلايا الجسم (لأن الدهون أحد مكونات أغشية الخلية) وبالتالي تؤثر المبيدات على عملية الأكسدة وإنتاج الطاقة وهما من أكثر الوظائف الحيوية داخل الخلية ولذلك إذا تأثرت أحدهما تتوقف الحياة ويرجع ذلك لتأثير المبيدات على الإنزيمات التي تقوم بهذه العمليات.

لا يقتصر تأثير المبيدات الحشرية ومتبقياتها على اصابة الانسان بمرض السرطان والكلى والكبد فقط، وهنا ينوه لبد إلى أنه من ضمن اضرارها قيامها بتحطيم قدرة الخلية على الانقسام الطبيعي في الإنسان، وبالتالي تحدث تغيرات في الجينات التي تحمل الصفات الوراثية فتظهر صفات جديدة في الأجيال الطفرة أو تقتل الخلية مباشرة وتصبح خلايا خبيثة سرطانية.

ولفت إلى أن المزارعين وعوائلهم أكثر عرضة لاستنشاق رذاذ المبيدات، لذلك يتطلب الأمر دراسة لإثبات أن المناطق الزراعية عرضة للأمراض التي تسببها متبقيات المبيدات أكثر من المدن.

واعتبر لبد، أن عدم مراعاة احتياط الأمان والسلامة للمزارعين يؤدي إلى أن يكون المزارع نفسه عرضة للمرض حتى لو خصص له أرضا للزراعة العضوية " دون مبيدات" فهو من خلال اهماله في التعاطي مع المبيدات دون ارتداء لباس معين سيؤدي إلى تلوثه مباشره.

وعن دورهم في وزارة الصحة بمتابعة المحاصيل الزراعية ومدى مطابقتها للمواصفات أوضح لبد أن دورهم يقتصر على مراقبة الاغذية الجاهزة بشكل عام، مبينا أنهم يقومون بشكل جزئي بمراقبة الخضار والفاكهة وفحصها من "الكوليرا"، والسالمونيلا المسئولة عن امراض خطيرة للجسم وعلى راسها التسمم الغذائي والتيفوئيد.

ويشير إلى أن الجانب الاسرائيلي لديه أجهزة فحص للمبيدات ويرفض إدخالها إذا كانت خطيرة، في حين لا يتم فحص المزروعات التي تأتي من الداخل المحتل لقلة استخدام المبيدات الحشرية.

وبعد طرق أبواب الجهات ذات العلاقة وتسليط الضوء على خطورة المبيدات الحشرية التي تصل بقاياها إلى الانسان بعد تناوله الخضار والفاكهة التي يروجها المزارع في الاسواق، لابد من تفعيل القوانين وتشديد الرقابة على استخدام تلك المبيدات التي تسبب الامراض وقد تقضي على حياة الانسان.

البث المباشر