تتجه أنظار المراقبين والمتابعين صوب الحدود المختلفة لقطاع غزة لمراقبة حالة الهدوء التي تخيم في أعقاب عمليات التراشق الناري التي استمرت لعدة أيام بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
وتتضارب التقديرات بعد العمليات الأخيرة بشأن مستقبل التهدئة بين حماس " وإسرائيل "، لكن ما تؤشر له الأحداث ومعطياتها ينبئ بأن الطرفين لا يريدان التصعيد وأن موجة التوتر الأخيرة عبارة عن "تبادل رسائل محسوبة دون إغفال أن معطيات الميدان وتقلباته الدائمة تلعب الدور الأكبر في صوغ معادلة الشدّ والجذب بين الطرفين.
وقد أجمعت فصائل المقاومة بشتى ألوانها واختلافاتها السياسية، على أن الوضع السياسي القائم في ظل استمرار حالة الحصار ومنع إدخال مواد البناء إلى القطاع المحاصر بما يعطل إعادة الاعمار، من شأنه أن يفجر الأوضاع في القطاع، ويعيد المواجهة من جديد.
موجة التصعيد الأخيرة بين الطرفين أقرب الى تبادل رسائل وليس مقدمة لحرب، وآية ذلك محدودية العمليات العسكرية والضحايا البشرية التي أوقعتها، ومحدودية الرد العسكري الفلسطيني المقاوم والذي اقتصر على عدد محدود من قذائف الهاون لم توقع أي إصابة ولم تلحق أضراراً تذكر.
ولفت محلل الشئون العسكرية في صحيفة "هآرتس" العبرية عاموس هرئيل إلى أن ما جرى أقرب إلى الرسائل المتبادلة، ولكنه بلغة أخرى في محاولة من حماس و"إسرائيل" لتجديد ميزان الردع الذي رسم في أعقاب الحرب الأخيرة.
التعاطي السياسي مع العمليات بين الطرفين وفقا للمراقبين لم يختلف، بل جاء بنفس الوتيرة ليؤكد نفس الفهم بان ما يجري "أقرب الى رسائل متبادلة ....".
وفي كل الأحوال، فإن جولة التصعيد الأخيرة ليست الأولى من نوعها منذ ابرام اتفاق التهدئة بعد الحرب الأخيرة، طوال تلك الفترة ظلت المقاومة الفلسطينية تتبع استراتيجية "خرق مقابل خرق"، وهي عمليات تكتيكية يسعى كل طرف من خلالها إلى إثبات جاهزيته واستعداده للمواجهة.
ثمة معطيات تشير إلى أن كل طرف يستبطن عدم نيته التصعيد والاتجاه لتثبيت التهدئة الهشة، فإسرائيل وعلى أكثر من مستوى سياسي أكدت بأن لا تخطيط ولا نية لديها لتوسيع العمليات العسكرية أو تطويرها إلى عدوان شامل على غرار عدوان عام 2014.
والعامل الرئيسي الكامن وراء عدم رغبتها بالتصعيد هو ارتياحها لوضع القضية الفلسطينية في موقع متأخر جدا في سلم اهتمامات الوضع العربي رسميا، وشعبيا أيضا، وليس من مصلحتها شن عدوان جديد يعيدها الى مقدمة الاهتمامات.
في الوقت ذاته، فإن شن مواجهة على القطاع حتى لو بدون إعادة احتلال القطاع ستعني تكبيد الجيش والمستوطنين خسائر كبيرة، ناهيك عن أن الجيش قد ألزم نفسه بإخلاء المستوطنين من غلاف غزة إلى عمق الكيان الصهيوني أثناء الحرب، وهو ما يرفضه المستوطنون.
لذلك فهي تحرص كما يشير المراقبون على التأكيد ان تقتصر عملياتها فقط على تدمير الأنفاق التي بنتها حركة "حماس" والمواقع المتعلقة بها وبإدارتها، بما يعزز امن مواطنيها، بالذات في المناطق الحدودية مع القطاع، وبما يقود أيضا الى فرض توازن ردع جديد. خصوصا وان العمليات تترافق مع تفاخرها بإعلان التوصل الى وسائل تكنولوجية تمكنها من كشف الأنفاق تمهيداً لتدميرها.
حركة حماس بالمقابل لا تبدو متحمسة للحرب أيضا رغم انها مستعدة لكافة الخيارات، وفي أكثر من مؤشر وتصريح من مسؤولين اكدت على موقف ورؤية مشابهة بأن لا نية لديها لأي تصعيد في الوقت الراهن.
المؤشر الأول جاء في تغريدة للقيادي في الحركة موسى ابو مرزوق عن نجاح الجهود المصرية في محاصرة الأمر لصالح تثبيت اتفاق الهدنة ومن ثم توالت التصريحات من قبل قيادات الفصائل الفلسطينية.
كما قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس الدكتور خليل الحية:" نحن من جهتنا لا نريد التصعيد وملتزمون ببنود اتفاقية وقف إطلاق النار التي وقعت في القاهرة إبان العدوان على غزة صيف عام ٢٠١٤".
وعلى ضوء ذلك أجمع مراقبون سياسيون على أن التطورات الأخيرة لن تقود إلى سيناريو جديد من المواجهة العسكرية الشاملة أو الحرب، معللين ذلك بأن ليس من مصلحة (إسرائيل) والمقاومة الذهاب إلى حرب جديدة لاسيما وان تداعيات عدوان العام الماضي والذي استمر واحد وخمسين يوما مازالت قائمة.
لكن ثمة عوامل ربما تدفع باتجاه تآكل التهدئة وتجبر الطرفين الى المغامرة والدخول في مواجهة جديدة. فمنذ الحرب الأخيرة لم تتوقف الخروقات الإسرائيلية؛ لا يزال الصيادون الفلسطينيون يتعرضون للاستهداف المباشر والاعتقال في الحيز المائي المخصص لهم، ولا تزال التوغلات المحدودة على طول الشريط الحدودي مع القطاع متواصلة.
كذلك لا تزال المعابر الحدودية تغلق أبوابها أمام المؤن والبضائع، كما تواصل قوات الاحتلال منع دخول مواد البناء والاسمنت التي شلت عملية الاعمار ما دفع حركة حماس وجناحها العسكري للتحذير من الانفجار القادم.
خلاصة القول أن معطيات الميدان وتقلباته الدائمة تلعب الدور الأكبر في صياغة مستقبل التهدئة بين المقاومة و"إسرائيل".