نشأت في قطاع غزة ظاهرة ازدواجية المهنة المتمثلة بمزاولة أكثر من نشاط ذات مرد مالي في آن واحد، لدى موظفي غزة المستنكفين عن العمل منذ عام 2007، والذين يتقاضون رواتب بدون أداء عمل، إضافةً لدخولهم سوق العمل المحلي في عدد من المهن؛ مما حرم آلاف المواطنين والخريجين من فرص العمل.
تفاصيل القضية
ويبلغ عدد الموظفين الذين يتقاضون رواتب شهرية من السلطة في قطاع غزة 58 ألف موظفا، يشكل العسكريون 74% منهم، بعدد يبلغ 43.764 عسكريا، وفق إحصائيات حديثة حصلت عليها "الرسالة" من وزارة المالية في رام الله، مما استدعى الاهتمام بفئة العسكريين؛ لوضوح القانون الذي يمنع ازدواجية المهنة للعسكريين، عدا عن أنهم يشكلون النسبة الأكبر من الموظفين المستنكفين.
وبحسب إحصائيات ميدانية وأخرى تقريبية لدى وزارة الداخلية بغزة، اطلعت عليها "الرسالة" في قسم الشؤون القانونية في مكتب الوزير في غزة فإن أكثر من 30 ألف من موظفي غزة العسكريين والمستنكفين يعملون في مهن أخرى غير وظيفتهم الرسمية ضمن قيود السلطة الفلسطينية، بنسبة بلغت 70% من العدد الإجمالي للموظفين العسكريين.
وبالمقارنة مع واقع العمل في غزة، فإن 70% من عمال قطاع غزة يقبعون تحت خط الفقر والفقر المدقع، بينما وصلت نسبة البطالة في صفوفهم إلى 60% وفق احصائيات الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، حيث أصبح عدد المتعطلين عن العمل 213 ألف مواطن في غزة.
الاستطلاع الميداني
وبعد أسابيع طويلة من المتابعة والتحري، توصلت "الرسالة" إلى أن عسكريي غزة المستنكفين، اقتحموا غالبية المهن في قطاع غزة، في ظل عدم متابعة جادة من قبل الجهات الحكومية المختصة وفق ما صرح به عدد من المسؤولين في سياق التحقيق، مما أثر سلبا على سوق العمل، وتوزيع فرص العمل في سوق غزة المحلي.
- خلف: 70% من الموظفين المستنكفين يمارسون ازدواجية المهنة
في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، التقينا الموظف العسكري أحمد خالد -اسم مستعار- يبيع مواد تنظيف على "تكتك"، والذي عرف عن نفسه بأنه من ضمن القوائم المسماة "تفريغات 2005" والذين يتقاضون رواتبا أقل من 1500 شيكل، وتم تعيينهم خلال فترة الأحداث بين حركتي حماس وفتح.
وبالعودة إلى سجلات موظفي غزة المستنكفين المتوافرة لدى وزارة الداخلية بغزة، علمت "الرسالة" أن الموظف سابق الذكر ضمن فئة الضباط، ويتلقى راتبا يصل دون العلاوات إلى 3000 شيقل، وهذا ما يبطل حجته في العمل، بأن الراتب لا يكفيه.
وعدا عن ازدواجية المهنة، فإن الموظف أحمد خالد أخلّ بالهيبة العسكرية كونه يحمل رتبة ضابط في قوى الأمن الفلسطيني، وهذا ما أكده مسؤول القضاء العسكري في غزة العقيد ناصر سليمان بأنه في حال تبين إهدار الهيبة العسكرية من قبل الموظف العسكري، يمكن محاكمته وفق للقوانين الضابطة للعمل العسكري.
وأشار العقيد سليمان في حديث لـ"الرسالة" إلى أن القضاء العسكري في غزة يتعامل مع عسكريي غزة المستنكفين بشكل قانوني وكأنهم على رأس عملهم، وتسري عليهم مواد قانون العمل في قوى الأمن الفلسطيني، في حال إرتكابهم أي تجاوز قانوني، إلا أن الجهاز لم يصله أي دعاوى ضد هؤلاء الموظفين الذي يمارسون ازدواجية المهنة.
وأكد العقيد سليمان أن عددا كبيرا من عسكريي غزة المستنكفين يعملون في مهن أخرى ومتنوعة، وفي ذلك مخالفة واضحة للقانون، الذي يعاقب كل من يقوم بتأدية عمل للغير أو مزاولة مهنة تجارية أو صناعية.
رأي القانون
وللتوضيح أكثر، أطلع معد التحقيق على فحوى المواد الواردة في قانون الخدمة في قوى الأمن الفلسطيني (8/2005)، وكذلك قانون العقوبات لعام 1979، ووفقا للمادة 91 في قانون الخدمة فإنه ﻻ يجوز للضابط تأدية أعمال للغير بمقابل أو دون مقابل ولو في غير أوقات العمل الرسمية.
- سليمان: لم تصلنا دعاوى ضد أي موظف عسكري يمارس مهنة أخرى
أما المادة 93 من ذات القانون فتنص على أنه يحظر على الضابط أن يزاول الأعمال التجارية أو الصناعية وﺑﻮﺟﻪ ﺧﺎص أن ﺗﻜﻮن ﻟﻪ أﻳﺔ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻓﻲ أﻋﻤﺎل أو ﻣﻘﺎوﻻت أو مناقصات ﻣﻦ أي ﻧﻮع ﺗﺘﺼﻞ ﺑﺄﻋﻤﺎل وﻇﻴﻔﺘﻪ.
وفي تفاصيل ذلك، قال الرائد حقوقي مؤمن خلف من دائرة الشؤون القانونية في مكتب وزير الداخلية بغزة إن ازدواجية المهنة من قبل العسكري تعني مخالفة للمواد 91 / 93 / 170 / 174 في قانون الخدمة في قوى الأمن الفلسطينية لعام (8/2005)، ويندرج عقابه ضمن المادة 203 فقرة أ/ب في قانون العقوبات الثوري 1979.
وفي متابعة وزارة الداخلية لهذا الملف، قال الرائد حقوقي خلف إن وزير الداخلية في الحكومة العاشرة سعيد صيام أصدر قرارا يحمل رقم 11/2008 اطلعت على نصه "الرسالة" والذي يتضمن: "يحظر تأدية الضباط وضباط الصف أعمالا للغير بمقابل أبو بدون مقابل".
وأشار إلى أن وزير الداخلية والأمن الوطني فتحي حماد والذي خلف الوزير صيام، أصدر تعميما يحمل رقم (4/2009) يؤكد فيه على ضرورة متابعة العسكريين المستنكفين الذين يعملون في مهن أخرى في قطاع غزة بعد أحداث عام 2007م.
وبناءً على ما سبق، ووفقا للمادة 203 في قانون العقوبات، فإن الفقرة "أ" تشير إلى أنه يعاقب بالحبس ثلاثة أشهر على الأقل كل من لم يطع أمرا يتعلق بواجبه سواء صدر الأمر شفهيا أو كتابة أو بالإشارة أو بغير ذلك، أما الفقرة "ب" فتنص على أنه إذا كان الفاعل ضابطا يقضى عليه فوق ذلك بعقوبة الفصل من الثورة.
ما سبق، دفع معد التحقيق للاستيضاح أكثر من ناشط حقوقي، فتحدثت "الرسالة" مع مدير مكتب الهيئة المستقلة لحقوق الانسان بغزة صلاح عبد العاطي، الذي أكد بدوره أن القانون يمنع العامل في الوظيفة العمومية التي تشمل العسكريين والمدنيين أن ينشط في نشاط آخر غير وظيفته دون الحصول على إذن من جهته الحكومية، وعليه أن يتقيد في وظيفته، ولا يجوز العمل في خلاف مهنته.
- حرب: يوجد تقصير في متابعة هذه القضية لعدة أسباب
وأشار إلى أن أصل التجاوز القانوني في هذه القضية يعود للسلطة الفلسطينية التي أجبرت الموظفين على الاستنكاف في البداية، ومن ثم استمر التجاوز بإعطائهم عائدا ماديا دون أي عمل، فيما وصف هذه الإجراءات بـ"الاجتهاد الخاطئ".
وعن كيفية عقاب الموظفين على تجاوزهم للقانون، قال عبد العاطي إن المساءلة تجري عبر الإدارة المباشرة للموظف، ولا يمكن للقضاء العسكري في غزة أو المحاكم أن تحاسب الموظفين على تجاوزهم؛ لأنهم ليسوا على رأس عملهم، وهذا ما يتناقض مع رأي الجهات المختصة في غزة.
وجوه العمل
وتتركز أعمال العسكريين المستنكفين عن العمل في عدة مهن بحسب ما رصدت "الرسالة"، مثل صالونات الحلاقة، أعمال بناء، التجارة وما يتبعها من عشرات المهن كالبقالة والبيع في الأسواق والورشات الصناعية والتجارية وغيرها، ولكن أبرز المهن التي يعمل بها المستنكفون تتمثل بالعمل كسائق أجرة في سيارات عمومي داخلي أو مكاتب تاكسيات.
ونظرا إلى أن النسبة الأكبر تعمل ضمن فئة سائقي الأجرة، التقت "الرسالة" بمدير الإدارة العامة للمرور في قطاع غزة عائد حمادة، الذي كشف بدوره عن أن نسبة الموظفين المستنكفين عن العمل بلغت 20% من نسبة سائقي الأجرة في قطاع غزة.
- عبد العاطي: أصل التجاوز القانوني في هذه القضية يعود للسلطة الفلسطينية
وبحسب إحصائيات ميدانية لإدارة المرور، فإن عدد السائقين العاملين على سيارات الأجرة ويتقاضون راتبا شهريا من السلطة الفلسطينية بلغت ما يقارب الـ 2500 سائق.
وأوضح أن هناك تقصير في متابعة السائقين من فئة الموظفين في غزة؛ نظرا لاعتبارات عدة، أهمها أن القضية مرتبطة بالوضع السياسي، إضافةً إلى أن طواقم العمل في المرور لا تكفي لتشديد القبضة على السائقين من فئة الموظفين المستنكفين.
وفي سياق آخر، كشف العقيد حمادة عن أن 70% -على الأقل- من العاملين في مكاتب التاكسيات، سواء مالكي السيارات أو السائقين هم من موظفي غزة المستنكفين، مشيرا إلى إدارته اجتمعت بجمعية أصحاب مكاتب التاكسيات وحذرتهم من استمرار عمل الموظفين لديهم، وهو الأمر الذي أقروا به.
في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، رافقت "الرسالة" شرطة المرور في جولة ميدانية، عثرنا على حالة صادمة: ضابط يحمل رتبة عقيد في أحد الأجهزة الأمنية "المهمة" يعمل سائقا، ولا يُخفي ذلك، بحجة صعوبة الوضع الإنساني، رغم أن راتبه يفوق الـ6000 شيقل شهريا، أي ما يقارب الـ 1600$.
مزاحمة الخريجين
لم يكتفِ عسكريو غزة المستنكفون بالعمل ضمن المهنة العادية، بل اتجهوا لمزاحمة الخريجين على البطالات الصادرة عن وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينين "أونروا" أو المؤسسات الدولية الأخرى.
- حمادة: 20% من سائقي الأجرة موظفون مستنكفون
وهذا ما أكده مدير إحدى مدارس جنوب قطاع غزة -طلب عدم الكشف عن اسمه-، بأن موظفا عسكريا يتقاضى راتبا من السلطة الفلسطينية، استطاع بطريقة غير معروفة الحصول على بطالة لمدة ستة أشهر في مدرسته، مشيرا إلى أنه تم إيقافه عن العمل؛ بعد كشفه من قبل إدارة الوكالة، وتبين لاحقا أنه حصل عليها بالتسجيل ببطاقة أخيه، دون علمه.
وفي ملفٍ آخر، اتجه عدد من العسكريين المستنكفين عن العمل إلى افتتاح مؤسسات مجتمعية وتنموية؛ لجلب الدعم الدولي لمشاريع محلية، والاستفادة المادية من وراء ذلك، مما يعد مخالفة للبند التاسع من المادة 90 في قانون الخدمة في قوى الأمن الفلسطيني والتي تنص على أنه "يحظر اﻻﺗﺼﺎل ﻣﻊ أي ﺟﻬﺔ ﻏﻴﺮ ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ إﻻ وﻓﻘﺎ ﻟﺘﻌﻠﻴﻤﺎت ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﻤﺨﺘﺼﺔ ذﺎت العلاقة".
ومؤخرا، بدأ عدد من الموظفين المستنكفين العمل في جامعات غزة، بإعطاء محاضرات وفق نظام الساعة، بعد أن حصلوا على درجات علمية ماجستير ودكتوراه خلال سنوات استنكافهم عن العمل، والممتدة منذ عام 2007.
ففي جامعة القدس المفتوحة، تأكدت "الرسالة" من عدة أسماء واردة في جدوال الفصل الدراسي الجاري، وهم في ذات الوقت موظفون عسكريون مستنكفون عن العمل، وبعضهم يحمل رتبا سامية، فيما لم يقبل أي منهم الحديث حول عمله.
كارثة اقتصادية
اقتصاد غزة المدمر نتيجة الحصار الإسرائيلي منذ عام 2007، وبعد أن تعرض لضربات قاصمة خلال الحروب الإسرائيلية الثلاثة على غزة، ما عاد يحتمل أي ضغوط جديدة، ومن ضمنها مسألة ازدواجية المهنة كما أكد مراقبون للشأن الاقتصادي في غزة أنها تمثل كارثة اقتصادية، يجب محاربتها.
من جهته، قال الدكتور معين رجب الخبير الاقتصادي والمحاضر في جامعة الأزهر بغزة، إن عمل العسكريين المستنكفين يمثل ظاهرةً اقتصادية حقيقية؛ نظرا لأنها منتشرة بشكل كبير ومستمرة منذ ما يقارب العشر سنوات على التوالي.
وأوضح الدكتور رجب في حديث لـ"الرسالة" أن ازدواجية المهنة التي يمارسونها حاليا، تأتي على حساب الباحثين عن العمل في السوق المحلي، مما حرم آلاف المواطنين والخريجين من فرص العمل، بعد أن استحوذ عليها المستنكفون.
- نشوان: اقتصاد غزة لا يحتمل ازدواجية المهنة من قبل المستنكفين
ونبّه إلى أن السوق المحلي في قطاع غزة لا يحتمل ازدواجية المهنة بتاتا، في ظل ارتفاع معدلات البطالة وقلة فرص العمل، لاستمرار الحصار الإسرائيلي منذ عام 2006، مشيرا إلى أن أضرار ظاهرة المستنكفين "خطيرة للغاية".
أما المختص في الشأن الاقتصادي نهاد نشوان فقد أكد أن سوق غزة لا يحتمل وجود ازدواجية مهنة بتاتا، نظرا لارتفاع معدلات البطالة، ولأن ذلك يمثل خطأ ماليا بمصادرة حق الآخرين بالحصول على دخل مادي.
ونبّه نشوان إلى علاقة مهمة، وتتمثل بأن كل شخص يتم منعه من ممارسة مهنة أخرى غير وظيفته، يترك المجال لشخص آخر لتحصيل الحد الأدنى للمعيشة، وفي ذلك يتمثل مسار مهم لتقنين نسبة البطالة المخيفة في غزة.
واعتبر نشوان قيام الموظف بالحصول على مقعد في مهنة أخرى بمثابة جرم يتم من خلاله الاعتداء على حق الآخرين، ويبقي مصادر الدخل مفتوحة للفرد الحكومي على حساب الفرد العادي، وفي ذلك تأثير على بقاء معدلات البطالة على حالها.
المتابعة الحكومية
بعد الاطلاع على تفاصيل القضية، وبالنظر إلى خطورتها على الاقتصاد في غزة، توجهت "الرسالة" إلى وزارة الداخلية، وبالحديث مع المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية أيمن البطنيجي أشار إلى إن الأجهزة الأمنية تتابع هذا الملف بأهمية بالغة؛ نظرا لتأثيره السلبي على الاقتصاد الفلسطيني، مشيرا إلى أنها بصدد إعداد خطة متكاملة لمنع ظاهرة ازدواجية المهنة من قبل العسكريين المستنكفين عن العمل.
وبعد أن أشار مسؤول جهاز القضاء العسكري إلى أن مهمته تتبع مهمة جهاز المباحث العامة في البحث والتحري عن قيام المستنكفين بأعمال أخرى، توجهنا إلى مسؤول الشؤون القانونية والرقابية في جهاز المباحث العامة، المقدم عماد حرب والذي قال في مستهل حديثه إن لدى جهازه خطة لمتابعة موظفي غزة المستنكفين عن العمل بشقيهم المدني والعسكري خلال المرحلة.
- الغول: لم تعرض القضية في المجلس التشريعي إلا مرة واحدة دون متابعة
وأكد وجود تقصير في متابعة هذا الملف، مرجعا ذلك إلى كثرة الملفات المطروحة لدى الجهاز، وتأثير الوضع السياسي على الملف، وقلة الكوادر؛ نظرا إلى أن متابعة عدد كبير من المستنكفين يحتاج لمتابعة ميدانية مكثفة.
وشدد على أن عددا كبيرا منهم يعملون في مهن أخرى في قطاع غزة، وبعضهم في شركات مشهورة، في قطاعي السياحة والتجارة، فيما تتحفظ "الرسالة" على ذكر التفاصيل بناءً على طلب دائرة الشؤون الرقابية في المباحث، لعدم استكمالها للقضية بحقهم.
وخلال المتابعة الميدانية، تأكدنا بأن عددا من العسكريين المستنكفين يعملون في مؤسسات مدنية تُعنى بالشأن المجتمعي، وفي إحدى مؤسسات جنوب قطاع غزة، اكتشفت "الرسالة" أن المسؤول عنها ضابط برتبة مقدم، رغم أنه لا يملك شهادات جامعية في اختصاص عمل الجمعية.
وفي مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، زرنا صالون حلاقة، علمت "الرسالة" أن صاحبه ضابطٌ مستنكف عن العمل، والذي رفض في البداية الحديث مع معد التحقيق، إلا أنه في نهاية المطاف، أكد أنه كان يعمل ضابطا برتبة نقيب في جهاز الأمن الوطني.
دور المجلس التشريعي
كبر حجم القضية، والبحث عن الجهة القانونية المخولة بمناقشة الملف، دفع معد التحقيق إلى جمع أوراق قضية التحقيق، والتوجه إلى مقر المجلس التشريعي بغزة، واللقاء برئيس اللجنة القانونية في المجلس النائب محمد فرج الغول الذي كشف في حديثه مع "الرسالة" أن القضية لم تعرض على المجلس التشريعي إلا مرة واحدة، ولم يتم متابعة الأمر بعدها بتاتا.
وأشار الغول إلى أن الموظف المستنكف عن عمله الرسمي ويعمل في مهنة أخرى، يرتكب أربع مخالفات، الأولى أنه متغيب عن عمله لفترة طويلة دون عذر، والثانية أنه يتلقى راتبا دون أن يقوم بما هو مطلوب منه، والثالثة أنه يعمل في مهنة أخرى عدا عن مهنته التي يتلقى منها راتبا شهريا، والرابعة أنه يستغل المهنة الجديدة في التشويش على الأمن العام، والوضع المجتمعي.
- البطنيجي: بصدد إعداد خطة متكاملة لإنهاء هذه الظاهرة
وأرجع غياب الملف عن طاولة المجلس التشريعي، واللجنة القانونية فيه، إلى عدم تقديم وزارة الداخلية إحصائيات ومعلومات بخصوص ازدواجية المهنة من قبل موظفي غزة المستنكفين، مشددا على أنه في حال وصول بيانات مفصلة بخصوص ذلك، سيتخذ المجلس الإجراءات اللازمة لمكافحتها.
رد السلطة
ولسماع وجهة نظر الجهة التي يتبع إليها الموظفون العسكريون حاولت "الرسالة" مرارا وتكرارا التواصل مع الجهات المعنية في الضفة الغربية المحتلة، إلا أن محاولاتها قوبلت برفض التحدث في الموضوع؛ باعتباره ملفا سياسيا، لا علاقة للمؤسسات الأمنية به، وفق ما قال عدد من قادة وزارة الداخلية وديوان الموظفين العام.
وبعد أيام من التواصل، استطاعت "الرسالة" بصعوبة بالغة الحديث مع وكيل وزارة الداخلية في رام الله اللواء محمد منصور، الذي حاول إنهاء الاتصال الهاتفي بعد معرفته بقضية النقاش، وبعد إلحاح أجاب: "القضية ليست اختصاصي، وأرفض تهويل الأمر"، من ثم انقطع الاتصال الهاتفي باللواء منصور، ورفض الإجابة على الاتصالات لاحقا، رغم أن الموظفين يتبعون لوزارته.
وبناءً على ما توصلت إليه "الرسالة" في ختام تحقيقها، فإنها توصي بمتابعة جادة لظاهرة ازدواجية المهنة لدى موظفي غزة المستنكفين من الأطراف سابقة الذكر، نظرا لتأثيرها على ارتفاع معدلات البطالة في قطاع غزة وفق المراقبين للشأن الاقتصادي.
وتنبّه إلى خطورة تمدد هذه الظاهرة في قطاع غزة، مما قد يدفع موظفين في مؤسسات غير حكومية للاحتذاء بالموظفين المستنكفين، بحسب آراء المختصين الاقتصاديين، مع ضرورة إعداد مشروع قانون يعطي الحق للجهات المختصة بمباشرة متابعة هذه الظاهرة.