أثار إعلان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو نيته تعيين أفيغدور ليبرمان وزيراً "للجيش" اهتماماً كبيراً في الأوساط الفلسطينية بنفس قدر الاهتمام الذي لاقاه في أوساط السياسيين والاعلاميين الاسرائيليين، وفي الوقت الذي انشغلت فيه السلطة الفلسطينية ومن ورائها حركة فتح في تحليل تأثير الموقع الجديد لليبرمان على عملية التسوية برمتها والمبادرة الفرنسية بشكلٍ خاص كان واضحاً أيضاً اهتمام فصائل المقاومة بالخبر وذهبت إلى رسم سيناريوهات متعددة ومتباينة حول سلوك ليبرمان المتوقع ومدى تأثيره على القرارات الاسرائيلية بالتصعيد والتهدئة في غزة، وكذلك المتعلقة بمواجهة انتفاضة القدس في الضفة الغربية.
وبينما تتجه بعض التحليلات للحديث عن توقعات بوقوع تطورات دراماتيكية من الاسرائيليين نحو تصعيد الأوضاع مع غزة في ظل وجود ليبرمان في المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر، تشير أخرى إلى أن سلوك ليبرمان قد يكون مختلفاً ومعاكساً لما يتوقعه الكثيرون.
وحاولت وسائل الاعلام العبرية تصوير مشهد اليوم التالي لتولي ليبرمان منصبه في "الكريا" -مقر وزارة الجيش الاسرائيلية- حيث استعرضت صحيفة هآرتس بعض السياسات المتوقعة منه، ومن أهمها:" فرض قرار دولي على قطاع غزة، وممارسة سياسة أكثر تشددا تجاه رئيس السلطة محمود عباس، وإمكانية تحقيق وعوده التي أعلنها في السنوات الماضية حول طرد أعضاء الكنيست العرب إلى الأراضي الفلسطينية".
لكن السؤال المطروح الآن: هل الأمر سيكون بيد ليبرمان وحده؟ أم أن العمل المؤسسي في حكومة الاحتلال سيجعل ليبرمان محكوماً بالقرارات التي يتم اتخاذها بشكل جماعي في حكومة الاحتلال أو مجلس الوزراء المصغر "الكابينيت"، كما أن الجنرالات الاسرائيليين الذين عملوا لسنوات في وزارة الجيش سيعملون غالباً على تقييد تحركاته، وقد لا يجرؤ على مخالفة توصياتهم لاسيما أنهم خاضوا في السنوات الأخيرة ثلاث مواجهات مع غزة كانت لها نتائج وخيمة على مؤسستهم العسكرية التي فقدت كثيراً من هيبتها داخل المجتمع الاسرائيلي، وليبرمان أحد الذين دفعوا باتجاهها فوفق القناة العبرية الثانية كان قد ضغط إبان توليه وزارة الخارجية مع وزير التعليم الإسرائيلي "نفتالي بينيت" على المجلس المصغر من أجل بدء العدوان على قطاع غزة عام 2014 للحد من "خطر الأنفاق"، رغم التطمينات المصرية بعدم رغبة "حماس" بالتصعيد.
وعلى صعيد التوجهات السياسية فإن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنتياهو الذي يسعى إلى توسيع ائتلافه الحاكم و"تأليف الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ "إسرائيل" بضم ليبرمان إلى حكومته، تشير بعض التوقعات إلى أن نتنياهو يسير في اتجاه معاكس تماماً للإفراط المجاني في الجنوح العربي (الفلسطيني والمصري والأردني والسعودي) إلى التسوية، وهذه هي الأطراف العربية الرئيسية المشاركة في المبادرة الفرنسية ومؤتمرها الدولي المقترح.
ومع ذلك فإن حكومة الاحتلال تعمل على تبريد الجبهات ولن تسمح لليبرمان بأن يُقدم على أي حماقة تؤدي إلى خلط الأوراق في المنطقة من جديد، أو أن تؤدي إلى غضب حلفاء "إسرائيل"، وفي هذا السياق يقول الخبير العسكري الإسرائيلي في صحيفة "إسرائيل اليوم" "يوآف ليمور" تعيين ليبرمان في وزارة الجيش يتزامن مع البراغماتية التي تظهرها القيادة العسكرية الإسرائيلية التي تمنع اندلاع التصعيد في قطاع غزة، وتحافظ على التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية بـالضفة الغربية، وتعمل على توثيق التعاون الإسرائيلي مع مصر والأردن، كما تعمل على إبقاء التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة".
وتبقى التحليلات والتوقعات متواصلة إلى اللحظة التي يتوجب على وزير جيش الاحتلال الجديد اتخاذ قرار ما، ومدى الصلاحيات التي تمنحها أو القيود التي يمكن أن تواجهه بها حكومة نتنياهو.