أزعجتها "بساطير" عناصر المخابرات الفلسطينية العالقة بالطين، حين دخلت بقوة السلاح ليلًا على منزلهم بنابلس، فدفعتها براءتها لتوبيخهم بالقول: "وسختولنا البيت .. ليش اجيتوا؟" .
لم تنتظر ميار ابن الأربعة أعوام إجابة من أحدهم فسارعتهم بالقول:" اجيتوا عشان تاخدوا بابا؟".
ميار ابنة الصحفي طارق أبو زيد كانت تعلم أن اقتحام منزلهم غرضه اختطاف والدها، الذي أبصرت النور على غيابه في سجون السلطة.
لم تكن الصغيرة لتكتفي بتوبيخها لعناصر جهاز المخابرات التابع للسلطة حيث عادت لتكرر الأسئلة عليهم وهم يضعون الأصفاد حول معصمي والدها:" طيب ليش معكم سلاح بدكم تطخونا؟ فأجابها أحدهم: إحنا ما بنطخ حدا.
لم تقتنع الصغيرة بفحوى الإجابة وهي التي ترى عبر شاشات التلفاز قمع السلطة وعناصرها للمظاهرات والاعتصامات والتي تصل للضرب والاعتقال لاسيما إبان انتفاضة القدس مطلع أكتوبر من العام الماضي.
هيبة الدولة!
لم تمض ليلة الـ 16 من أيار/ مايو الجاري بسلام على عائلة أبو زيد، حيث اختطف ابنها الصحفي طارق بعد دهم منزله ومصادرة أجهزة حاسوب وأغراض شخصية، قبل أن يقوم الجهاز الأمني بنقله إلى سجن "الجنيد" أحد السجون الفلسطينية التابعة لأجهزة الأمن في مدينة نابلس.
"العمل مع قناة الأقصى الفضائية " كانت التهمة الأولى التي وجهتها النيابة الفلسطينية للصحفي أبو زيد تبعها اتهامه بـ "إشاعة أخبار كاذبة تنال من هيبة الدولة" وليس انتهاءً بتحويل أموال إلى حسابات خارجية".
وصلنا استياء تهاني شقيقة طارق من تصريحات نقابة الصحفيين الفلسطينيين التي وصفتها بالمغلوطة وقالت "للرسالة":" بعد صمت مطبق ممن تدعي أنها نقابة تطل علينا بتصريح مغلوط حين ادعت أن أخي تم استدعاؤه على ذمة التحقيق، إلا أنه قد تم اختطافه, وترويع أهل بيته على يد عناصر من جهاز المخابرات في ساعة متأخرة من الليل".
وكانت النقابة في الضفة قد قالت في بيانها إن الأجهزة الأمنية استدعت أبو زيد واحتجزته على ذمة التحقيق على خلفية اتهامه بالحط من هيبة الدولة, مشيرة إلى أنها تبذل جهودا حثيثة للإفراج عنه، على أمل أن يتم الإفراج عنه بكفالة.
الهاتف النقال لطارق الذي اعتادت "الرسالة" التواصل معه من خلاله، للحصول على أرقام لعوائل شهداء انتفاضة القدس، أجابنا بـــ"لا يمكن الوصول إلى الرقم المطلوب حاليًا".
طارق كان كما هاتفه النقال لا يمكن الوصول إليه، لاسيما وانه مغيب في أقبية التحقيق في زنازين السلطة والتي يتخللها تعرضه للضرب أو التعذيب النفسي والجسدي.
وبحجة "استكمال إجراءات التحقيق معه" مددت محكمة "الصلح" في نابلس، فترة اعتقال أبو زيد، ورفضت طلبًا تقدم به محامي الصحفي يوم الأحد الماضي للإفراج عنه بكفالة مالية.
تعود شقيقته التي تكبره بثلاثة أعوام بذاكرتها للوراء إلى أول ظهور لطارق على شاشة الأقصى، "كان شعورا مختلطا بين الفرح والفخر لأنه سيتمكن من نقل معاناة أبناء شعبه للعالم، والفخر لعمله ضمن فريق فضائية مجاهدة" وفق تهاني.
الصحفي طارق الذي ابتدأ حياته العملية بفن الكاريكاتير، بالتزامن مع اهتمامه بمتابعة الأحداث السياسية في فلسطين، الذي كان الدافع الأول لانخراطه في حقل الإعلام لنقل الحقيقة والكلمة الصادقة كما تؤكد على ذلك عائلته.
الاعتقال الأول
خلال تواصلنا مع عائلته وصلنا صوت بكاء الرضيع أسامة في شهره الرابع _الابن الثاني لطارق_ تكرر البكاء وارتفع حدته، فأعادنا إلى مشهد اعتقال طارق في عام 2010 وبكاء صغيرته ميار لتعلقها به رغم عمرها الذي لم يتجاوز الأشهر الستة.
تتشابه مشاهد اقتحام الأجهزة الأمنية لمنزل عائلة الصحفي، إلا أن الذاكرة لا يمكن لها أن تنسى أول اعتقال بعد ظهوره على شاشة الأقصى، وعند سؤالنا: "هل كان من الاحتلال أو السلطة؟، ردت على شقيقته آسفة:" كان على أيدي السلطة للأسف بعد مطاردة لعدة أشهر في عام 2007"، وتضيف:" لما كان مطاردا من السلطة اعتقله الاحتلال من سكن طلاب بنابلس وبقي في الأسر لمدة عام".
فور خروجه طبع قبلة على جبين والديه وبقي مطاردًا من السلطة إلى أن اعتقلته بعد شهرين، تخللهما استدعاء الحاج أبو ناصر _والد طارق_ بشكل شبه يومي وتهديده بقتل طارق إن لم يسلم نفسه.
ستة أشهر قضاها طارق في معتقل السلطة من عام 2007 وأخرى مثلها في عام 2010 وبينهما استدعاءات وتوقيف بذات التهمة_العمل في فضائية الأقصى_ التي توجه له خلال اعتقاله الذي تتمنى "الرسالة" أن يكون الأخير لطارق.