ربما تكون فكرة جنونية أن تمنح الناس أجورا ولا تطلب منهم العمل، لكنها فكرة طرحت بجدية في سويسرا ولها أنصار لدرجة أن الشعب سيقرر بشأنها في استفتاء شعبي.
وفي نهاية الأسبوع المقبل وتحديداً في الخامس من يونيو/حزيران، يذهب المواطن السويسري إلى صندوق الاقتراع للتصويت في استفتاء لإدخال فقرة جديدة في الدستور تسمح للحكومة السويسرية بمنح "مرتب أساسي"، أي "مرتب مجاني" لكل مواطن أو مقيم في سويسرا، وهو مرتب غير مشروط.
وحسب المقترح فإن المرتب المجاني سيكون في حدود 3500 فرنك سويسري" حوالى 2442 دولار"، وهو ما يعادل الحد الأدنى للمعيشة في سويسرا.
وتنبع الفكرة التي ينظر لها البعض على أنها جنونية من مبدأ القضاء على الفقر.
ورغم أن البرلمان السويسري صوت ضد الفكرة في أكتوبر/تشرين الماضي، إلا أن الفعاليات الاشتراكية في سويسرا أصرت على طرحها في استفتاء.
وعلى المواطن السويسري أن يوافق أو يرفض التعديل الدستوري الذي يسمح بذلك.
وفي حال نجاح الاستفتاء على الفكرة التي تعارضها حتى الآن جميع الأحزاب الكبرى في سويسرا، فإن المواطن والمقيم السويسري سواء كان رجلاً أو امرأة أو أطفالا سيحصل على هذا المبلغ دون شروط.
ويطلق على هذه الدخل الثابت في العرف السويسري الضمان الاجتماعي الذي سيضاف إلى الدخل الذي يحصل عليه المواطن كأجر من وظيفته أو عمله الحر.
وهذه الفكرة رغم أنها تبدو غريبة، خاصة في عالمنا العربي، ولكنها في أوروبا ليست جديدة، حيث سبق أن دعمها الاقتصادي النمساوي الشهير " أف أيه حايك وقال في إحدى مقالاته" إن منح حد أدنى من الأجور سيساهم في القضاء كلياً على الفقر".
وينظر العديد من خبراء المال للفكرة السويسرية على اساس أنها طوباوية، حيث إنها تشتمل على العديد من المثالب، حيث يقول اقتصاديون إن سويسرا لن تستطيع تمويلها، إذ إنها ستكلف البلاد مبالغ طائلة.
وتختلف الفكرة كلياً عن المنحة التي تعطى للعاطلين عن العمل، حيث في المنح الحكومية التي تعطى للعاطل، يطالب صاحب المنحة بإثبات أنه يبحث عن عمل ويطالب بشروط أخرى يجب استيفاؤها قبل أن يعطى المنحة.
ويرى أنصار الفكرة أنها ستطلق الإبداع لدى المواطن لأنها ستزيل عنه الكوابح المادية التي كانت تكبله في السابق، وبالتالي ستخلق مجتمعاً مبدعاً وقادرا على العطاء المبتكر.
كما يرى آخرون أن الفكرة إذا طبقت فستجعل من سويسرا جنة للمهاجرين وبالتالي ستشجع على الهجرة إلى سويسرا، لأنها ستعني لكل مهاجر الحصول على دخل مجاني من الحكومة السويسرية، دون الحاجة إلى عمل. وبالتي يقول المعارضون إنها سترفع من معدل الضرائب على المواطن السويسري.
ويقول آخرون إن الفكرة ستقضي على العديد من الصناعات والخدمات في سويسرا، لأن الناس لن يكونوا بحاجة إلى العمل ما داموا يحصلون على مرتب ثابت ومضمون وغير مشروط من الحكومة.
ولكن استفتاء الرأي الذي أجرته مؤسسة "ديمو سكوب" ونقلته صحيفة دويتشه فيله الألمانية، وسط السويسريين يشير إلى أن 2.0% فقط من بين الذين أدلوا بآرائهم حول الفكرة قالوا إنهم سيتركون وظائفهم إذا طبقت الفكرة، بينما قالت الأغلبية الساحقة إنها ستواصل العمل في وظائفها كالمعتاد.
وتمتاز سويسرا برفاه مالي يجعلها محسودة من قبل دول العالم المتقدم.
ويعد اقتصاد سويسرا، واحداً من الاقتصادات الأكثر استقراراً في العالم. حيث جعلت سياستها الاستقرار الأمني والسياسي النقدي على المدى الطويل وبذلك اعتبرت سويسرا ملاذاً آمنا للمستثمرين.
وسعت سويسرا لخلق اقتصاد يعتمد بشكل متزايد على الاستثمار الأجنبي والثقة المصرفية ليصبح المواطن السويسري يتمتع بواحد من أعلى معدلات دخل للفرد في العالم مع انخفاض معدلات البطالة.
ويلعب قطاع الخدمات دوراً اقتصادياً كبيراً في سويسرا، حيث نجحت السياسة السويسرية في بناء البنوك وشركات التأمين التي أصبحت جاذبة للرساميل العالمية. ويضاف إلى ذلك صناعة السياحة التي أصبحت من أكثر الصناعات ربحية في سويسرا خلال السنوات الأخيرة مستفيدة من جمال الطبيعة الخلاب في جبال الألب والمنتجعات والبحيرات، إضافة إلى التزلج. وكل هذه العوامل جعلت من سويسرا مكاناً ممتعاً لقضاء العطلات والقيام بالرحلات.