يرفض إياد تيم رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية الفلسطيني، اعتبار أن حصوله على راتبين من وزارة المالية الفلسطينية وهيئة التقاعد، في الوقت ذاته، أمرا مخالفا للقوانين واللوائح الإدارية المنوط به الرقابة عليها والسهر على تطبيقها، إذ يرى في الأمر حقا مكتسبا وأمرا طبيعيا.
حصول تيم على راتبين وثّقه "العربي الجديد" عبر سلسلة من الوثائق الحصرية التي تكشف عن ثلاثة أنواع من المخالفات القانونية والإدارية، بحسب التحقيق التالي حول أداء رئيس أعلى جهة رقابية بموجب القوانين الفلسطينية، والذي يمتلك حق الرقابة على جميع المؤسسات الفلسطينية، بدءا من مكتب الرئيس، وصولا إلى الحكومة وجميع المؤسسات الفلسطينية العاملة في الأراضي المحتلة.
تقاضى راتبين في الوقت ذاته
في رسالته الترحيبية بزوار موقع ديوان الرقابة المالية والإدارية الفلسطيني، يقول تيم "إن الهدف الرئيس لإنشاء الديوان هو ضمان سلامة العمل والاستقرار المالي والإداري في دولة فلسطين، وكشف أوجه الانحراف المالي والإداري، بما في ذلك حالات استغلال الوظيفة العامة، والتأكد من أن الأداء العام يتفق مع أحكام القوانين والأنظمة، وأنه يمارس بأفضل طريقة وبأقل تكلفة ممكنة" وهو ما خالفه رئيس الديون، إذ تكشف تسريبات من الوثائق الحصرية حصلت عليها "العربي الجديد" عن حصول تيم على راتبين في الوقت ذاته، الأول راتب تقاعدي عن أعمال خدمته قاضيا سابقا، إضافة إلى راتبه الحالي عن عمله رئيساً لديوان الرقابة المالية والإدارية، وهو ما يخالف القوانين الفلسطينية.
وفقا لوثائق "العربي الجديد"، فإن تيم، عُيّن رئيسا للديوان بتاريخ 3 يناير/كانون الثاني منذ عام 2015، بموجب قرار بقانون رقم 1 لسنة 2015 والصادر عن الرئيس محمود عباس، وقتها كان تيم يشغل منصب وكيل وزارة العدل بالانتداب، غير أنه بقي يحمل مسمى ورتبة قضائية، لمدة خمسة أشهر بعد التعيين، حتى تمت إحالته إلى التقاعد المبكر في أيار/مايو من عام 2015، ولكن بأثر رجعي من تاريخ تعيينه رئيساً للديوان.
ويكشف الكتاب الصادر عن هيئة التقاعد الفلسطينية والصادر بتاريخ 31 آب/ أغسطس 2015، والذي يحمل رقم (1886) عن صرف راتب تقاعدي بقيمة (5067 شيكل) أي نحو( 1320 دولارا أميركيا) لرئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية وذلك بأثر رجعي من تاريخ كانون الثاني من عام 2015 (تاريخ التعيين)، غير أن عبارة لافتة جاءت في ذيل كتاب هيئة التقاعد الفلسطينية، إذ قالت هيئة التعاقد عن إياد تيم، أن إعادة تعيينه رئيسا لديوان الرقابة المالية والإدارية حدثت في تاريخ 2 كانون الثاني 2015، ما يعني أن رئيس ديوان الرقابة يتقاضي منذ ذلك الحين راتبين، التقاعدي وقيمته توازي (1320 دولارا أميركيا) وراتبه عن رئاسة الديوان بما يوازي (3 آلاف دولار).
يعلق تيم على ما سبق قائلا في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد":"بالنسبة لنا كديوان رقابة مالية وإدارية، من يتقاضى راتباً أو راتبين، فإنه يتقاضى ذلك ضمن نظام وزارة المالية وديوان الموظفين، ولا يتم صرف رواتب جزافا، فهناك قانون يحكم العلاقة". وتابع:"هناك قرار بقانون صادر من الرئيس أبو مازن، والنظام المالي لرئيس ديوان الموظفين يحكم هذه العملية".
لكن الخبير القانوني عصام عابدين كشف لـ"العربي الجديد" أن القرار الرئاسي رقم 61 لعام 2010، بشأن تحديد الحقوق المالية وراتب رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية واضح، إذ تؤكد المادة (5) من القانون على أنه "لا يجوز لرئيس الديوان الجمع بين المكافأة والراتب الشهري أو أية مكافأة وراتب تقاعدي آخر من الموازنة العامة".
هنا يعلق تيم من جديد:"الراتب التقاعدي هذا حق للموظف، يتقاضاه نتيجة مساهماته أثناء عمله، وحصلت أنا على تقاعد من القضاء، وقد حصلت على قرار التقاعد مقابل خدمة 22 عاما في الجهاز القضائي وهذه مساهمتي، وهيئة التقاعد المدني مستقلة عن وزارة المالية ولا علاقة لها بذلك".
لكن الخبير الاقتصادي الفلسطيني جعفر صدقة، يرد على ما سبق قائلا: "المفروض وفق القانون أن هيئة التقاعد مستقلة ماليا وإداريا ولا تتبع لوزارة المالية بأي شكل من الأشكال، لكن الواقع أن جميع أموال هيئة التقاعد يتم استغلالها في وزارة المالية لتمويل الرواتب ومصاريف الحكومة، وهذا يؤثر في حقوق المتقاعدين الذين تتأثر رواتبهم سلبا أو إيجابيا بالوضع المالي للسلطة".
وحول قانونية تلقي أي موظف راتبين في الوقت ذاته، من هيئة التقاعد ووزارة المالية، أكد صدقة: "هذا وضع غير قانوني طبعا، وللأسف هناك العديد من الحالات المخالفة في السلطة الفلسطينية". لكن اللافت أن تأتي المخالفة من أعلى هرم في الرقابة بالسلطة الفلسطينية، وهي الجهة الملكفة برصد المخالفات وتوثيقها ومخالفتها في إطار الحكم النزيه، وفقا لما وثقه معد التحقيق.
وتكشف مصادر مطلعة أن قرار إحالة رئيس الديوان على التقاعد (رغم أنه معين بوظيفة عامة أخرى) بقى قيد النقاش مثيرا أجواء من الحيرة في هيئة التقاعد الفلسطينية طيلة 3 أشهر، بسبب اعتباره مخالفا لقانون التقاعد المدني رقم 7 لسنة 2005 وقانون التقاعد المدني 34 لسنة 1959 والقرار رقم 61 لسنة 2010، لكن الهيئة حصلت على مخرج عبر الكتاب الموجه لوزارة المالية والذي أعادت فيه التأكيد على أن تيم أُعيد تعيينه بتاريخ 2 يناير/كانون الثاني 2015.
وبينما رفضت هيئة التقاعد الفلسطينية التعقيب على الموضوع، مؤكدة لـ"العربي الجديد":"أنها ستعقب على الموضوع لاحقا"، فإن تيم قال:"هناك نص واضح في القانون رقم 61 لعام 2010 ومفاده: "يجوز لرئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية الجمع بين مستحقاته التقاعدية وأية مستحقات تقاعدية أخرى من الموازنة العامة، بما لا يتجاوز الحد الأقصى المنصوص عليه في هذا القرار". ويتابع: "هذا حقي، والنص واضح، ولست أنا من وضع هذا القانون في 2010 أي قبل وصولي بخمس سنوات".
لكن القانوني عابدين، ردّ على ما سبق قائلا: "القرار الرئاسي واضح ويجيز أن يجمع بين مستحقاته التقاعدية وأي مستحقات تقاعدية أخرى من الموازنة، بما لا يتجاوز الحد الأقصى المنصوص عليه في هذا القرار الرئاسي، بمعنى أنه يتقاضى عن التقاعد وفق منصبه كرئيس بعد أن ينهي مهامه في الديوان، أي أن الصحيح أن يجمع بين التقاعدين، وألا يزيد التقاعد بشكله النهائي عن الحد الأقصى عن تقاعده كرئيس للديوان".
ووفقا لما وثقه معد التحقيق فإن جميع القوانين التقاعدية النافذة والمستند إليها بنص ومتن قرار مجلس الوزراء بالإحالة إلى التقاعد تنص بوضوح على عدم جواز الجمع بين راتب تقاعدي وراتب مقابل خدمة حالية، وتبقى مدد الخدمة السابقة من حق الموظف إلى حين إحالته نهائيا للتقاعد لعمل التسويات التقاعدية للمدتين.
تجاوز عائلي لـ"قرعة" الحج
بحسب وثائق "العربي الجديد"، فإن رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية قام بتزكية والديه ومواطنين آخرين لأداء فريضة الحج كحالات خاصة في موسم العام الماضي 2015، الأمر الذي يراه مراقبون مناقضا للقانون الأساسي الذي منح الفلسطينيين فرصا متساوية أمام القانون.
وتخضع عملية اختيار المسافرين لتأدية فريضة الحج لآلية القرعة العشوائية لاختيار عدد محدد من بين الراغبين في أداء الفريضة، بسبب محدودية عدد التأشيرات السنوية، ما يخلق ازدحاما شديدا من قبل المتقدمين في كل عام.
ووفقا لوثائق "العربي الجديد" فقد طلب تيم من وزير الأوقاف يوسف ادعيس القيام بالحج مع والديه، "على أن يدفع رسوم وتكاليف الحج أصولا" كما جاء في كتاب صادر عن ديوان الرقابة المالية والإدارية وتم التأشير عليه بالاعتماد والحفظ في ملف الوزراء، فضلا عن تزكية مواطنين آخرين لأداء الفريضة عبر كتاب تزكية آخر من الديوان إلى وزارة الأوقاف.
وبحسب مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" فإن شكاوى قدمت لديوان الرقابة المالية والإدارية حول مخالفات حدثت في موسم الحج في عام 2015، واحتوت الشكوى على كشوف رسمية لأسماء تمت تزكيتها لأداء الفريضة، تحت بند حالات خاصة، كما احتوى الكشف على اسم رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية ووالديه.
وبحسب مصادر قانونية فإن هذه المخالفة تعد ضربا لجوهر القانون الأساسي الفلسطيني من جهة، وتضاربا للمصالح من جهة أخرى، إذ يمثل ديوان الرقابة المالية والإدارية أعلى سلطة رقابية على موسم الحج، ويشارك عبر ممثلين من الديوان في الرقابة على الموسم، فضلا عن تصدير الديوان لتقرير سنوي عن المخالفات التي تعتريه.
ويتعرض موسم الحج في فلسطين لانتقادات واسعة من المواطنين الذين يرون أن هناك تجاوزا لأسس الشفافية وتجاوز لآلية "القرعة" بحيث يكون الاختيار على أسس المحاباة والعلاقات. لكن تيم رد على ما سبق قائلا:"هناك سياسة موجودة في وزارة الأوقاف وهذا طبعا في كل دول العالم، وهناك مقاعد مخصصة لكبار المسؤولين والوزراء، وأقل واجب أن تسمح لهم أن يؤدوا فريضة الحج، على نفقتهم الخاصة".
وتابع: "بالنسبة لي لم يسبق لي أن أديت هذه الفريضة، رغم أنه جزء من مهامي في الديوان الرقابة على "الحج"، وكان بالإمكان أن أخرج للحج كمرافق من الديوان لموسم الحج، ولكني رفضت ذلك وأصررت أن أخرج على نفقتي الخاصة لأداء هذه الفريضة، وأديتها على نفقتي الخاصة أنا ووالدي ووالدتي". غير أن رئيس الديوان لم يؤد الحج بمفرده هو وعائلته كما تكشف الوثائق، إذ قام بتزكية مواطنين آخرين لأداء فريضة الحج، وتم التأشير على الكتاب "تمت التزكية من الرقابة المالية والإدارية" وهو ما يندرج ضمن الواسطة والمحسوبية كما يؤكد الخبراء لـ"العربي الجديد".
ومما يلفت النظر فإن ديوان الرقابة المالية والإدارية أشار في تقريره النهائي حول موسم (الحج 2015) إلى الإشكالية والتلاعب الكبير فيما يعرف بـ"الحالات الخاصة" إذ ورد في التقرير التالي: "بناء على الكشف المرفق معظم الحالات الخاصة تقريبا 70% تم منحها لأناس لا تستحق ولم تسجل مسبقا للحج". وجاءت توصية الديوان في التقرير كالتالي:"ضرورة اعتماد أسس ومعايير واضحة وموثقة من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بخصوص اختيار الحالات الخاصة من الحجاج، لأن غياب الأسس والمعايير يؤدي إلى غياب الشفافية والوضوح في عملية اختيار الحجاج". ما يعني إقرار الديوان بعدم قانونية ما يجري من حصول حالات خاصة على فرص للحج من دون المرور بآلية القرعة، وهو ما يعني أن تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية يدين ما قام به رئيسه.
هنا يعلق الخبير القانوني عابدين قائلا "هذه مخالفة لأحكام الدستور والمعايير الدولية في المساواة أمام القانون وتكافؤ الفرص وعدم التمييز".
فواتير خارج المقاصة
تكشف وثيقة معنونة بـ"تسوية بنك يدوية" صادرة عن وزارة المالية الفلسطينية في عام 2015، عن عدم قيام رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية بختم فاتورة هاتفه المدفوعة من الموازنة العامة من ضريبة القيمة المضافة (ضريبة غير مباشرة على تكلفة الإنتاج وتفرض على فارق التكلفة وسعر البيع) لأغراض المقاصة (فاتورة يدفعها الفلسطيني في القدس المحتلة وعند التبادل التجاري مع الاحتلال)، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع مبالغ مالية على الخزينة العامة من قبل الجهة المخولة بالرقابة لعدم ضياع هذه الأموال، ( ديوان الرقابة المالية والإدارية) إذ إن الخزينة العامة لا تستفيد من هذه الأموال لعدم تمكنها من استرداد نسبة السلطة من الضريبة على فواتير رئيس ديوان الرقابة غير المختومة، وعادة ما تسجل هذه الملاحظات على الغير تحت عنوان "الأثر المالي" المهدور على خزينة الدولة. وتظهر وثائق من ذات الجهة قيام رئيس الديوان بدمج فاتورة تكلفة سيارته الخاصة مع سيارة العمل بفاتورة واحدة.
ويرد تيم على ما جاء في الوثائق السابقة قائلا: "فاتورة هاتفي لا تتجاوز 200 شيكل، أي (40 دولارا) رغم أن سقف الفاتورة المغطاة من الحكومة 1500 شيكل أي أكثر من (400 دولار) ومع ذلك لا أستهلك أكثر من 40 دولاراً، وهو المبلغ الحقيقي الذي يصرف لي.