يطل هلال الشهر الفضيل في أول زيارة له بعد اندلاع انتفاضة القدس، حيث تكتسي أزقة المدينة وشوارعها بالحزن، على فراق شهداء تئن موائد السحور والافطار حزنًا عليهم.
تلك الطرقات المقدسية، التي تندب أطلالها على فراق "مسحراتي" المدينة الشاب بهاء عليان، الذي ارتقى برصاصة حاقدة من جنود الاحتلال، بعدما دق طويلا على الطبول ليضفي على الشهر الفضيل أجواء فرحة سرعان ما تلاشت مع رحيله.
ويخترق الحزن شوارع المدينة، عبر سيل من الذكريات يحتضنه كل ركن وزاوية فيها؛ إذ هناك ارتقى مهند الحلبي، وإلى جانبه استشهد البهاء، وعلى بعد أمتار قليلة ارتقت الأم فدوى أبو طير، والى جوارها الطفل إسحاق بدران وغيرهم.
يهل رمضان ولا يزال جثمان البهاء محتجزًا في ثلاجات الاحتلال، وهو ما يزيد من لوعة وأسى الـعائلة خلال الشهر الفضيل دون أي حراك او ضغط حقيقي يجبر الاحتلال الافراج عن جثامينهم، أسوة بمن أفرج عنها من جثث شهداء الضفة المحتلة، إذ أن الاحتلال لا يزال يحتجز جثامين ثمانية شهداء من مدينة القدس المحتلة.
رغم ما يحمله الشهيد عليان من شهادة علمية ومكانة ثقافية مرموقة، الا أن ذلك لم يمنعه بأن يكون على موعد مع الزائر الكريم، في محاولته لإضفاء كل أجواء الفرحة في المدينة المقدسة. ويقول والده محمد عليان، إن فرحة رمضان بحضور بهاء كانت مختلفة تمامًا، وكان يضفي على أجوائه طعمًا ومذاقًا مختلفًا، خاصة وأنه كان يصطحب اصدقاءه ويذكر الناس بالسحور في شوارع المدينة المقدسة، من باب إضفاء الفرحة.
وبمجرد قدوم الشهر الفضيل، كان بهاء واحدًا من أولائكم الشبان الذين ينهضون لتزيين شوارع الحارة، وهي اليوم تزين بدونه، لتبدو كئيبة حزينة، كما يقول والده.ويضيف والد بهاء لـ "الرسالة"، أن بهاء كان يشارك مع فرقة الكشافة التي يترأسها في تنظيم موائد الرحمن داخل المسجد الأقصى، خاصة يوم الجمعة.
وكان يحرص منذ اليوم الأول لشهر رمضان المبارك على تجهيز الفرق الخاصة لتزيين الحارات، وتنظيف المسجد الأقصى، وتوفير الأمن للمصلين وحمايتهم.
ويتحسر الوالد على غياب نجله في شهر رمضان، إذ " أن مقعده سيبقى شاغرًا، وسيبقى وجعا لا يفارق عقل العائلة".
ويؤكد أن إفطار نجله في الغالب كان خارج البيت طيلة الشهر الكريم، وذلك لإشرافه على تقديم وجبات الطعام للصائمين.
أمّا والدته فتتذكر لحظات الفرح التي يضفيها الشهيد حول سفرة الطعام ان حضر، حيث كانت تلح عليه الإفطار معهم في رمضان، ولكنه كان يفضل أن يشارك في اعداد الوجبات داخل المسجد الأقصى.
ومع دخول شهر رمضان، فستظل الطرقات المقدسية شاهدة على غدر المحتل وسلاحه، سيمرّ بها المصلّون الفلسطينيون في ليالي شهر رمضان، سيستذكرون دماءً نزفت هنا وأُعدم أصحابها، لتملأ المدينة غصّة الغياب صابغة نفحات الشهر الفضيل الإيمانية بألم فراق أبنائها.
ورغم حالة السواد التي تكتسي شوارع المدينة، إلّا أن أهلها يصرون على رسم معالم الفرحة، واحياء مظاهرها غصبًا عن الاحتلال واجراءاته وحصاره، فيصر أهلها على كسر الحصار المفروض على شوارع المدينة القديمة، خاصة تلك المؤدية الى المسجد الأقصى.
ويأتي الشهر الفضيل فرصة لتزيين باحات المسجد الأقصى، خاصة في ظل اكتظاظه بالمصلين وإقامة موائد الرحمن كإحدى المظاهر الثابتة داخل المسجد، والتي يحرص أهل المدينة على بقائها واستمرارها.
وتعد "موائد الرحمن" مشهدًا يوميًا في باحات الأقصى برمضان؛ يتم إطعام آلاف المصلين والمرابطين يوميا من الوافدين والزائرين للمسجد، ويقول مدير الأوقاف: إن 7 مؤسسات من داخل فلسطين وخارجها تقدم وجبات إفطار لجميع المتواجدين في المسجد خلال رمضان لهذا العام.