قائمة الموقع

غزة: 22 طبيبا يعالجون قرابة مائة ألف مصاب بأمراض جلدية

2016-06-11T09:51:43+03:00
صورة أرشيفية
الرسالة نت_محمد العرابيد

غرفتان صغيرتان وممر ضيق في عيادة الرمال بمدينة غزة، بالكاد يكفي لتواجد عدة أشخاص، يصطف فيه عشرات مرضى الأمراض الجلدية، بانتظار الدخول إلى الطبيب المختص لوصف علاج لهم. ويتواجد في تلك الغرفتين ستة أطباء فقط مختصين بالأمراض الجلدية، يتبادلون الأدوار في معالجة المرضى، فيسمح بدخول مريض واحد لكل طبيب بين الحين والآخر.

من أولئك المرضى كان مختار أحمد (24 عاما) الذي أصيب بـ "التينا"، وهو مرض جلدي سريع الانتشار، قال إنه انتظر ما يقارب الساعتين لمقابلة الطبيب الذي يتابع حالته، مشيرا إلى أنه يمر بهذه المعاناة مع كل مراجعة أسبوعياً.

وفي الأثناء، كانت المواطنة خلود سعيد تسند رأسها على جدار الممر بانتظار دورها أمام طابور المراجعين؛ لعرض طفلتها المصابة بمرض "الجرب" الذي غزا كامل جسدها، وتقول: "انتظرت طويلا لمقابلة الطبيب (...) أعداد المرضى كبيرة، ولابد من حل".

هذا المشهد، استدعى "الرسالة نت " للبحث في أسباب اكتظاظ المراجعين للأمراض الجلدية تحديداً، باعتبارها أمراضاً معدية لأسباب مرتبطة بالتلوث البيئي وانتشار العدوى، وعلاقتها أيضا بملوثات الحروب الثلاثة التي شنتها قوات الاحتلال على قطاع غزة خلال أعوام قليلة، واستخدمت خلالها أسلحة محرمة دولياً؛ تسببت بدمار كبير لمنازل المواطنين في قطاع غزة، ونتج عنها ركام وغبار، كان سبباً في تلوث البيئة والمياه الجوفية في غزة.

وقد أظهرت دراسة علمية أعدّها مركز العمل التنموي في غزة (معا)، أن البيئة في قطاع غزة تعرضت بعد العدوان الإسرائيلي الأخير صيف 2014، للتلوث بالمعادن الثقيلة، في المياه والتربة والهواء، وأن المناطق القريبة من "كسّارات حطام المباني المدمّرة جراء الحرب"، كانت ملوثة بنسب عالية جداً من "الحبيبات الدقيقة"، التي تعتبر سبباً في نشوء العديد من الأمراض الخطيرة، منها الجلدية، وفق فحوصات مخبرية موثقة لدى وزارة الصحة.

جدول واحد.JPG

  أزمة مستقبلية

إحصاءات وزارة الصحة التي حصلت عليها "الرسالة" أظهرت أن مجموع مرضى الأمراض الجلدية عام 2015، قارب المائة ألف مريض، بزيادة حوالي أكثر من 5 آلاف مريض جديد عن عام 2014.

المفارقة أن هذا العدد الكبير من المرضى يقوم على علاجه 22 طبيباً مختصاً فقط في قطاع غزة، وفق مصادر طبية تحدثت لـ "معد التحقيق"، ما يعني أن كل طبيب يعالج قرابة 500 مريض شهريا، وهو فارق كبير جداً عن المعدل الطبيعي المتعارف عليه في الأوساط الطبية، بأن يعالج الطبيب 20 مريضاً في الشهر، وفق أحد الأطباء.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الأوساط الطبية التي تحدثت لـ"الرسالة نت" تعتبر أن هذه الزيادة في أعداد المرضى المصابين بالأمراض الجلدية، مرتبطة بالتمدد السكاني وتلوت البيئة، علما أنه من المتوقع -وفق الزيادة السكانية المنتظمة في قطاع غزة-أن يكمل تعداد السكان مليوني نسمة مع حلول شهر أكتوبر المقبل 2016، وفق تقديرات نشرتها الشؤون المدنية بوزارة الداخلية في غزة.

مجموع مرضى الأمراض الجلدية عام 2015، قارب المائة ألف مريض، بزيادة حوالي أكثر من 5 آلاف مريض جديد عن عام 2014.

إلا أن النقص في أعداد الكادر الطبي المختص في التعامل مع هذه الأمراض، وعدم بحث تطويره أو زيادته تماشياً مع الزيادة السكانية، ينذر بأزمة قد يصعب التعامل معها على صعيد أقسام الأمراض الجلدية في قطاع غزة، وهو ما يمكن الجزم بتحقق هذه الأزمة مستقبلاً إذا ما علمنا أن الانقسام السياسي ألقى بظلاله السلبية على القطاع الصحي في غزة، خاصة أن حكومة الحمد الله ترفض فتح باب التوظيف في القطاع الصحي بغزة، أو حتى دعم المستشفيات أو فتح أقسام جديدة.

والمفاجأة التي اصطدم بها "معد التحقيق" هي أنه رغم الزيادة في أعداد المصابين بالأمراض الجلدية، إلا أن عددا من المستشفيات الرئيسة في القطاع أغلقت أقسام الأمراض الجلدية لديها، ونقلتها إلى أقسام الرعاية الأولية دون إبداء الأسباب.

وامتنع عدد من الأطباء الذين قابلتهم "الرسالة" عن تفسير هذا الإجراء، واعتبره بعضهم مخالفاً ويسبب تكدساً في أعداد المرضى في مراكز الرعاية الأولية، خصوصاً في ظل عدم وجود أماكن مخصصة لهم.

وتشير احصاءات "الصحة" إلى ارتفاع نسبة إصابة المواطنين بأمراض جلدية في عام 2013، خصوصاً في المناطق التي تعرضت لقصف مباشر من الاحتلال أثناء عدوان 2012، الذي استمر ثمانية أيام على التوالي.

أما في عام 2014، فإن عدد مرضى الجدلية كان قليلاً مقارنة مع سابقه، إلا أن هذا العدد ارتفع بنسب كبيرة بعد العدوان الأخير صيف العام نفسه؛ الأمر الذي يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، التأثير السلبي للحروب ومخلفاتها على نسب الإصابة بأمراض جلدية في قطاع غزة.

جدول ثاني.JPG

  إغلاق أقسام

وفي السياق، يعتبر الطبيب المختص بالأمراض الجلدية وهيب شحادة، أن الأمراض الجلدية من أكثر الأمراض انتشاراً في غزة؛ لارتباطها بعوامل خارجية مثل الحروب الإسرائيلية، واستمرار الحصار، وسوء الوضع الاقتصادي.

وقال شحادة لـ "الرسالة": "هناك بعض الأمراض الجلدية التي انقرضت في العالم، إلا أنه لوحظ عودة ظهورها في مناطق بغزة؛ بسبب الحروب"، مشيرا إلى أن "الجرب مثلا، أصبح من الصعب السيطرة عليه في ظل انتشاره بأجساد المواطنين الذين يقطنون في المناطق التي تعرضت للقصف الإسرائيلي".

وذكر الطبيب المختص أن خطورة المرض الجلدي تكمن في سرعة انتشاره وصعوبة السيطرة عليه، مؤكدا في الوقت نفسه، أن إمكانات وزارة الصحة في غزة محدودة "ولا تغطي علاج آلاف المرضى، في ظل ارتفاع نسب المرضى الذين يترددون على عيادات الوزارة، خاصة أن الأدوية لا تكفي حتى نهاية الشهر، وأقسام الرعاية الأولية تفقد الإمكانيات المناسبة للسيطرة على أي مرض جلدي".

وقد لاحظ "معد التحقيق" أثناء زيارته مراكز الرعاية الأولية، أن نقل الأطباء المختصين بالأمراض الجلدية من أقسام المستشفيات المركزية إلى مراكز الرعاية الأولية، تسبب في تكدس المرضى وانتظارهم فترات طويلة ليتسنى لهم مقابلة الطبيب المختص، وهذا ما قد يكون سبباً مساعداً في انتشار الأمراض الجدلية لدى المراجعين.

وقد نبّه الطبيب شحادة إلى الإشكالية حين قال: "هناك مشكلة ظهرت مؤخراً في وزارة الصحة، وهي إغلاق أقسام الأمراض الجلدية في مستشفى الشفاء بغزة، ومستشفى ناصر، ومستشفى الأوربي، وتحويل الأطباء إلى أقسام الرعاية الأولية".

كل طبيب في غزة يعالج قرابة 500 مريض شهرياً، بفارق كبير جداً عن المعدل الطبيعي المتعارف عليه في الأوساط الطبية بأن يعالج الطبيب 20 مريضاً في الشهر

ويوجد في قطاع غزة أربع مستشفيات مركزية، هي "الشفاء الطبي بغزة وهي المستشفى المركزي، و"ناصر الطبي" و"الأوروبي" في خانيونس، و"كمال عدوان" شمال غزة.

بدوره، نفى الدكتور فؤاد العيسوي الوكيل المساعد بوزارة الصحة ومدير الإدارة العامة للرعاية الصحية الأولية، إغلاق أقسام الأمراض الجلدية بالمستشفيات، وقال "إن ما جرى هو نقل إدارة ملف أطباء الأمراض الجلدية من المستشفيات المركزية إلى إدارة الرعاية الأولية، وحتى اللحظة الموضوع لا يزال قيد الدراسة"، قبل أن يضيف: "لا تلزمنا أقسام خاصة للأمراض الجلدية في المستشفيات، نحن نحوّل الحالات الشديدة إلى أقسام الباطنة لمتابعة حالتهم الصحية وتقديم العلاج لهم".

إلا أن مصادر طبية من الوزارة أكدت لـ "الرسالة نت" أنه جرى فعلياً إغلاق أقسام الأمراض الجلدية في المستشفيات المركزية ونقلها إلى أقسام الرعاية الأولية.

وأرجع العيسوي أسباب تكدس المرضى المراجعين بأقسام الجلدية إلى "أن المواطن يذهب مباشرة إلى الطبيب العام طلبا للعلاج، ثم يجري تحويله إلى طبيب الأمراض الجلدية"، وفق قوله.

ولا يرى مدير الإدارة العامة للرعاية الصحية الأولية أن هناك أزمة تتعلق بالكادر الطبي حين قال "إن كادر الوزارة يكفي لمعالجة جميع المرضى، وتقديم الخدمات لهم"، وفق قوله.

إلا أن الطبيب شحادة كان له رأي مختلف، عندما أوضح أن هناك أطباء جلدية يستقبلون أكثر من 50 مريضاً في اليوم الواحد، بينما يستقبل الطبيب في المناطق الشعبية أكثر من 70 مريضاً في اليوم، مجددا تأكيده بأن هناك "تكدساً في أعداد المرضى، مقابل نقص في الكوادر، وعدم وجود أماكن صحية مناسبة، تخدم المرضى".

وأضاف: "لا توجد أقسام خاصة حتى يتسنى للطبيب متابعة الحالة المرضية على مدار الساعة، ويحد من انتشار المرض بين أفراد الأسرة"، لافتا إلى أن الآلية المتبعة في وزارة الصحة، تقديم العلاج للمريض لمساعدته في السيطرة على العدوى، ومطالبته بالعودة بعد يومين لمتابعة حالته.

وبيّن شحادة أن هناك بعض الأمراض الجلدية تتطلب مكوث المريض في المستشفى، مثل أمراض سرطان الجلد، كونها سريعة الانتشار بين المواطنين، مطالبا بالعودة عن قرار إغلاق الأقسام الخاصة، وتوفير كميات كافية من الأدوية المخصصة لأمراض الجدلية.

مستشفيات مركزية في غزة أغلقت أقسام الأمراض الجلدية، ونقلتها إلى أقسام الرعاية الأولية دون إبداء الأسباب

ووفق ما هو معمول به في دول العالم، فإن وزارة الصحة مطلوب منها متابعة أي مرض جلدي في حال أصيب به أي شخص من أي عائلة، وتقديم العلاج سريعاً للمصاب، وباقي أفراد الأسرة لحمايتهم من المرض الجلدي، والحد من انتشاره.

إلا أن الإمكانيات الضئيلة لوزارة الصحة بغزة، وأهمها عدم وجود مستشفى تخصصي للأمراض الجلدية، منعت، برأي أحد الأطباء، إعداد إحصاءات دقيقة عن أنواع الأمراض الجلدية التي تصيب المواطنين، وغياب متابعة انتشارها، كما هو معمول به في الخارج.

وعلى نحو متصل، يحذر طبيب مختص في الأمراض الجلدية، فضّل عدم الكشف عن اسمه، من أن زيادة أعداد المصابين ونقص الكادر، وعدم فتح باب التوظيف في القطاع الصحي، ينذر بأزمة مستقبلية. وقال إن "وزارة الصحة ارتأت تقليص خدمات الأمراض الجلدية في المستشفيات، وتحويلهم إلى عيادات الرعاية الأولية؛ مما سبب أزمة كبيرة"، مضيفاً: "هناك ضغط وعبء علينا، ولا يوجد من يتابع الحالات الجلدية الخطيرة، إنما يتم تحويل المصابين بمرض جلدي خطير إلى أقسام الباطنة في مستشفى الشفاء".

  الانقسام

وفي الإطار، تقول مديرة الرعاية الأولية بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) لـ "الرسالة نت" إن برنامج الصحة في الوكالة لا يتضمن توفير علاج لمرضى الأمراض الجلدية في غزة.

وأضافت أن معالجة الأمراض الجلدية خارج نطاق عمل الوكالة والدائرة الصحية في قطاع غزة، موضحة أنه يجري تحويلهم إلى المستشفيات التابعة لوزارة الصحة.

وعلى ضوء ما تقدم، فإن ظاهرة انتشار الأمراض الجلدية في قطاع غزة تنذر بأزمة صحية خطيرة إذا ما واصلت الارتفاع خلال الأعوام المقبلة، ما لم تتم إعادة النظر في سياسة وزارة الصحة اتجاه هذا الملف، والعودة عن قرار إغلاق أقسام الأمراض الجلدية في المستشفيات الرئيسية.

 الانقسام السياسي ألقى بظلاله السلبية على القطاع الصحي في غزة، خاصة أن حكومة الحمد الله ترفض فتح باب التوظيف في القطاع الصحي بغزة

كما ينبغي تحييد القطاع الصحي في غزة عن المناكفات السياسية، من خلال دعمه وفتح باب التوظيف؛ لاستيعاب كادر أكبر؛ ليتسنى متابعة الوضع الصحي، بما فيه مرضى الأمراض الجلدية، وزيادة الكادر الطبي في أقسام الأمراض الجلدية "فحضور الطبيب بدء الشفاء"، إضافة إلى إنهاء مشكلة نقص الأدوية ورفع نصيب قطاع غزة من الأدوية والمستلزمات الطبية، مع أهمية تدخل مؤسسات حقوق الإنسان للضغط في هذا الاتجاه؛ لمنع انهيار المنظومة الصحية في غزة، وعدم اتباع سياسة "التنقيط" التي تزيد معاناة المرضى.

والأهم من ذلك كله، البحث في مسببات انتشار الأمراض الجلدية، وإنهاء ظاهرة التلوث البيئي، وحماية البيئة بمشاركة جميع مؤسسات المجتمع المدني، من مبدأ أن الوقاية خير من قنطار علاج.

اخبار ذات صلة