قائد الطوفان قائد الطوفان

"مخيمات الضفة" تتمرد على سياسات عباس

عناصر من حركة فتح
عناصر من حركة فتح

غزة-محمود فودة وعائد الحلبي

ارتفع في الأسابيع الأخيرة منسوب الأحداث الأمنية في المخيمات الواقعة في الضفة المحتلة، بين عناصر محسوبة على حركة فتح والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة التي يترأسها محمود عباس، مما خلق حالة من التمرد الواضح على سياسات عباس، فتحت الطريق لكسب المؤيدين أمام خصم الأخير محمد دحلان.

وبالنظر إلى طبيعة مخيمات الضفة التي شكلت حالة نضالية فريدة منذ منتصف الثمانينات ضد الاحتلال (الإسرائيلي)، فقد كانت في مقدمة مقاومة الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى، كما اهتم بها الرئيس الراحل ياسر عرفات وقدم لأهلها امتيازات مختلفة لكي يستميلهم ويكسب صفهم.

ولاحقاً، ومنذ قدوم محمود عباس لرئاسة السلطة تحديدا، تحولت المخيمات إلى بؤرة توتر دائم مع السلطة وتراكم الغضب الشعبي في مخيمات الضفة رغم أن أغلبها معاقل قوية لحركة فتح إلا أنها في نفس الوقت تكن كراهية عميقة للسلطة ومحمود عباس بالتحديد.
                                                                                 الخلاف الفتحاوي
ومع ظهور الخلاف الفتحاوي الداخلي، بين تياري عباس ودحلان، استغل الأخير حالة الغضب بين فتحاويي مخيمات الضفة ليشتري الولاءات، وليبني بؤرا مناهضة لمحمود عباس، مما دفع السلطة إلى شن عدة حملات أمنية في مخيمات بلاطة وجنين ضد أنصار دحلان.

ومن أهم المخيمات التي تقع فيها صدامات مع أجهزة أمن السلطة: جنين وبلاطة والأمعري وقلنديا والجلزون، إذ إن الكراهية ضد عباس بدأت تتوسع وتأخذ طابعًا علنيًا بعد تصريحاته التي أدان فيها خطف المستوطنين الثلاثة عام 2014م ومطالبته بإعادتهم سالمين، بالإضافة لتصريحاته التي أكد فيها على تنازله عن حق عودة الشعب الفلسطيني، وأن فلسطين بالنسبة له فقط الضفة الغربية. 

مؤخرا، شكلت أحداث الأسبوع الأخير إنذارا حقيقيا بانتقال هذه الكراهية من حالة التصريحات الكلامية إلى الفعل والصدام، والتي تمثلت بأحداث مخيم قلنديا على خلفية الاستيلاء على سيارة وزير في السلطة، ثم أحداث ليلة الخميس الماضي في كل من مخيم جنين ومخيم الأمعري.

ففي مخيم جنين، قالت مصادر محلية لـ"الرسالة نت" إن السلطة اعترضت مسيرة استقبال لأسير محرر من حركة الجهاد الإسلامي من عائلة السعدي، واعتقلت أحد المشاركين فيها؛ مما أدى لاندلاع مواجهات عنيفة بين أهالي المخيم وأجهزة أمن السلطة، فيما أدانت حركة الجهاد وعدد من الشخصيات البارزة في المخيم اعتراض السلطة للمسيرة.

وأكد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي الشيخ خالد البطش، أن ما جرى في مدينة جنين بالضفة المحتلة من اعتداء وإطلاق النار من قبل أجهزة أمن السلطة تجاه عناصر الحركة أثناء احتفالهم بالإفراج عن الأسير يحيى بسام السعدي لأمر مدان ومستفز، متسائلاً "لمصلحة من تُصر السلطة على إهانة الناس والعائلات المجاهدة في جنين؟".

وحسب المصادر ذاتها فإن حادثة مخيم الأمعري الخميس الماضي بدأت بعد أن رابطت على مدخله الرئيسي قوة عسكرية في استعراض للقوة بعد أحداث مخيم قلنديا، فاعتبره شبان المخيم استفزازًا لهم وقاموا بإلقاء الحجارة على القوة التي أطلقت قنابل الغاز والصوت بكثافة. وأشارت إلى أن حالات إطلاق النار على الأشخاص والمنازل ارتفعت بوتيرة عالية في الأشهر الأخيرة، فيما ارتفعت معدلات استخدام الأسلحة في المشكل العائلية، فيما كانت الحوادث الأخطر التي وقعت فيها إصابات خلال مواجهات بين أجهزة أمن السلطة والمواطنين والتي كان آخرها إصابة فتى في مخيم قلنديا خلال ملاحقة سارقي مركبة وزير، وحادثة مقتل الشاب عادل جرادات برصاص الأمن خلال ملاحقة مطلوب في السيلة الحارثية بجنين.

ويرى مراقبون أن أداء السلطة ما زال مرتبكًا في مواجهة المخيمات، إذ إن تمريرها لما حصل في مخيم قلنديا يعني اهتزازا قويا لهيبتها، وسيتجرأ المزيد من المجموعات على الوقوف في وجهها وربما يتجاوز ذلك حدود المخيمات. بينما لو أرادت السلطة الاتجاه صوب الانتقام من أهالي المخيمات، فإنها ستدخل معركة ومواجهة مفتوحة مع مخيمات الضفة وربما تدفع ثمنه بشكل أكبر، وقد تفقد سيطرتها تماما على المخيمات.

وفي ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي ياسين عز الدين إنها ليست المرة الأولى التي تحصل فيها صدامات من هذا النوع في العامين الأخيرين، إذ حصلت احتجاجات في عدة مخيمات على اعتقالات قامت بها السلطة، وخصوصًا مخيم بلاطة، بما فيها احتجاجات على اعتقال ناشطين من حماس كما حصل في مخيمي قلنديا والجلزون، وهذا مؤشر على ارتفاع سقف أهالي المخيمات حيث الدفاع العلني عن أنصار حماس تعتبر من أكبر الكبائر في عرف السلطة.

وأشار في حديث لـ"الرسالة نت" إلى أن الأمور هذه المرة اتخذت طابع التحدي وتلقت السلطة إهانات متعددة، أكبرها فشلها بمجرد الوصول إلى مخيم قلنديا، وعوضت عنها في بيانات ومزاعم عن اعتقالات بالجملة وعن "خارجين عن القانون" سلموا أنفسهم للأجهزة الأمنية بعد ملاحقتهم و"التضييق عليهم".

وأوضح أن السلطة تحاول منذ ثلاثة أعوام فرض سيطرتها على المخيمات للتخلص من المجموعات المؤيدة لدحلان، فيما جاءت انتفاضة القدس لتجعل الأمر أكثر إلحاحًا عليها، خاصةً لدور مخيمات وسط وجنوب الضفة الجوهري في هذه الانتفاضة، مثل قلنديا وعايدة والدهيشة والعروب والجلزون وشعفاط.
 
                                                                                  منحى خطير
بدوره، أكد البروفيسور عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية بنابلس، أن ظاهرة الفلتان الأمني في الضفة الغربية بدأت تأخذ منحى خطيرا وتتمدد في المدن والمخيمات، موضحاً أن السلطة هي أول من جند "الزُعران" لتأديب المعارضين، وقال: "والد أحد الشباب الذين حرقوا سيارتي في وقت سابق قال لي أن لديهم أوامر بذلك، يعني أن الفوضى التي يخلقونها هي بأوامر عليا".

واعتبر قاسم أن هذا السلاح مثله كمثل سلاح السلطة، ليس مطلوباً للاحتلال، طالما أنه يخرج فقط للاستعراضات وإرهاب الناس، لافتاً إلى أن المخابرات الإسرائيلية تمد بعض الأطراف بالسلاح لاستمرار هذه الفوضى.

على أي حال، فمن الواضح أنه لم يعد صدام السلطة مقتصرا على تيار دحلان أو أنصار حماس، بل أصبح في مواجهة مجتمع المخيمات كاملًا، بينما باقي المجتمع الفلسطيني يؤيد ويدعم المخيمات في وجه السلطة، فيما لا توجد قاعدة اجتماعية تحمي السلطة في هذه المواجهة. 
ويُتوقع أن تزداد الأوضاع الأمنية صعوبة وتمدداً في الضفة الغربية المحتلة خلال الفترة المقبلة، في ظل وجود جماعات ذات نفوذ، وعشائر تحمل السلاح، ومجموعات مسلحة لها غطاء أمني وسياسي.

 

البث المباشر