صرخاته المدوية في المنزل أصبحت مألوفة لدى الجيران الذين اعتادوا أن يسمعوا شجاره مع زوجته التي تنهال عليه ضربا في "علقة سخنة" تختتم بها الشجار معه.
بدأت قصة محمود 32 عاما "اسم مستعار" عندما تزوج من فتاة ذات جمال وشخصية قوية وقضى الشهور الأولى من زواجه معها في سعادة جعلته يفرط في تدليلها، حتى انقلب الأمر وباتت متسلطة في البيت.
يقول محمود "كنت سعيدا بزواجي بها ولا أرفض لها طلبا ما جعلها تتمادى وترفض مني أي انتقاد لها أو توبيخ وعلى العكس كانت هي من توبخني باستمرار وأنا ألتزم الصمت تلافيا للمشاكل خاصة أنها عصبية وترفع صوتها بقوة ما يحرجني أمام الجيران".
"تطور الأمر إلى حد ضربي خلال أي شجار فكانت تضربني بأي غرض أمامها، أحيانا بالمنفضة، أو الكأس أو حتى أدوات المطبخ فقط إذا عارضتها بالرأي أو رفضت لها أمرا، تصرفاتها الخشنة جعلتني أنفر منها وأيقنت حينها أنني تزوجت رجلا وأردت تطليقها لكني لا أستطيع أن أدفع لها حقوقها المالية"، تابع بشيء من الحسرة.
محمود ليس الرجل الوحيد الذي يتعرض للعنف من زوجته وأمام الحالات المتزايدة التي باتت تعرض على المحاكم الشرعية لقضايا رجال تعرضوا للعنف على يد زوجاتهم استدعى الأمر القضاء الشرعي في قطاع غزة لإصدار تعميم قضائي يحق بموجبه للزوج رفع قضية "تفريق للضرر من الشقاق والنزاع"، بعد أن كانت هذه القضايا حكرا على النساء فقط، حيث بات من الممكن أن يحصل الرجل على الطلاق من زوجته بدفع الحد الأدنى من حقوقها أو بلا حقوق، شريطة إثبات تعرضه للعنف اللفظي أو الفعلي منها.
القانون أثار ضجة كبيرة واستغرابا على اعتبار أن المرأة هي المعنّفة دائما وهذا ما تنفيه الاحصائيات التي أكدت أن الرجل يعنف. وبحسب المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في قطاع غزة فإن 10% من قضايا التفريق للضرر من الشقاق والنزاع التي ترفع في المحاكم هي لرجال معنفين.
الزوجة المتنمرة
أعمال البيت أصبحت مسؤوليتي الكاملة بعد يوم شاق من العمل، في حين تقضي زوجتي يومها بين الزيارات ومكالمات الهاتف ومشاهدة التلفاز، والاعتراض أو التذمر نهايته معروفة "الضرب".
هذه الشكوى حملها الزوج لأحد رجال الإصلاح طالبا منه النصح بعدما يَئِس من حياته وبات عاجزا عن التعامل مع زوجته أو وضع حد لجبروتها فهي كما وصفها "إمرأة متنمرة قوية ولا مجال للتفاهم معها". وسرد الزوج الأربعيني لرجل الإصلاح إحدى المرات التي رفض فيها القيام بأعمال المنزل وصرخ في وجه زوجته فما لبثت أن انقضت عليه ضربا "بالمكنسة" ثم طرحته أرضا وغادرت مسرعة إلى مركز الشرطة وتقدمت ببلاغ ضده بأنه قام بضربها، لينتهي الأمر به في المركز يوقع على تعهد بعدم التعرض لها.
هذه الحكايات التي غالبا ما تبقى طي الكتمان بدأت تتسرب بعدما بدأت تزداد، فهناك من يقول إن تعنيف الزوج ظاهرة موجودة بقوة في المجتمعات العربية، لكن كبرياء الرجل الشرقي يمنعه من الاعتراف بها خجلا من نظرة المجتمع التي تعتبر أنه "ناقص الرجولة".
وقد كشفت دراسة حديثة بعنوان "عنف الزوجة ضد الزوج" أجراها أستاذ أكاديمي بجامعة الكويت عن مفاجأة من العيار الثقيل، وهي أن 10% من الكويتيات يضربن أزواجهن، وفي السعودية 5%، في حين ترتفع النسبة في مصر إلى 20%، وفي دراسات أخرى قدرت بـ ـ50%، لذا اطمئن عزيزي القارئ "احنا بخير".
وبيّنت الدراسة التي أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية المصرية بشكل عشوائي على عيِّنة من 150 من النساء أن 26% من الجنس اللطيف يستخدمن في ترويض أزواجهن أدوات مطبخية من صحون وأوعية، وتختار 8.4% الملاكمة باستخدام الأيدي والأرجل، وتفضل 4% من النساء الاشتباك المباشر مع أزواجهن باستخدام الأسلوبين معاً!
ووفقاً لمركز الإحصاء الفلسطيني حول العنف الأسري لعام 2012، فإن 17.1% من النساء أفدن بأنهن مارسن العنف بحق أزواجهن؛ 13.3% في الضفة الغربية مقابل 24.1% في قطاع غزة، بواقع 35.1% عنف نفسي، و20.2% عنف جسدي.
يصمتون خجلا
لم تفلح سنوات العِشرة في الحد من الخلافات القائمة بين الزوجين، فعدم التفاهم بينهما والشجار الذي وصل حد ضرب الزوجة لزوجها مرات عدة إلى جانب التعنيف اللفظي وتحقير الزوج جعله يدرك أن استمرار الحياة بينهما مستحيلة، لكن ما كان يجبره على الاستمرار هو عدم قدرته على دفع الحقوق المالية لها، خاصة أن زوجته رفعت ضده دعوى للنفقة. هكذا يبدو حال أبو أحمد 38 عاما الذي يجسّد إحدى الحالات المرفوعة في المحكمة الشرعية، حيث يرغب بطلاق زوجته دون أن يتكبد خسارة كبيرة كونه متضررا من العنف الواقع عليه.
قراءة الواقع
"الرسالة" توجّهت بالقضية إلى القضاء الشرعي خاصة أن القانون الذي أُقر أثار ضجة كبيرة في قطاع غزة، حيث أكد الدكتور حسن الجوجو رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي، أن العلاقة الزوجية قائمة على الحقوق والواجبات، فلماذا تعطى المرأة الحق في التفريق للضرر في حالة تعرضها للعنف من زوجها ويمنع الرجل هذا الحق، خاصة أن القانون مطبق في الضفة الغربية من العام 1976.
وبين الجوجو أن القانون يستند إلى قراءة الواقع الذي يقول أن هناك رجالا معنفين وهم بحاجة لقانون ينصفهم، قائلا "لمسنا خلال عملنا في المحاكم أن هناك حالات كثيرة لرجال تعرضوا للعنف من زوجاتهم"، موضحاً أن آلية رفع الدعوة عند القاضي والقبول فيها تختلف ما بين الرجل والمرأة، وفي حال أثبتت المرأة دعواها فإن القاضي يطلق فورا، بخلاف الرجل الذي في حال أثبت دعواه فان القاضي يمهله شهرا، وإذا انقضى دون إصلاح فإن القاضي يحيل الأمر للمحكّمين ولا يطلق فوراً، مشيراً إلى أن هذا ينفي شبهة من يقول إن المحكمة تساعد الرجل على التملص من الحقوق المالية للزوجة.
الجوجو: الرجل يعنَّف بقوة ويصبر على الضرب لوجود الاستحقاقات المالية
وحول الرجال الذين لجأوا للمحاكم بعد سن القانون للتخلص من عنف الزوجات، أكد الجوجو أنه سجّل عددا من القضايا منذ سن التعميم حتى الآن لرجال معنفين ورفعوا دعاوى للشقاق. وقال الجوجو "القانون كان ضروريا لأن هناك رجالا يصبرون على القهر والضرب والايذاء لوجود التبعات المالية وهذه الحالات كانت لابد من حل لها".
الخجل من نظرة المجتمع هو أبرز الأسباب التي قد تدفع الرجل للصمت على تعنيف الزوجة، لكن تمادي الزوجة وتطاولها قد يدفع بعض الرجال للجوء للمحاكم.
عبد الخالق البحيصي مسئول الإرشاد الأسري في المحكمة الشرعية أكد أن الكثير من الحالات لرجال معنفين وقع عليهم ظلم بأنهم لا يستطيعون رفع دعوى لنيل حقوقهم في حين يُجبرون على دفع الحقوق المالية للمرأة حتى وإن كانت هي المسيئة والزوج مظلوم. ولفت إلى أن الزوجة تأخذ حقوقها كاملة حتى لوكان الحق في جانب الرجل، لذا فإن هذا القانون جاء لينصف بعض الرجال.
وبيّن أن القانون لا يمكن أن يظلم المرأة لأن هناك إجراءات تقاضي وتقارير تقدم من المحكّمين والتي على أساسها يبنى القاضي حكمه، معتبرا أن إجراءات التقاضي في منتهى النزاهة والعدالة ولا يمكن أن يحصل رجل على حكم دون وجه حق.
الإرشاد الأسري: القانون لا يظلم المرأة وإجراءات التقاضي نزيهة
وأوضح أن إثبات حالة العنف والضرب من الزوجة على زوجها صعب للغاية، لذا فإن القول إن القانون ينتقص من حقوق المرأة "غير صحيح".
العنف ضد الأزواج موجود ولا يمكن إنكاره وهناك حالات في المحاكم تستدعي وجود القانون الذي يُنصف الرجل ويعطيه حقه، لكن الإشكالية أن القانون فتح المجال للجميع بأن يستغلوه للضغط على زوجاتهم، ذلك رأي المحامية الشرعية آيات هللو.
وأوضحت أن معظم الرجال المرفوعة ضدهم قضايا في المحاكم للنفقة أو غيره اتجهوا لرفع قضايا ضد زوجاتهم للضغط عليها والتنازل عن حقوقها، مؤكدة أن عدد القضايا التي رفعت منذ إقرار القانون كبيرة جدا وباتت منتشرة.
أدوات المطبخ للترويض
"زوجتي تضربني لكن لا تؤذيني" بهذه الكلمات عرض أحد الأزواج مشكلته والتي لخصها بأن حياته الزوجية مستقرة لكن ما يعكر صفوها هو غضب الزوجة الذي يصل حد الضرب وبقوة، قائلا "في كل مرة تتطاول علي أهم بأن أضربها لكنني أتراجع خشية ردة فعلها". ويضيف "في البداية تحملت واعتقدت أن ضربها لي بسبب عصبيتها الزائدة وطباعها الحادة لكن الأمر تطور وأصبحت تضربني وتهينني لأتفه الأسباب وتستخدم في ضربي كل أدوات المطبخ".
"لم يعد يؤذيني ضربها بقدر إهانتي أمام أطفالي الذين كبروا وباتوا يدركون أن أباهم رجل يهان من أمهم لذا أفكر بتطليقها لكني أخشى أن أدمر أسرتي وأشرد أطفالي".
رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي الجوجو قال إن "القضايا التي ترفع من النساء ضد الرجال غالباً المحكّمين يدينون المرأة ويحملوها نسبة إساءة أكثر من الرجل قد تصل لــ 70% أو أكثر، لذا فإن القانون الجديد يحقق المساواة بين الطرفين".
وتابع قائلا: "أستغرب الضجة التي أثيرت حول القانون، ولماذا أي قرار ينصف الرجل مستهجن والقوانين التي تنصف المرأة على كثرتها مسموح بها ؟!"، مؤكداً أن هناك حالات لرجال معنفين ومغلوبين على أمرهم يتحملون الذل لأجل أبنائهم.
"الرسالة" علمت أن القانون أثار ضجة داخل أروقة المحاكم الشرعية والعديد من الرجال المرفوعة ضدهم قضايا لجأوا لرفع قضايا مضادة في محاولة لاستغلال القانون للضغط على زوجاتهم، وهنا قال الجوجو "القاضي يقوم بضم القضيتين وينتخب محكّمين ليفصلا في أسباب النزاع والشقاق وفي النهاية سيظهر من الذي يتحمل مسؤولية الإساءة".
وذكر الجوجو عدة نماذج لرجال معنفين منهم رجل متعلم وذو مكانة اجتماعية مرموقة كان في جلسة نقاش مع زوجته التي غضبت فسكبت عليه مشروبا ساخنا وضربته بالكأس ما تسبب له بإصابة، وفي حالة أخرى قال "رفعت زوجة قضية على زوجها، وعندما كنت أتحدث معه وأنهيه عن تعنيفها، بكى الرجل وكشف عن صدره ليظهر فيه أثار الاعتداء من زوجته".
المحامية هللو أكدت أنها تعاملت مع عدة قضايا لرجال معنفين، مؤكدة أنها تعمل مع حالتين لرجلين معنفين حاليا، الأول كان يتعرض للضرب المبرح من زوجته ويطرد من بيته حيث تمنعه من دخول المنزل ورؤية أطفاله ولو حاول الدفاع عن نفسه كانت تستدعي عائلتها لضربه، وقد رفعت حاليا دعوة ضد الزوجة بمجرد صدور القانون، والحالة الثانية لزوجة كانت تعنف زوجها وتخونه من خلال العديد من العلاقات على الفيس بوك. وأيدت المحامية وجود قانون ينصف الرجل لكن مع ضوابط محددة لضمان عدم استغلاله ضد المرأة.
محامي: القانون أعطى فرصة للرجل للتملُّص من دفع الحقوق المالية للمرأة
القضايا المنتشرة في المحاكم الشرعية بغزة قد تكون مؤشرا هاما على نسبة المشاكل والعنف الأسري المتبادل، لكن النسبة الأكبر تلجأ للصلح العشائري قبل المحاكم.
رئيس لجنة شئون العشائر في وزارة الداخلية عبد العزيز الكجك أكد وجو ظاهرة غريبة بدأت تتمدد في المجتمع الفلسطيني وهي أن المرأة تحاول أن تتمرد على الرجل بقضية حقوقها المالية، قائلا "شهدنا حالات كثيرة لزوجات متمردات ويطالبن الرجل بحقوقهن".
وتابع "طالما هناك مخرج للمرأة يجب أن يكون مخرجا للرجل في حال كان يقع عليه ظلم من الزوجة، وهذا ما يقدره المحكّمين من أهل الزوج والزوجة والقاضي الذي سيحكم في حال كانت المرأة بالفعل متمردة على الرجل وتعنفه، لذا فإن تطبيق هذا القانون لا ينقص حق المرأة في شيء".
الصلح العشائري: القانون أوجد للرجل المعنَّف مخرجا للهروب من المرأة "المسترجلة"
وأضاف "القانون ضرورة مُلحّة لأنه ينصف الرجل ويساويه بالمرأة التي إن كرهت الحياة مع الزوج فالقانون ينصفها ويعطيها حق رفع قضايا التفريق والنفقة، ولذلك فإن ما يجري حاليا هو أن المرأة تذل زوجها من خلال النفقة وتسجنه وحتى وإن كان هو الطرف المظلوم". وأكد أنه من خلال عمله في الاصلاح العشائري لاحظ وجود نساء "مسترجلات" بشكل عنيف ويقدمن على ضرب الزوج دون أدنى اعتبارات لقوامة الرجل.
وأكد الكجك أن العنف ضد المرأة يبقى النسبة الأكبر لكن هذا لا ينفي أن الرجل يعنف بقوة أيضا، ومضى يقول: "إن هذا الأمر خطير جدا وحالات الطلاق والخلافات الزوجية في المحاكم كبيرة جداً، وهي بحاجة لحلول حقيقية للحد من هذه المشاكل المتجذرة والتي تهدد الوضع الاجتماعي".
وشدد على أن الوضع الاقتصادي الصعب والفقر والبطالة التي تعيق الرجل عن قدرته على الإنفاق عليها هو ما يجعل الزوجة ترى أن الزوج مقصر وتبدأ في تحقيره وتعنيفه. ويقول الكجك "تعاملت مع حالات لبعض النساء يقدمن على ضرب أزواجهن، إحداهن كانت تضربه "بالشبشب" في حال اعترض على خروجها من المنزل أو رفض احضار أي من طلباتها".
ويبدو أن عدم التوافق والتكافؤ بين الزوجين من الأسباب التي تؤدي إلى عنف المرأة، فضلا عن انعدام الحب الذي يدفع إلى أن تكون طبيعة المرأة تميل إلى العنف مع الزوج وتتعامل معه بنظرة أدنى.
الأخصائية الاجتماعية زهية القرا أكدت أنها من خلال عملها واجهت بعض القضايا والمشكلات الأسرية التي يكون فيها الزوج معنفا، لكنها رفضت اعتبار أن هذه الحالات تشكل ظاهرة، وقالت: "القانون الجديد يقوي الرجل على المرأة ويشجعه على تعنيفها وبعض الحالات للرجال المعنفين لا تكاد تذكر أمام العنف الذي تتعرض له المرأة".
أخصائية اجتماعية: النسبة قليلة والأوضاع الصعبة هي التي تدفع المرأة لتعنيف الرجل
تخلي الرجل عن إدارة الحياة الزوجية ومسؤولياته والالقاء بها على عاتق المرأة قد يدفعها لتعنيفه كتعبير عن غضبها منه والضيق الذي تشعر به، بحسب القرا، مبينة أن الوضع الاقتصادي الصعب والبطالة والفقر هي معاناة تشترك فيها المرأة والرجل، لذلك فإن الضغط النفسي الذي تعيشه المرأة يدفعها للتفريغ عن غضبها، خاصة إذا كان الرجل لا يتحمل مسؤولياته وعاطلا عن العمل ويترك المرأة تعمل لتصرف على المنزل.
ويمكن القول إن الرجل المعنف هو حالة موجودة في مجتمعنا رغم محاولات التعتيم عليها، لكن لا يمكن اعتبارها ظاهرة، في حين أن تراجع دور الرجل أمام المرأة التي أصبحت تعمل وتقود الأسرة أدى لتراجع هيبته ودوره، وبات يتحمل العنف الواقع عليه من زوجته ويصمت خجلا من نظرة المجتمع ما يؤدي لازدياد هذه الحالات، لذا فإن إقرار قانون التفريق للرجل المعنف يحمل في مضمونه المساواة بين الرجل والمرأة.