تابع سكان قطاع غزة لحظة بلحظة أحداث محاولة الانقلاب في تركيا ليلة السبت الماضي، وانتاباهم القلق في بداية الانقلاب، إلى أن خرجوا في مسيرات حاشدة؛ ابتهاجا بفشل الانقلاب، وبقاء النظام التركي على حاله.
البعض استكثر على سكان غزة متابعتهم لما جرى في تركيا، واعتبروا أن في ذلك مبالغة بالنظر إلى أنه شأن داخلي لدولة أخرى، وعليه، كان من الضروري سرد الأسباب التي دفعت المحاصرين في غزة لأحداث تركيا.
ففي الساحة الفلسطينية، تفوقت المتابعة الشعبية الفلسطينية وكذا الإعلامية في قطاع غزة على نظيرتها في الضفة، مما يبعث بالارتباط الفعلي بين غزة وتركيا.
وما إنْ طلع الصباح، حتى خرجت مسيرات عفوية في شتى محافظات قطاع غزة، دعما للقيادة التركية، ورفضا للانقلاب عليها، ورفع أهل غزة صورا للرئيس التركي، وأعلام الدولة التركيا، عدا عن توزيع الحلوى ابتهاجا بفشل الانقلاب.
وانقسمت أسباب المتابعة لثلاثة أجزاء، المواقف السياسية التركية الداعمة للقضية الفلسطينية، وخصوصا قضايا قطاع غزة، والترابط الاقتصادي بين تركيا وغزة، إضافة للروابط الاجتماعية التي ربطت الطرفين.
وفي المواقف السياسية التي تعتبر النقطة الأهم في ظل حالة عدم الاهتمام الإقليمي بقضايا قطاع غزة طيلة العقد الأخير، إذ تشير الوقائع إلى أن الدولة التركية وقفت إلى غزة منذ فرض الحصار على غزة، ومرورا بالحروب الإسرائيلية الثلاثة عليها.
ومؤخرا كان الموقف السياسي الأكثر جرأة، بالضغط على "إسرائيل" لفك الحصار عن غزة، ضمن اتفاق المصالحة الذي تم بين الجانبين، حيث بقي هذا الملف حجرة عثرة أمام إنجاح الاتفاق طيلة العامين السابقين، إلى أن توصل الطرفان إلى تخفيف الحصار بدلا من رفعه.
وخلال الحروب "الإسرائيلية" على غزة تصدرت تركيا المواقف الدولية والإقليمية الرافضة للعدوان، والساعية لإيقافه، من خلال محاولة الدخول على خط وقف إطلاق النار بين الجانبين، بينما اصطدم بالحاجز المصري الرافض لتدخل أي طرف غيره في الملف.
ومما يحسب لتركيا، ما قامت به في عام 2010، بإرسال سفينة مرمرة لفك الحصار البحري عن غزة، في توقيت اجتمعت فيه الأطراف الإقليمية والدولية وبعض الجهات الفلسطينية على حصار غزة.
وأبقت تركيا على علاقات متوازنة مع طرفي الساحة الفلسطينية، المتمثلة بحركة فتح والسلطة الفلسطينية بالضفة المحتلة، وحركة حماس في قطاع غزة، وقدمت الدعم المادي والسياسي للسلطة، فيما فتحت أبوابها لحماس مع احتدام الظروف الإقليمية.
وفي ذلك علاقة وثيقة بين غزة وتركيا، فهي التي احتضنت المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس التي تسيطر على زمام الأمور في غزة في وقت أغلقت العواصم العربية أبوابها أمام قياداتها.
وظهر ذلك من خلال استقبال القيادة التركية الممثلة برئيسها الطيب رجب أردوغان لقيادات حركة حماس، في الوقت الذي رفض فيه الزعماء العرب استقبالهم، خوفا من تضرر العلاقات مع "إسرائيل".
وفي السياق الاقتصادي، يتمثل السبب الثاني الدافع لاهتمام سكان غزة بالأحداث التركية، بدعمها القطاع خلال فترات الحصار والأزمات الإنسانية، من خلال رزمة مشاريع بـ13 مليون دولار مساعدات اغاثية، وتشكيل لجنة لحل ازمة الكهرباء في غضون 3 اشهر، وتشكيل لجنة لإعادة ترميم شبكة الكهرباء بغزة.
واتجهت تركيا لدعم مشروع تحلية مياه غزة بـ300 مليون دولار، عدا عن إيصال قافلة انسانية محملة بـ11 ألف طن من المساعدات قبيل عيد الفطر، تجهيز قافلة اغاثية محملة بـ13 ألف طن قبل عيد الأضحى.
ومما يحسب لتركيا، تجهيزها لمستشفى الصداقة بقيمة تفوق 40 مليون دولار، فيما قدمت مشاريع اغاثية عن طريق جمعية الـ ihh فاقت مليار دولار في غضون 4 أعوام تلت ما حصل مع سفينة مرمرة.
أما السبب الثالث، فتمثل بالعلاقات الاجتماعية التي ازدهرت في العقد الأخير، بعد أن فتحت تركيا أبواب جامعاتها للطلبة الفلسطينيين لاستكمال دراساتهم الجامعية والدراسات العليا، وجهزت آسرة مستشفياتها للجرحى والمرضى الفلسطينيين، خصوصا في فترة الحروب على غزة.
وعلى إثر ذلك، نشأت علاقات مصاهرة بين سكان غزة والأتراك، بأن تزوج عشرات الفلسطينيين المقيمين هناك، بفتيات تركيات، وبرز ذلك بعد أن لجأ الفلسطينيين إلى تركيا في ظل صعوبة الحياة في الدول التي لجأوا إليها إبان الهجرة عام 1948.
وفي الدراما التركية حكاية أخرى، إذ تحظى باهتمام فلسطيني واسع، خصوصا من فئتي الشباب والنساء، من خلال متابعة المسلسلات التركية كوادي الذئاب الذي افتقد الغزيون بطله في اللحظة العصيبة التي مرت بها تركيا ليلة السبت.
فالعديد من الناشطين الفلسطينيين، تندروا في متابعتهم للأحداث التركية بالسؤال عن "مراد علمدار" ومجموعته، نظرا للمشاهد القوية التي تابعوها لحظة بلحظة في المسلسل ذو العشر أجزاء.
وعلى أي حال، أشارت الحالة التركية إلى أن غزة وفية لمنْ يقف إلى جوارها، وتدعمه، بعفويتها، ووقفتها الإنسانية، إلى جوار الديموقراطية والحرية التي تتمنى أن تحظى بها، بعد أن سلبها الاحتلال بحصاره المستمر منذ عقد من الزمن، والذي تحاول تركيا انهاؤه.