تعصف رياح التغيرات الإقليمية بالقضية الفلسطينية، وتمنح بذات الوقت الاستقرار لدولة الاحتلال الإسرائيلي بأوصال عربية، لاسيما مع توالي المؤشرات على اندفاع بعض الدول العربية على تعزيز علاقاتها مع الاحتلال على حساب القضية الفلسطينية.
وليس غريباً أن يصرح رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مؤخراً أن علاقات "إسرائيل" مع الدول العربية المحورية تمر بمرحلة تحول جذري، فالوقائع على الأرض خير برهان.
وأوضح نتنياهو أن هذه الدول باتت تدرك أن "إسرائيل" ليست عدواً لها بل حليفا وسنداً هاماً بوجه من أسماه "التيار الاسلامي المتطرف" وإيران، مبيناً أن حكومته اعتقدت في الماضي أن التوصل إلى السلام مع الفلسطينيين سيتيح لها تحقيق السلام مع العالم العربي.
ومن المفارقة أن بعض الدول العربية أصبحت تتبجح ولا تداري حرصها على تعزيز علاقتها بالاحتلال، بل على العكس أصبحت تجاهر بها، وتعتبرها طريق للوصول للسلام والاستقرار في المنطقة.
وفضحت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى "إسرائيل" عمق العلاقة الحميمة بين الجانبين، لاسيما وأنها انتهت بلقاء عشاء في منزل نتنياهو في القدس المحتلة، بحضور زوجة الأخير في مشهدٍ غير مألوف في الاجتماعات واللقاءات السياسية مع قادة الاحتلال الإسرائيلي، كما أن اللقاء تضمن مشاهدة مباراة كرة القدم في نهائي أمم أوروبا بين منتخبي فرنسا والبرتغال، بما يفند ما تحدثت عنه صحفٌ مصرية وعربية حول كون الزيارة تشكّل دعماً للقضية الفلسطينية، وإعادة تذكير العالم بمعاناة الشعب الفلسطيني.
وقاحة الاعتراف
ويرى الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب أن ما جاء على لسان نتنياهو يعكس ما يجري من تطور كبير في علاقة الدول العربية بالاحتلال، وينطلق من الفكرة التي روج لها نتنياهو منذ وقت طويل أن السلام لا يصنع العلاقات بل العلاقات هي من تصنع السلام.
وأوضح حبيب في حديثه لـ "الرسالة" أن أولوية الاحتلال في الوقت الراهن تعزيز علاقته مع الدول العربية للوصول لعملية تطبيع شامل مع الدول العربية يتم خلاله التوافق على الأمر الواقع الموجود فعلياً على الأرض الفلسطينية. ولفت إلى أن حديث نتنياهو يفضح الدول العربية التي كانت في الماضي تخفي علاقتها مع الاحتلال بينما اليوم تتبجح بوقاحة الاعتراف بها.
ويتفق الكاتب والمختص في الشأن "الإسرائيلي" مأمون أبو عامر مع سابقه، معتبراً أن تفكك وضعف الأنظمة العربية، بالإضافة إلى "فزاعة" إيران دفعها للبحث عن حلفائها وترتيب مصالحها مع الاحتلال للحفاظ على ذاتها.
تحول جوهري
وقال أبو عامر لـ "الرسالة نت": إن تلك الأنظمة بدأت تشعر أن أمريكا تمتلك ميزان القوى في المنطقة وتسرع من الخطوات باتجاه معين بحكم قوتها الاقتصادية مما دفعها إلى التحالف مع إسرائيل كونها بوابة الولايات المتحدة الأمريكية.
وأضاف أن الدول العربية نفسها تحولت من طرف يعمل لصالح الفلسطينيين إلى وسيط بينهم وبين الاحتلال، وهو مؤشر خطير بأنها لم تعد طرفاً في الصراع وموقفها السياسي متردد ولا يتعاطف مع الفلسطينيين. وأشار أبو عامر إلى أن الاحتلال نجح في تغييب القضية الفلسطينية على حساب تعزيز علاقاته بالدول العربية التي لم تبق فلسطين على سلم أولوياتها.
وبالرجوع إلى حبيب فإنه يعتقد أن السبب في تراجع القضية الفلسطينية هو الاستمرار في مفاوضات عقيمة مع الاحتلال وعدم التوجه لخيارات ضاغطة على العدو. وبين أن ضعف الجانب الفلسطيني المتأزم دفع النظام العربي للتخلي عن القضية الفلسطينية، تزامنا مع التغيرات الاقليمية التي غّيبت القضية من أولويات العالم العربي.