فشلت محاولات المواطنة رشا شفيق في الحصول على حوالتها المالية والتي وصلتها من والدها في السعودية، بعد أن فضلت عودتها من حيث جاءت نتيجة تعرضها للابتزاز أثناء محاولة صرفها على يد أكثر من محل صرافة زارته أملاً في الحصول عليها.
في عدد من محال الصرافة العاملة في قطاع غزة تتكشف تفاصيل عمليات ابتزاز يتعرض لها مواطنون عند تلقيهم حوالات من الخارج عبر شركات التحويل السريع.
التلاعب بأسعار الصرف وتجزئة المبلغ وتغير عملة الحوالة، أشكال من عدة طرق تمارسها محال صرافة بهدف الحصول على أرباح مضاعفة إضافة إلى عمولة التحويل المتعارف عليها من الشركة.
تقول رشا إن أحد المحال عرض عليها صرف الحوالة البالغة ثلاثة آلاف دولار والمحولة عن طريق شركة Xpress Money بأقل بعشرة شواكل لكل مائة دولار بالإضافة إلى الحصول عليها بفئة الشيكل، فيما عرض عليها آخر تسلم نصف المبلغ والعودة بعد أسبوعين لتسلم النصف الآخر.
علمت "الرسالة" بعدها أن الشركة المحولة هي غير مرخصة للعمل في قطاع غزة، لعدم استيفائها لشروط سلطة النقد وأن غالبية الصرافين يتعاملون مع الشركة عن طريق علاقتهم الشخصية ولهذا السبب يتعرض المواطنون لضغوط للحصول على حوالاتهم.
ورغم عدم تعاون سلطة النقد وعدد من الصرافين مع "الرسالة"، إلا أن حجم الحوالات الواصلة لقطاع غزة والتي تعد أحد أهم مصادر الدخل للآلاف من العائلات في القطاع تطلبت فتح ملف الرقابة على صرف الحوالات في قطاع غزة خاصة بعد وقوع المواطنين ضحايا للابتزاز بسبب الحاجة وغياب البدائل.
حوالات ضخمة
ورغم صعوبة معرفة حجم الحوالات الواصلة لقطاع غزة بسبب وجود أكثر من طريقة لدخولها منها المرخصة وغير المرخصة، فيما توجد طرق غير شرعية وتدخل في إطار غسيل الأموال، إلا أن اصطفاف المواطنين في طوابير طويلة خلال شهر رمضان المنصرم داخل محال الصرافة وبقاءهم حتى ساعات منتصف الليل يوضح حجم الحوالات والتي قدرها الكاتب والمحلل الاقتصادي نهاد نشوان بأكثر من 10% من حجم الأموال المتداولة في القطاع.
مواطنون: نتعرض للابتزاز ونصرف الحوالات بأقل من قيمة السوق
لم تكتف "الرسالة" بتلك النسبة وحاولت الحصول على أرقام أكثر دقة من محال الصرافة، وهو ما واجهت صعوبة فيه إلى أن تمكنت من الحديث مع أحد العاملين في أحد المحال متوسطة عدد الزبائن في مدينة غزة،-فضل عدم الكشف عن اسمه-، حيث أشار إلى أن متوسط حجم الحوالات الواصلة عن طريق محله يومياً هو 4 آلاف دولار، فيما يصل ذلك الرقم إلى 20 ألف دولار في شهر رمضان وقبل الأعياد.
الرقم السابق هو متوسط ما يصل لـ 50 محل صرافة مرخص في قطاع غزة ويتعامل مع شركات التحويل السريع، فيما يتضاعف المبلغ مع المحال غير المرخصة والبالغة أكثر من 400 محل وتتعامل بطريقة التحويل اليدوي وهي الطريقة الأكثر شيوعاً بسبب الحصار المصرفي رغم عدم شرعيتها كونها لا تدخل في النظام المصرفي لسلطة النقد.
وتعتمد عائلات كاملة على التحويلات المالية، بالإضافة إلى وجود موظفين لدى شركات خارجية ويتلقون رواتبهم عن طريق الحوالات.
وبحسب المحلل الاقتصادي والمالي الحسن البكر فإنه يستحيل معرفة حجم الحوالات الواردة إلى قطاع غزة في ظل وجود طرق غير رسمية ولا تدخل ضمن النظام المصرفي خاصة في حالات التعامل بالحوالات اليدوية.
وتنقسم أنواع الحوالات الواصلة للقطاع إلى ثلاثة أنواع وهي التحويل المصرفي من خلال البنوك ويتم من بنك إلى آخر، بالإضافة إلى الحوالات السريعة والتي بدورها وتنقسم إلى نوعين: الأول مقبول ومرخص من سلطة النقد كــ Money Gram و Western Union، والثاني: غير مرخص من سلطة النقد كــ Xpress Money، Xpress Remit ، Al Ansari Exchange
والنوع الثالث هو الحوالات عن طريق اليد وهي الأخطر لأنها لا تدخل في النظام المصرفي وتعتبر ضمن غسيل الأموال.
وخلال تقصي "الرسالة" علمت أن الحوالات السريعة أكثر ضماناً إلا أنها محدودة السقف ولا يمكن أن تتجاوز ال3 آلاف دولار بأوامر من سلطة النقد إلا أن محال الصرافة تلجأ إلى التلاعب فيها ولا يوجد من يمنعها من ذلك، بخلاف حوالات المكاتب والتي تبدأ من 10 آلاف دولار فما فوق، وتسلم بنفس العملة المحولة لأنها خاضعة للاتفاق وعمولتها مرتفعة مقارنة بغيرها من الطرق.
ووفق بكر فإن بعض الصرافين يلجؤون إلى عمليات ابتزاز كبيرة لتحقيق أرباح إضافية كتسليم الحوالات بالشيكل بحجة عدم وجود الدولار، أو صرف الدولار بسعر أقل من السوق، مشيرا إلى أن كل تلك الممارسات تعد تجاوزا لقانون سلطة النقد ولبنود الاتفاق مع شركات التحويل السريعة والتي تشترط تسليم المبلغ كاملاً وبنفس العملة المحول بها.
لا يوجد رقابة
وبين صفوف المواطنين في أحد محال الصرافة المعروفة والكبيرة في قطاع غزة حاولت معدة التحقيق البقاء لبعض الوقت لملاحظة الآليات التي يتبعها المحل مع زبائنه، فلاحظت تكرار حالات المساومة للزبائن بحجة عدم وجود الدولار.
الاقتصادي نشوان: سلطة النقد غائبة ولا تؤدي مهامها في غزة
وبدورها التقت أحد المواطنين بعد فراغه من المعاملة وحصوله على المبلغ المحول من شقيقه في الخارج بقيمة 800 دولار، وكانت المفارقة بحسب أحمد سالم في أواخر الخمسينات من العمر عندما طلب منه موظف المحل استلام المبلغ بالشيكل بحجة عدم وجود الدولار وبعد أخذ ورد توصل معه لأخذ نصف الحوالة بالشيكل بسعر أقل من سعر السوق ب2 شيكل والنصف الآخر بالدولار.
وترجع حالة الفوضى في مجال الصرافة إلى غياب دور سلطة النقد في الرقابة الفعلية عليها بحسب الكاتب والمحلل الاقتصادي نشوان، موضحا أن تسيير عمل البنوك والمصارف ومحال الصرافة وربطها بالمواطنين والرقابة عليها هي من مهام سلطة النقد بناء على اتفاقية باريس.
ويؤكد أن سلطة النقد لا تمارس كثيرا من المهام المطلوبة منذ الحصار الذي فرض على قطاع غزة، مبيناً أنها لم تصدر أي تعليمات ملزمة بأسعار الصرف ولا تلزم محال الصرافة بفروق أسعار الصرف من عملة لعملة، وفي ظل القوانين والرقابة الغائبة تعمل تلك المحال بشكل غير قانوني.
ويذهب نشوان إلى أبعد من ذلك، معتبرا أن البنوك في غزة تمارس نفس النوع من الابتزاز على المواطنين بشكل أوسع وأشمل، وهي "أول من تذرع بحجة غياب الدولار وهو ما شجع محال الصرافة على اتباع ذات الآلية".
وذكر أن سلطة النقد منعت لفترة طويلة إصدار تراخيص لمحال الصرافة واقتصرت تلك التراخيص على المحال صاحبة العلاقة الوثيقة بها، وهو ما حد حالة التنافس في السوق لأن شركات التحويل لا تمنح العقود إلا بعد عامين من سريان ترخيص سلطة النقد.
وعلى خلاف ادعاءات بعض محال الصرافة، أكد العامل الذي التقته "الرسالة" أن أصحاب المحال يدعون عدم وجود الدولار لتحقيق أرباح إضافية خاصة في ظل الضغط والمواسم وتكدس مبالغ مستحقة لهم على شركات التحويل في الخارج.
الاقتصادي بكر: 400 محل صرافة غير مرخص ولا يخضع للرقابة
وأكد أن الرقابة عليهم تقتصر على سلطة النقد التي تطالبهم بتقارير أسبوعية لحركة الأموال، كما تنفذ زيارات ميدانية للتأكد من حجم الأموال والحوالات دون التدخل في أسعار الصرف وغيرها، مشيرا إلى أن وزارة الاقتصاد ليس لها أي دور رقابي عليهم.
"الرسالة" توجهت لوزارة الاقتصاد للحديث عن دورهم في حماية المستهلك، حيث ناشد عبد الفتاح أبو موسى مدير مكتب غزة محال الصرافة التي تعمل في مجال الحوالات بضرورة الالتزام بالقانون وعدم غبن المستهلك، مبيناً أن أي تجاوز سيعرضهم للمساءلة كون الوزارة ستلجأ إلى الرقابة عليهم خاصة في ظل تفشي ظاهرة الابتزاز للمواطنين.
وخلال البحث، كشفت "الرسالة" أن بعض المحال تلجأ إلى تحقيق أرباح ومكاسب من خلال تأجيل تسليم الحوالات للمواطنين بحجج مختلفة منها عدم توفر سيولة أو دولار رغم إنزالها واستلمها من الشركة المحولة، بهدف إبقاء الأموال لدى المحلات أكبر مدة ممكنة والاستفادة من عائداتها المالية.
البدائل غائبة
ومن اللافت أن كثيرا من محال الصرافة تستغل غياب البدائل خاصة وأن البنوك منعت تلقي أي حوالات فردية عن طريق الأرصدة منذ الحصار على غزة، كما أن المواطنين يفضلون التعامل مع الصرافين أكثر من البنوك لقلة القيود والتدقيق على الحوالات السريعة.
وتشتكي الطالبة سهاد جمال والتي تدرس في قطاع غزة من تلاعب الصرافين خاصة وأنها لا تملك أي بدائل لكونها تحتاج تحويل مصروفها الجامعي بشكل شهري من والدها المقيم في دولة قطر.
وتقول سهاد إنها تتعرض لما سمته "النصب" في كل مرة رغم تغييرها لمحال الصرافة التي تتعامل معها، مبينة أن مرات قليلة فقط حصلت خلالها على قيمة الحوالة ذاتها وبنفس العملة المحولة.
توجهت "الرسالة" لأحد محال الصرافة المعروفة وقابلت جهاد بسيسو صاحب محل صرافة وعضو مجلس إدارة نقابة الصرافين المشكلة حديثاً والذي أكد أن القانون يوجب تسليم أي حوالة بذات القيمة والعملة المحولة بها، موضحا أن البعض يلجأ إلى تغيير العملة أو تأجيلها لقلة رأس ماله ولتكدس أمواله في الخارج كمستحقات على شركات التحويل السريع.
الصراف بسيسو: القانون يوجب تسليم أي حوالة بذات القيمة والعملة المحولة لها
وبحسب بسيسو فإن المشاكل تزداد في وقت المواسم لكثرة الضغط على الصرافين بشكل يومي، بالإضافة إلى الفرق بين أسعار البورصة والسوق، وهو ما يشكل أحياناً خسارة للصراف في حال سلم الحوالة بالدولار في حال كان سعر الصرف في غزة أعلى من البورصة، موضحاً أن الصراف ذاته يضطر أحياناً لتسلم مستحقاته على الشركات من البنوك وبالشيكل بدل الدولار.
وبنبرة ساخطة، قال بسيسو "غزة ليس لها معايير" لكن ورغم ما سبق إلا أنه أكد أن ذلك ليس مبررا لتجاوز القانون.
ويرى بسيسو أن الحل يكمن في الشكوى لسلطة النقد خاصة في حال المحال المرخصة، مؤكدا أن السلطة تخضعهم للتفتيش بشكل دوري وتراقب عملهم، لكن المشكلة تبقى في المحال غير المرخصة والتي يبلغ عددها أضعاف المرخص والتي لا تخضع لأي نوع من الرقابة.
ولاحظت "الرسالة" خلال جولتها وسؤال المحال المرخصة تعامل غالبيتها بخدمات التحويل غير المرخصة من سلطة النقد.
ويذكر عضو مجلس إدارة النقابة أن سلطة النقد ترخص الشركات العالمية كالويسترن إلا أن الشركات غير المرخصة هي شركات عربية وغير مدرجة بالأسواق المالية كما تشترط النقد.
ولا يتمتع المحل المرخص بأي ميزات سوى الاتصال والتعامل مع شركات التحويل العالمية، وهو الأمر الذي لا يشجع كثيرا من المحال على الترخيص رغم قدم تاريخها خاصة وأنها تعتمد على الحوالات اليدوية بمبالغ عالية والتي تغنيها على الشركات العالمية.
ويعلق بسيسو بأن الصراف على العكس في غزة يعاني من تضييق والتحقق في المطارات العربية ويوسم بالإرهاب، حتى أن سلطة النقد لا تستطيع إجبار أي من البنوك حتى المحلية على فتح أرصدة للصرافين في ظل إصرارها على رفض التعامل معنا.
تحتاج لحل
وعلى الرغم من وجود المشكلة ومعرفة عديد من الجهات بتفشيها إلا أن الرقابة غائبة ولا يوجد ضابط، وهو ما أرجعه المحلل بكر إلى أن سلطة النقد تدرك وجود أعداد كبيرة من الصرافين غير المرخصين "فهي تغض الطرف عن المرخص في بعض المجالات نتيجة الأضرار الكبيرة الواقعة عليهم بسبب غير المرخصين".
لكن الكاتب نشوان وفي رحلة البحث عن الحلول دعا لإنشاء هيئة ناظمة في ظل غياب سلطة النقد، معتبراً أن الحديث عن تعزيز الانقسام لا معنى له في ظل حالة الفوضى المصرفية التي يعاني منها القطاع.
وأضاف أن سلطة النقد تزيد القيود على القطاع؛ فمنعت وصول أي حوالات للحسابات البنكية للأفراد، فيما منعت وصول الحوالات لكثير من الجمعيات في قطاع غزة، وحددت حجم الحوالة بحيث لا تزيد عن 3 آلاف دولار مع التدقيق في المرسل وصلة القرابة وأسباب التحويل".
عامل في محل صرافة: ندعي عدم وجود الدولار لتحقيق أرباح إضافية
وأكد نشوان أن سلطة النقد تراقب وتفتش على محال الصرافة لضمان تحقيق شروطها والقيود التي تفرضها من رام الله بالإضافة إلى حصولها على دورة المال في غزة.
"الرسالة" وحفاظاً على حق سلطة النقد في الرد على الاتهامات الموجهة ضدها ورغبة في الحديث عن دورها في تنظيم العمل المصرفي توجهت إليها وطلبت منها التعقيب إلا أنها طلبت كتابا رسميا يتضمن أهم محاور اللقاء، ورغم استجابة معدة التحقيق لطلبهم ومتابعتها للكتاب والتأكد من وصوله للمعنين إلا أنها لم تتلق أي رد.
وفي ظل الحديث عن البدائل، بين نشوان أن القانون لا يسمح لوزارة الاقتصاد التدخل في العمل المصرفي إلا أنه يمكنها متابعة الموضوع من خلال شق حماية المستهلك الذي يتعرض للابتزاز يومياً.
وفي ظل الوضع القائم ورقابة سلطة النقد التي تقتصر على حجم التداول اليومي للمال في القطاع، يحتاج المواطن إلى تفعيل جهة رقابية تحمي حقوقه وتحفظ السوق من تجاوزات محال الصرافة المرخصة وغير المرخصة .