غزة/ أمينة زيارة
علق أهالي قطاع غزة المشردين من بيوتهم ومصانعهم ومزارعهم آمالهم على أموال الاعمار التي تعهدت بها المؤتمرات الرسمية والتضامنية في شرم الشيخ واسطنبول، وانتظروا بفارغ الصبر قدوم تلك الأموال، إلا أن أحلامهم تبخرت حينما لم يصل أي دولار من هذه الأموال بسبب الأجندات السياسية واستمرار الحصار.
"الرسالة" رصدت تحركات البناء الفردي وتعبيد بعض الشوارع في ظل وقف اعمار المؤسسات والبيوت المدمرة .
**حبة مسكن
جلس "أبو محمد العطار" على باب خيمته في مخيم الصمود والثبات شمال قطاع غزة ينتظر أي خبر عن البدء بالاعمار ودخول مواد الاسمنت، انتظر طويلاً ولم يجد الرد الذي يطفئ نار شوقه.
أبو محمد الذي يعمل مزارعاً في مشاتل التوت يذهب في الصباح لزراعة بعض الاشتال ، وبعد الظهر يمضي وقته بين عائلته في الخيمة، وما أن دخل عليه زوج ابنته يخبره بأن بعض مواد الاسمنت دخلت المعابر حتى طار فرحاً وأضحى ينادي على زوجته وبناته قائلاً: سنعمر بيتنا ونعود إليه قريباً، فبادره زوج ابنته بكلمته التي كانت كحد سيف نزل على قلبه، يقولون لوكالة الغوث فقط، حينها بدأ العطار يضرب أخماسا بأسداس، ويقول: عقدت مؤتمرات كثيرة وكل يوم نسمع العهود من هذه البلاد وغيرها وان الاسمنت سيدخل عبر السفن، ورُصدت أموال للاعمار ولكن لم نر شيئاً حتى الآن، وتابع: " هذه المؤتمرات كانت بمثابة حبة مسكن لآلام وأوجاع أهالي قطاع غزة، ففي شرم الشيخ سمعنا برصد ما يقارب 4 مليار دولار ولم يصل شيئا منها فقد ربطوا هذه الأموال بالمصالحة".
فيما قام أبو احمد بدر الذي يسكن حي السلاطين في بيت لاهيا بكسوة بيته المدمر بالنايلون وتثبيته بقطع الأخشاب كي يحمي عائلته من حر الصيف الشديد، ويقول: لم تستطع زوجتي المريضة بالربو وابني المعاق من تحمل أجواء الخيم فلجأت إلى فكرة كسوة بيتي بالنايلون المتوفر، ورغم الحر الشديد إلا أن البيت يبقى هو المأمن والحضن الدافئ للعائلة، مضيفاً: يوم مؤتمر اسطنبول الذي كان بمثابة طاقة أمل لحياة جديدة لأهالي قطاع غزة المشردين، حلمنا بالاعمار ولم يتحقق ووقفت أحلامنا على أبواب معابر الذل والحصار.
أما أبو أحمد أبو حليمة من نفس المخيم فقد استدعى شاحنة كبيرة وآلة لإزالة الأنقاض من بيته دون انتظار تصريح، حيث قال: كانت تصل لنا أخبار عن دخول مواد خام، حيث كنا نرى بعض البيوت تقام لها أسوار فقد كانت محاولات فردية، ولذلك سارعت لإزالة الأنقاض إيذاناً ببدء الاعمار، ولكن لم يصل شيئا، منوهاً إلى ربط بعض رؤساء الدول أموال الاعمار بالمصالحة الوطنية ، وهو ما رأى فيه ظلم بحق شعب مظلوم، وحسب الأجواء الحالية لن يكون توافق وسيبقى المشردون في الخيام يعانون الويلات حتى يأتي فرج الله.
**حملة ضاغطة
المحلل الاقتصادي محسن أبو رمضان علق بأن القرار السياسي واللجنة الرباعية وأمريكا و"إسرائيل" يتفقون في استمرار فرض حصار خانق على قطاع غزة ومشدد يأتي ضمن سياسة العقاب الجماعي والابتزاز السياسي لتقديم تنازلات سياسية محددة، لذا كانت الإجراءات العقابية الاقتصادية المتمثلة بإغلاق المعابر، مضيفاً: يجب القيام بحملة ضاغطة على اللجنة الرباعية والمجتمع الدولي لإعادة النظر في قراراته الجائرة التي تحرم العديد من العائلات من حقهم في العيش بكرامة، وأن تقوم بفتح المعابر وإدخال المواد الخام، فهناك مئات العائلات مازالت في مخيمات اللجوء وهم في حاجة لمواد البناء لأجل القيام بإعادة الاعمار.
ويرى أبو رمضان أنه لا قيمة للمؤتمرات التي تُعقد تحت عنوان إعادة اعمار قطاع غزة كمؤتمر شرم الشيخ لأن هذه المؤتمرات سياسية تهدف إلى تغطية عجز المجتمع الدولي اتجاه عدم قدرته على لجم العدوان الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، ومحاولة لتعويض هذه الخسائر التي مُني بها الشعب الفلسطيني جراء العدوان الإسرائيلي، "بمعنى أن المجتمع الدولي يحاول أن يدفع فاتورة الاحتلال والأصل أن يقوم بمحاكمة الاحتلال على جرائمه، وأن يضغط عليه باتجاه فتح المعابر بصورة كاملة على القطاع.
وبحسب أبو رمضان فان الاحتلال يريد أن يحول القطاع إلى استهلاكي ويتلقى المساعدات من وكالة الغوث على الصعيد الاجتماعي والإنساني لذا يجب أن لا تكون هذه المساعدات الغذائية بديلاً عن المشاريع التنموية المنشودة.
وعن دخول بعض أطنان المواد الخام "الاسمنت" قال: المواد الخام التي دخلت هي لوكالة الغوث وبكميات محدودة، حيث دار الحديث عن 310 طناً لم يصل أكثر من 100 طن حتى الآن، وكان هناك أولوية لديهم لإعادة تعبيد بعض الشوارع الرئيسية، مؤكداً أن المطلوب لإعادة الاعمار من 4 آلاف طن يتم فيها توفير الاسمنت والأسس اللازمة لإعادة الاعمار.
** شبكة آمان
وفيما يخص مؤتمرات الاعمار فيتحدث أبو رمضان: مؤتمر اسطنبول حاول أن يوظف التضامن عن طريق ترجمات اقتصادية ومالية مناسبة تساعد في توفير شبكة حماية وأمان اجتماعي لصالح الفقراء والمعوزين والذين يسكنون العراء ، أما شرم الشيخ فهو سياسي رسمي، مستدركاً: لكنه بحاجة للوقت وجهد ويُنظر له بايجابية وأنه خطوة على طريق تعزيز المؤتمرات ذات العنوان القائم على التضامن مع الشعب الفلسطيني وليس المؤتمرات ذات الأجندة السياسية والتي تحاول امتصاص غضب الشعب الفلسطيني جراء تقاعس المجتمع الدولي على لجم العدوان .
ويضيف المحلل الاقتصادي " الدول الرسمية العالمية تعقد مؤتمرات وترسم الوعود وتقطع على نفسها تعهدات ولكن حتى الآن لم يصل دولار واحد من هذه الوعود".
ويرى أبو رمضان أننا بحاجة إلى إجراءات قوية اتجاه المجتمع الدولي الذي يجب أن يحاصر إسرائيل وليس حصار الشعب الفلسطيني الذي يناضل من اجل الاستقلال وهذا يأتي من خلال حملة مقاطعة عامة تبدأ بالمقاطعة السياسة والاقتصادية.
ويختم حديثه: للبدء بالاعمار نحتاج إلى فريق من الخبراء عن طريق مشاركة المؤسسات الأهلية والحكومية والمجتمع المدني في وضع خطة لإعادة الاعمار تحدد الأولويات والاحتياجات بصورة منهجية قادرة على البدء في إعادة الاعمار وإنقاذ الأهالي الذي يعانون الفقر ولكن هذه الخطط لن يكتب لها النجاح في ظل استمرار الحصار والانقسام.