كشفت جريمة اغتيال الشهيد القسامي محمد الفقيه، النقاب عن فصل جديد من فصول التنسيق الأمني المشترك بين السلطة والاحتلال، يتمثل عنوانه في استباحة المدن الفلسطينية واغتيال المقاومين، بعلم مسبق من السلطة التي تعطي الضوء الاخضر لعناصرها بالانسحاب وللاحتلال بالاجتياح.
تحت مظلة التنسيق الأمني، عاشت بلدة صوريف قضاء الخليل، تفاصيل المشهد السابق، عندما أقدمت الاحتلال على اغتيال الفقيه، بعد شهر من المطاردة الثنائية على يد امن السلطة والاحتلال، بذلت فيها الأولى جهودًا مضنية لتقديم معلومات حول الشهيد، بذريعة تجنيده للأسير محمد برويش أحد عناصر أمن السلطة الذي أجدف عكس تيارها ووفر بندقية منها للشهيد لينفذ عمليته.
عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية عبد العليم دعنا، أن السلطة تتلقى معلومات مسبقة من الاحتلال، بوجود تحركات له في أي منطقة تخضع لسيطرتها، ويريد ان يجتاحها.
وقال دعنا لـ "الرسالة نت"، إن دخول الاحتلال لمنطقة صوريف التي تحصن فيها الشهيد محمد الفقيه، لا بد ان تكون السلطة على علم بها كما جرت الاجراءات قبل ذلك.
وأشار الى أن أمن السلطة لم يشارك طيلة فترة الاشتباك بين الشاب والاحتلال والتي استمرت لمدة 7 ساعات تقريبًا، مضيفا:" ولا نتصور أن تشتبك السلطة لأنها ترى إن امكانياتها لا تقارن مع الاحتلال".
وأكدّ ان سياسة السلطة قائمة على الاعتراف بإسرائيل وتقديم التنازلات له، ودفع استحقاقات عملية التسوية وفي مقدمتها تحقيق الامن للاحتلال.
ورأى أن عملية الاغتيال ما كانت لتتم لولا توفر معلومات من عملاء الاحتلال، وقد "تكون منظومة التنسيق الامني جزءا من توريد المعلومات حول اغتيال محمد".
وجدد تأكيده خطورة استمرار سياسية التنسيق الأمني بين الاحتلال والسلطة، والتي يدفع الفلسطينيون ثمنها بشكل كبير.
الشهيد الفقيه اعتقل لدى السلطة عام 2011م لمدة 50 يومًا، وعادة الاعتقال لهذه المدة الطويلة لدى السلطة تكون على خلفية شكوك بوجود علاقة له بالعمل العسكري، كما يقول دعنا.
التنسيق الأمني تظهر خيوطه الرفيعة بشكل جلي عند الاحتلال، فعشرات المعتقلين تحديدًا من تم اعتقالهم في الفترة الاخيرة، تم اطلاعهم على اعترافات لهم انتزعت تحت التعذيب في سجون الأمن الوقائي، تحديدًا كما جرى في خليتين بنابلس، وفق ما افاد المجاهدون لعاصم أبو الهيجا نجل القيادي الأسير جمال ابو الهيجا عضو الهيئة القيادية العليا للأسرى.
ويقول أبو الهيجا لـ "الرسالة نت"، إن قضية تسليم الخلايا تكشفت فصولها مع اعترافات المقاومين، بوجود ملفات جاهزة لهم توضع على طاولة المخابرات، ويتبين أن هذه الملفات هي لاعترافات لهم انتزعت في مكاتب التحقيق عند السلطة.
لم تقتصر الحالة عند مقاومي كتائب القسام، بل تعدى الامر ليصل الى داخل فتح، فالمتحدث باسم جناحها العسكري ابو محمد أكدّ لـ "الرسالة"، أن السلطة سلمت خلايا للكتائب بعد التحقيق مع افراد منها، وتم تسليمهم للاحتلال.
وأكدّ أن السلطة استهدفت بشكل عملي مشروع المقاومة في الضفة، حتى بما ذلك كتائب شهداء الاقصى، " وفككت خلايا عن طريق اعتقال اشخاص من الكتائب خلال الفترة الماضية التي أعقبت اندلاع ثورة القدس".
وهو ما أجمع عليه ابو علي المتحدث باسم وحدات نبيل مسعود في تصريح سابق لـ "الرسالة"، أن السلطة كبّلت يد الحركة، مشيرًا إلى أنّ أبناءهم في الضفة هم جزء من حالة الملاحقة التي يتفاخر بها فرج.
ولفت أبو علي في حديثه لـ "الرسالة نت"، إلى تورط السلطة في كشف الكثير من الخلايا التي حاولت الكتائب تشكيلها مؤخرًا بالضفة.
اعتقالات السلطة طالت العشرات من المقاومين والكوادر التنظيمية في الضفة، طيلة المرحلة الماضية ولم تتوقف حتى في ظل الدعوة لإجراء الانتخابات البلدية.
وأكدّ خليل عساف نائب رئيس تجمع الشخصيات المستقلة بالضفة، أن الانتماء التنظيمي المرتبط بالاحتلال، يعتبر جريمة لدى السلطة.
وقال عساف لـ "الرسالة نت"، السلطة تستخدم كل الاساليب غير القانونية التي من شأنها ان تحاصر الانتماء التنظيمي في الضفة، وتسعى لإيجاد مسوغات قانونية عليها.
وقد وصل عدد أوامر الاعتقالات والاستدعاءات لدى السلطة خلال الفترة الماضية، الى حوالي 35 ورقة.
سياسة التنسيق الأمني اشتدت مؤخرًا في الضفة المحتلة، وفق ما اعترفت به قيادات أمنية وسياسية اسرائيلية، إذ أكدّ موقع ويلا العبري، أن التنسيق الأمني بين الاحتلال الاسرائيلي، والسلطة الفلسطينية، متواصل ولم يتوقف.
وقال موقع "واللا" العبري، الثلاثاء، إنه رغم التوترات الأمنية في الشهور الأخيرة، فإن أجهزة الأمن الفلسطينية تحافظ على الانضباط العالي نسبيا، وعلى التنسيق الأمني مع إسرائيل بشكل لم يسبق له مثيل.
وأشار الموقع أن كبار الضباط ومسؤولي الاستخبارات الفلسطينيين والإسرائيليين يواصلون عقد لقاءات، وإجراء مشاورات، وإبقاء قنوات نقل المعلومات مفتوحة.
وكان رئيس وزراء السلطة رامي الحمد الله، قد أكدّ استمرار التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال.
وقد انتقدت القيادية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين النائب خالدة جرار، تفرُّد قيادة السلطة الفلسطينية في القرار وعدم تطبيق قرارات وقف العلاقة الأمنية والسياسية مع الاحتلال، مؤكدة أن التنسيق الأمني لا يزال مستمرًا، مشددة على ضرورة تفعيل الإطار القيادي المؤقت وإعادة ترتيب منظمة التحرير الفلسطينية.
وقالت جرار لـ "الرسالة نت"، هناك تفرد في القرار، وعدم احترام للمؤسسات الفلسطينية وعدم تطبيق لما ينجم عنها من قرارات ملزمة"، موضحة أن عديد القرارات التي اتخذت لم يتم تنفيذها لعدم وجود إرادة للتعامل مع الحالة السياسية الراهنة ضمن مسار سياسي وميداني مختلف وغير متوائم مع تطلعات الفلسطينيين.
وأشارت إلى أن السلطة لا تزال تراهن على المفاوضات الثنائية بشكل مباشر، "لذلك هي ترفض أي قرار يؤخذ القضية اتجاه مسار بديل عنها".
وتشكك القوى السياسية من امكانية اجراء انتخابات نزيهة تحت مظلة التنسيق الأمني مع الاحتلال.